الجزء السابع: هل يسامحنا أمين معلوف؟
بقلم المفكر الكبير الدكتور: ثروت الخرباوي
هناك مشهد حيرني في مسلسل (الحشاشين)، فقد خرج عمر الخيام ونديمه صهبان البلان من (قلعة ألموت( لصاحبها حسن الصبَّاح، فكان أن أخذا طريقا قريبا من الجيش السلجوقي الذي كان يحاصر القلعة وقتئذ.
ولكن الجنود شكَّوا في أمرهما، من هذين الرجلين الغريبين؟! فاقتادهما الجندي إلى قائد الجيش ليبت في أمرهما، وهنا بادر عمر الخيام بتعريف نفسه لقائد الجيش قائلا: أنا عمر الخيام، فقال قائد الجيش أعرفك طبعا وهل هناك من لا يعرف الخيَّام؟
والحقيقة أن الخيَّام لم تكن معه أوراق ثبوتية تدل عليه، فقد كان لا يحمل بطاقة رقم قومي سلجوقي أو أصفهاني، كما لم تكن معه رخصة قيادة حصان عربي أو فارسي!! وقد ظهر على قائد الجيش منذ أن وقعت عيناه عليه أنه يعرفه، فكيف عرفه؟!
هل سبق أن رآه في ندوة شعرية مثلا؟ أم أنه رآه في حلقة تلفزيونية على فضائيات السلاجقة؟!، أم أن سيادة المخرج الدكتور اللواء (بيتر ميمي) هو الذي وشى بعمر الخيام وأخبر قائد الجيش عنه؟!
(واللواء هنا من باب التكريم لأنه قدم أعمالا وطنية عظيمة)، أو هل يمكن أن يكون قائد الجيش السلجوقي قد سافر عبر الزمن للقرن العشرين وقرأ رواية (أمين معلوف) الشهيرة (سمرقند)!!
وهى رواية تدور في معظمها عن عمر الخيام، فهو الشخصية الرئيسية فيها، وقد تناولت الرواية حياته ورباعياته، فعرف من هو الخيام؟ وبمناسبة تلك الرواية نطرح سؤالا هو: ما هو سبب وجود حسن الصبَّاح في رواية (أمين معلوف)؟
كان الصباح شخصية ثانوية في رواية (معلوف)، ولكن الروائي القدير استخدمه ليمزج بين الشخصيتين أحيانا، ولذلك حدث تماس روائي ـ وليس تاريخي ـ بين الخيام والصباح.
فاستخدم معلوف الصبَّاح ثم فرغ منه وألقى به من صفحات الرواية معظم الوقت ولم يستخدمه إلا لكي يخدم الحبكة الدرامية، ويساعد في تصاعد الأحداث، فقط ليس إلا.
ما علينا، فلله شئون يبديها ولا يبتديها.
لأمين معلوف شئون يبتديها
أما نحن فمن خلق الله، لذلك فإن لأمين معلوف شئون يبتديها، ولعبد الرحيم كمال شئون يقتبسها في (الحشاشين)، أو كما يقول البعض: (ينقلها نقل مسطرة)، وهذه مشكلة تواجهنا في الأدب والشعر والدراما والموسيقى.
وسبق أن كتبت مقالات عن كبار المقتبسين المصريين وقدمت الأدلة على اقتباساتهم، وكان على رأسهم الملحن الكبير الدكتور اللواء محمد عبد الوهاب، والسيناريست وحيد حامد، والسيناريست بشير الديك، والممثل المخرج والمؤلف أنور وجدي، وآخرين يسدون عين الشمس.
ثم آخر عنقود المقتبسين سيادة الدكتور اللواء بيتر ميمي، (واللواء هنا لأنه يرفع لواء الاقتباس)، وصاحبه شيخنا الجليل السيناريست عبد الرحيم كمال، ومن باب العلم بالشيء فإن الاقتباس غير السرقة.
الاقتباس يدل على قلة الموهبة، فيقتبس ليضفي على نفسه قيمة ليست له، والسرقة تدل على قلة الضمير، يسرق ليضيف لحسابة البنكي قيمة مالية، ولكن ما هي قصة هذا الاقتباس؟!
أولا: يجب أن نعرف من هو (أمين معلوف)، فمعظمنا لم يسمع عنه، اللهم إلا بعض المهتمين بالقراءة، ولكنك تستطيع عن طريق الباحث الإلكتروني أن تعرف قصة حياة أمين معلوف بأكملها.
فهو كاتب وأديب فرنسي كبير من أصل لبناني، وله إبداعات كثيرة حصل بعضها على جوائز عالمية، ومنها رواية (صخرة طانيوس) ورواية (حدائق النور).. وهى رواية أكثر من رائعة عن شخصية تاريخية ذات أثر كبير.
فهي تدور عن السيد (ماني البابلي) والذي أنشأ الديانة المانية ـ أو المانوية ـ التوحيدية، بعد الميلاد بحوالي مائة وستين عاما، والذي قال عنه بعض المؤرخين من العرب والأجانب إنه كان نبيا، وقد تم قتله صلبا وسلخا مع قطع رأسه من الفارسيين من أصحاب الديانة الزرادشتية.
ثم كتب (معلوف) رواية (سمرقند الرائعة) والمبدعة التي تم نشرها عام 1988 في فرنسا، وحصلت على جائزة عالمية، وقد تم نشرها باللغة العربية عام 1994 وقام بالترجمة الدكتور اللغوي اللبناني الكبير (عفيف دمشقية) رحمه الله، وقد توفاه الله بعد أن قام بترجمة (سمرقند بعامين.
أما (أمين معلوف) فهو لا يزال عائشا مبدعا في فرنسا يكتب روايات عن أمور لم يطرقها أحدٌ قبله، فهو مفكر وفيلسوف ومؤرخ قبل أن يكون أديبا، هل انتهينا من التعريف بمن قامت ثقافته على الإتقان والتدقيق؟ أظن ذلك.
الصفحات الأولى لرواية (سمرقند)
عندما نقرأ الصفحات الأولى لرواية (سمرقند) المأخوذ عنها مسلسل (الحشاشين)، سنجد مشهدا تصويريا واضحا، استمده (أمين معلوف) من خياله، وخيال (أمين معلوف) خصب، ولا يرتفع قدر مبدع في أي مجال إلا إذا كان صاحب خيال خصب ومتسع.
وكلما ارتفع خياله إلى أعلى سماء ارتفع إبداعه وكانت لديه القدرة على إنتاج المعرفة، هكذا هم العباقرة.
نعود إلى المشهد المفتتح في رواية (سمرقند) لأستاذنا معلوف، وهو يحكي عن دخول الشاعر عمر الخيام إلى مدينة سمرقند، حيث كان يريد أن يذهب إلى القاضي (أبو طاهر).
ولكنه وهو في الطريق لقي مجموعة من العامة يضربون رجلا ضربا مبرحا، فلما سألهم لماذا تضربون هذا الرجل فقالوا إنه كافر فهو من أتباع الكافر ابن سينا، فترحم الخيَّام على (ابن سينا).
فقال له الضاربون: إذن أنت أيضا كافر طالما ترحمت عليه، وفي الرواية ضربوه إلى أن جاءت الشرطة فأخذته للقاضي (أبو طاهر) الذي أكرم وفادته وقال له إن علمك سيكون داخل القصر فقط.
هذا المشهد بتفاصيله جاء في مسلسل (الحشاشين) بالحلقة الثانية، حتى دون أن يُغيِّر صاحبنا السيناريست شيئا منه اللهم إلا أنه أشفق على عمر الخيام فجعله يسرع بالانصراف من هؤلاء العامة حتى لا ينال منهم ما لا يحب، وعند القاضي (أبو طاهر) اكتشف عمر الخيَّام أن هذا القاضي الحاكم رجل مستنير يحب العلم.
وقد يقول قائل دفاعا عن السيناريست عبد الرحيم: إنها قصة من التاريخ يا رجل، ومن حق كل واحد أن يأخذ منها ما يشاء، ولكن الحقيقة غير ذلك، فهذه القصة لم ترد في أي كتاب من كتب التاريخ التي أرخت لعمر الخيَّام، ولم يقل بها أحد.
هي فقط من وحي خيال الكاتب والروائي (أمين معلوف)، هو الذي كتبها، وهو الذي أضافها إلى قصته ليبين لنا كيف أن (سمرقند) وقتها كانت غارقة في الجهل، فأخذها (عبد الرحيم كمال) ظنا منه أن رواية (سمرقند) هى من كتب التاريخ، مع إنها من وحي التاريخ.
حب عمر الخيام لجيهان
أضف إلى هذا قصة حب عمر الخيام لجيهان، وإذا كانت لا توجد نصوص تاريخية واحدة تؤرخ لقصة حب الخيَّام لجيهان، ولا حتى لوجود (جيهان) نفسها، والمتفحص لحياة (معلوف) سيعرف أنه أحب فتاة ذات يوم اسمها (جيهان)، لذلك استخدم اسمها إذ أن أحد جوانب رواية (معلوف )تدور في الحقيقة حول نفسه، وحول حياته.
ومع ذلك فإن كل الكتب القديمة لم تذكر (جيهان) أبدا، نحن نعرف سوزان زوجة طه حسين، ولكننا لا نعرف (جيهان) حبيبة الخيام، إلا أن الكاتب والروائي (أمين معلوف) أضافها من خياله، أو من وحي حياته.
وعلى نحو ما كتب (معلوف) الروائي سار بعض المؤرخين الجدد وراءه، والحقيقة هي أن الخيام لم يثبت أبدا أنه تزوج، كما لم يثبت أنه أحب شاعرة اسمها (جيهان) ـ وفق رواية معلوف ـ ولا مغنية ـ وفق رواية عبد الرحيم كمال.
وكل الكتب القديمة التي كتبت عن حياة الخيام وأولها كتاب (جهار مقالة) الذي كتبه تلميذ الخيَّام (أحمد بن عمر بن علي النظامي العروضي السمرقندي)، كما أنني لم أجد ذكر لهذا الحب وتلك المرأة في كتاب (عمر الخيام) لأحمد حامد الصراف المنشور في بغداد عام 1931.
وقد أورد فيه (الصراف) ملخص لكل ما ذكره المؤرخون عن حياة الخيام ورباعياته، وحين ناقش المؤرخين انتقد، ووافق، واختلف، إلا أن تلك الحبيبة لم يكن لها وجود، وإذا كان من حق صاحبنا عبد الرحيم أن يطلق خياله ليقص لنا عن الحبيبة (جيهان) ما يشاء إلا أن هذا يجب أن يكون من خياله هو لا من خيال (أمين معلوف).
والعجيب أن بعض المؤرخين الجدد أخذوها وكتبوها في كتبهم بعد عام 1988، وهو زمن كتابة معلوف لروايته، وعلى ما يبدو أن المؤرخين عندنا يخلطون بين التاريخ والرواية ووحي التاريخ ووحي المؤلف!!، وسنجد العديد من الاقتباسات في المسلسل من رواية (معلوف) ومن روايات أخرى.
العمل مستوحى من رواية (سمرقند)
أما الخبر المهم فهو أن الروائي والكاتب الكبير (أمين معلوف) عرف من خلال وسائل التواصل والقنوات الفضائية ،أن هناك مسلسلا مصريا تناول قصة عمر الخيام وحسن الصباح ونظام الملك، وأن هذا المسلسل أخذ من روايته نصوصا كاملة ونسبها المؤلف لنفسه، ولم يُشر المخرج إلى أن هذا العمل مستوحى من رواية (سمرقند) لمعلوف. بل كتبوا في تتر الحلقات أنه مستوحى من التاريخ، وأخشى ـ أقول أخشى ـ أن يقيم دعوى أمام المحاكم الفرنسية وفقا للقانون الفرنسي، ووفقا لاتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية الموقعة من مصر وفرنسا والعديد من دول العالم.
خاصة وأن القانون الفرنسي يعتبر أنه هو المختص بنظر هذه القضية لأن المسلسل تم إذاعته على القنوات الفضائية وليس القنوات الأرضية، وبذلك يكون قد وصل عبر الأثير إلى فرنسا، وقتها إن فعل أمين معلوف ذلك ستتحمل الشركة المنتجة عشرات الملايين من اليوروات، والله أعلم.
فمحاكم فرنسا أشد من محاكم مصر في تقدير التعويض وفي حبس السارق، فليس ببعيد عنا ذلك الحكم الذي صدر لصالح الفنان الروسي التشكيلي على الفنانة المصرية (غادة والي) التي قامت بتقليد لوحاته مع تغيير طفيف ووضعتها في مترو أنفاق كلية البنات.
وكان الحكم بالحبس ستة أشهر مع الغرامات والتعويض المؤقت مائة ألف جنيه، وربنا يستر عليكي يا شركة يا منتجة، ويستر علينا كلنا من الفضيحة أمام الأمم.
ومع هذا وحتى نعطي المسلسل حقه نقول إن فيه فلتات عبقرية سأقدمها لكم في الحلقة القادمة إن شاء الله.