بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
كانت مصر لعهود طويلة تضج بالتنوع الثقافي والسياسى والدينى.. قبلة للمضطهدين و نجاحا للموهوبين وحاوية لكل فنان وأديب.. تشترى الجبن من بقال يونانى.. الساكن في الشقة المجاورة لك يهوديا مصريا مثل (نجمة إبراهيم) و(سرينا إبراهيم).
الزيجات الفنية المختلطة في هذا العهد شريحة حية لمدى الامتزاج.. زواج ليلى مراد و أنور وجدى .. راقية إبراهيم ومهندس الصوت مصطفى والى.. منير مراد و سهير البابلى.. نجوى سالم و عبد الفتاح البارودى.. و غيرهم.
كانت المحاولات مستمرة للتأكيد على هذا التمازج فنجد يوسف وهبى يختار ليلى مراد لتجسيد شخصية أسيرة فلسطينية في أوبريت (شادية الوادي).. نجد كاميليا ومعها ليلى مراد في أعمال أخرى يرتدين ملابس الممرضات المصريات اللاتي يعتنين بالجنود المصريين العائدين من حرب فلسطين.
وذلك في فيلم (أرواح هائمة) عام 1949 .. كما نشاهد راقية إبراهيم تتزين بعلم مصر و نجومه الثلاث في فيلم (ما كانش ع البال).. كرمت الدولة المصرية العديد من الفنانين اليهود عن دورهم في مساندتهم الوطنية لها مثل ليلى مراد.
ونجوى سالم التي تم منحها درع (الجهاد المقدس) عن دورها في الترفيه عن جنود الجبهة أثناء حرب الاستنزاف.. كذلك وسام العلوم و الفنون للفنانة (نجمة إبراهيم) على عكس اختها (سيرينا إبراهيم) التي لاحقتها لعنات المصريين طوال رحلة هروبها الى إسرائيل لتنتهى بها نهاية مأساوية مستحقة.
ولدت (نجمة إبراهيم) – يولينى أوديون سابقا- عام 1914 لأسرة يهودية مصرية بالقاهرة .. أشيع أنها الشقيقة الصغرى للفنانة اليهودية (راقية إبراهيم)، و قد تم تكذيب هذه الشائعة، وحقيقتها أنها الأخت غير الشقيقة للفنانة اليهودية (سيرينا إبراهيم) والتي كان لها الدور الكبر في ولوج نجمة إلى عالم الفن.
(سيرينا إبراهيم).. راقصة ومطربة
بدأت (سيرينا إبراهيم) حياتها الفنية كراقصة ومطربة بفرقة إسكندر فرح.. من أشهر أغانيها التي قامت بأدائها (أفديه ان حفظ الهوى).. تنقلت (سيرينا إبراهيم) كمطربة وممثلة بين العديد من الفرق المسرحية لتشارك في مسرحيات عدة منها مسرحية (شهداء الغرام، وغادة الكاميليا، أحدب نوتردام، والسلطان عبد الحميد).
وذلك من خلال فرق (جورج أبيض، وسلامة حجازي، وفاطمة رشدي، و يوسف وهبى) الذى كتب عنها في مذكراته انه أثناء عرض مسرحية (الشعلة) عام 1924 اعتذرت روزليوسف عن أداء دورها لمرضها المفاجئ ليسند الدور لسيرينا إبراهيم و التي كادت أن تتسبب في فضيحة لضعف مستواها الفني ذاك الحين.
تنتقل (سيرينا إبراهيم) بعد ذلك للتمثيل في السينما في أفلام عدة منها (عنتر أفندي) و(ليلى، وطاقية الإخفاء) في نسخته الأولى التي لم يشارك فيها الفنان عبد المنعم إبراهيم.
تزوجت (سيرينا إبراهيم) من الثرى اليهودى سالم مزراحى فيما بعد وانتقلت للعيش معه في الإسكندرية.
كانت (سيرينا إبراهيم) تصطحب أختها (نجمة إبراهيم)، وهى لازالت في التاسعة تجوب بها المسارح.. عشقت (نجمة إبراهيم) الغناء حيث تميزت بصوت طربى وأداء متقن لتلقى تشجيعا هائلا قفز بطموحها الفني لمنافسة مطربتى عصرها أم كلثوم ومنيرة المهدية.
استمرت ترقص و تلقى المونولوجات على المسارح المختلفة و من أشهرها مونولوج (ما تجوزنى يا بابا من نفسي).. هجرت دراستها الابتدائية بمدرسة الليسيه بالقاهرة لانشغالها بالفن رغم الغضب الشديد لأسرتها.
التحقت بإحدى الصحف الفنية للكتابة على الآلة الكاتبة.. انضمت عام 1929 لفرقة فاطمة رشدى كمطربة، لتعود بعدها للالتحاق بفرقة عزيز عيد، فتتعلم أصول فن التمثيل على يديه.
عام 1932 انتقلت للعمل بصالة بديعة مصابنى بشارع عماد الدين تشارك بشارة واكيم بعض الفصول الاستعراضية الغنائية.. حاولت تكوين فرقة مسرحية خاصة بها مرتين لكنها للخسائر الفادحة كانت تقوم بتصفية الفرقة في كل مرة.
قدمت العديد من المسرحيات في الفرقة القومية منها مسرحية (الملك لير، والمال والبنون، ومدرسة الإشاعات (العائد من فلسطين).
(نجمة إبراهيم) تتزوج مرتين
تزوجت (نجمة إبراهيم) مرتين.. الأولى من الملقن بفرقة بديعة مصابنى (عبد الحميد حمدي) لمدة 9 سنوات، والثانية من الملحن (عباس يونس) الذى استمرت زيجاتهما حتى نهاية العمر .. كان عباس يونس أيضا ممثلا و مخرجا.
تم نشر وثيقة إشهارها للإسلام عام 1932 في حضور وكيل شياخة الأزهر باسمها الجديد (نجمة داود إبراهيم) بدلا من (بولينى اوديون).
بدأت مشاركتها السينمائية الأولى كمطربة في فيلم (تيتا وونج) عن معاناة فتاة صينية لأب مصري تعيش في مصر.. ثم فيلم (الورشة) عام 1940 لتلفت الأنظار بقوة عام 1942 في فيلم (عايدة) مع أم كلثوم في دور ناظرة المعهد الذى تدرس فيه (عايدة) الموسيقى.
لينطلق قطار نشاطها الفني ينهب محطات سينمائية متتالية .. فيلم (من الجانى) مع أمينة رزق و أنور وجدى .. تلاها سلسلة أفلام (عنتر وعبلة)، منها فيلم (عنتر وعبلة) مع (سراج منير و كوكا) وقامت فيه بدور (سمية) زوجة شداد .. يليها فيلم (مغامرات عنتر و عبلة) بنفس الممثلين تقريبا و يدور في ليلة زواج عنتر وعبلة، حيث يحضر (ضرغام الراغب) من قبل في الزواج بعبلة ليحث المربية سليمة على إشاعة أنها أرضعت عنتر وعبلة سويا ولا يحق لهما الزواج.
في الحلقة القادمة نستكمل سيرة (نجمة وسيرينا إبراهيم)