(رياض الخولي).. غول التمثيل الذي أمتعنا في (حق عرب، وصيد العقارب) في رمضان 2024
كتب: أحمد السماحي
لاشك أن (رياض الخولي) انتهج منهجا جديدا في أدوار الشر المركبة، وذلك انطلاقا من قناعته الشخصية أن أدوار الشر هى المحرك الرئيسي لأي عمل درامي لأنها تواجه البطل وتدخل معه في سجال يمنح الممثل الفرصة لإخراج طاقاته، خصوصا أنه يحرص على عدم تقديمه بشكل تقليدي.
وقد نجح (رياض الخولي) في ذلك، انطلاقا من قناعة راسخة بداخله (إنه لا يشترط في الممثل الذي يؤدي هذا النوع من الأدوار حمل صفات شريرة سواء في الشكل أو في المضمون لأن معظم العمالقة الذين أدوا هذه الشخصيات مثل (زكي رستم ومحمود المليجي وعادل أدهم وفريد شوقي) كانوا من ألطف الناس على المستوى الشخصي.
وقد تمتعوا برقة قلب كبيرة، وربما هذا يتوافق مع قاعدة (ستانسلافسكي) التي تقول: (عندما تؤدي دور الشرير، ابحث عن الجانب الطيب فيه، وعندما تلعب دور العجوز ابحث عن الجانب الفتي فيه).
ولهذا نتوقف اليوم من خلال جوائزنا المعنوية لبعض النجوم الذين أسعدونا بأدائهم المبهر المتوهج في شهر رمضان الماضي، مع العملاق (رياض الخولي) الذي رضي بأن تكون ثروته هى (الستر)، واحتفظ بابتسامة الرضا على شفتيه، ودفء المشاعر الكريمة في قلبه.
(رياض الخولي) الممتلئ قلبه بنور الحب، وذكاء المعرفة، وقوة النبوغ الفني، الذي رفض طيلة حياته أن يقيد نفسه بشيئ يبعده عن الفن، حتى لو برباط عنق، والذي يتمتع بنفسية شديدة التسامح، والاستعداد للرضا بما تأتي به الأيام.
نتوقف اليوم مع (رياض الخولي) البعيد عن أي طموح قائم على الخيالات والأوهام والتسرع في التقدير، الحريص على الاجتهاد في تقديم أفضل ما لديه، ثم يترك النتائج تأتي وحدها دون أن يجري وراءها، أو يرهق نفسه بما تحقق منها وما لم يتحقق.
(رياض الخولي) و(حق عرب)
خلال شهر رمضان الماضي أمتعنا (رياض الخولي) من خلال عملين حققا نسبة مشاهدة عالية، أولهما مسلسل (حق عرب) اقتباس محمود حمدان، وإخراج إسماعيل فاروق، المأخوذ عن رائعة (أوديب ملكا) لـ (سوفوكليس).
والثاني (صيد العقارب) ﺗﺄﻟﻴﻒ باهر دويدار، ﺇﺧﺮاﺝ أحمد حسن، ومن خلالهما تألق وتوهج، وقدم برهانا جديدا على قوته التمثيلية التى تهب كالطوفان وتخترق كل ما حولها، والتى ظهرت بوضوح وتجسدت من خلال مشيته، وحركة جسده، وصوته.
ولاشك أن نجاح أي ممثل يعتمد أولا على الموهبة، إنها الخامة الأساسية التى يعتمد عليها كل فنان، و(رياض الخولي) لديه موهبة خصبة وحارة، لهذا صال وجال بموهبته في الدورين.
وأضاف (رياض الخولي) كالعادة إلي موهبته، موهبة أخرى هى قوة الحضور التى كانت تجعلنا نشعر به، ونستريح إليه ونرتبط به، فهو يمثل بصورة طبيعية بلا تكلف ولا محاولة للتمثيل.
في مسلسل (حق عرب) جسد بتمكن واقتدار شديدين شخصية المعلم (عبدربه) الذي يبدأ حياته من الصفر، لكن طموحه الشديد يجعله يتزوج من (صباح الجياش) ابنة العائلة الشعبية الكبيرة.
والذي يستغل حبها الشديد له، ويجعلها تمضي والدها وهو في سرير المرض في غيبوبة الموت على تنازل عن أملاكه وثروته، هذه الثروة التى كانت نارا علي (عبدربه).
وجعلت أقرب الناس إليه وهو شقيقه عطوة يدبر له مؤامرة جهنمية محبوكة لا يستطيع إبليس تدبيرها، حيث استغل إيمان شقيقه عبد ربه بالغيبيات والتنجيم وطلب من العراف (فهيم) الكذب على عبدربه، وإقناعه بأن مولوده القادم سيقتله لو كان ذكرا.
هذه النبوءة التى تقلب حياة عبدربه رأسا على عقب، وتدخله في صراعات عديدة مع ابنه (عرب السويركي) الذي يجهل انه ابنه!
في هذه الملحمة اليونانية الإنسانية جسد (رياض الخولي) دوره بفهم وعمق، وواجه العواصف التى اجتاحت وهزت حياته الأسرية والعملية بكبرياء وعناد، وغاص في أعماق الدور وقدم مشاهد مدهشة لاتنسى مع الموهوبة بقوة (وفاء عامر)، ومع النجم (أحمد العوضي)، ومع الفنان (أحمد صيام)، وأنقذ الشخصية من نمطية كانت تنتظرها.
(رياض الخولي) و(صيد العقارب)
في مسلسل (صيد العقارب) يجسد شخصية رجل الأعمال الغني الحاج (إسماعيل الغول) الذي تدفعه ظروف لا قبل له بها وهى طيش ابنه المدمن (سامح)، إلى عداء صديق عمره (حسن ضرغام).
والانزالق نحو الجحيم خطوة خطوة في تتابع قدري مرعب لا يتمكن من إيقافه إلا مع نهاية الحلقات التى يموت في نهايتها.
في هذا الدور تفوق رياض الخولي وأبرز إمكانات خصبة وأعمق، ما كان يبدو في طريقة تمثيله هو إحساسه العميق بالعذاب، فقد صور العذاب النفسي الذي يمتزج فيه الحزن بالضياع مع الشعور المتصوف بأن الإنسان يقف بين أظافر العذاب ولا حيلة له في الفكاك منه.
من يتابع مشوار رياض الخولي، يجد أنه أمام نجم في حاله من البيت للاستديو والعكس، إذا وجد طوبة انحنى وحملها بيديه، وألقى بها في هدوء إلى جانب الرصيف حتى لا تعوق مسيرته أو مسيرة الآخرين.
وهو ليس نجم سهرات، ولا شائعات، ولا تريندات، ولا صخب، ويملك مهارة غير عادية في الهروب من مصيدة أي حوار، لأنه يجيد التعبير بالأحساس أكثر من الكلام.
ويعشق الوقوف أمام الكاميرا أكثر من الجلوس أمام جهاز أو الميكرفون أو عدسات تصويرالبرامج التلفزيونية، ويبحث في القراءة عما يشكل له بعداً روحياً يتأسس مع نمو موهبته الفنية.
(رياض الخولي).. شخصيات لا تنسى
الفنان الكبير والموهوب بقوة (رياض الخولي)، نجم صديق لكل العائلات المصرية والعربية، فهو شريك أيامنا، وونس ليالينا، الذي جسد وجوه ترتسم على ملامحها آثار البؤس والقهر في عالمٍ يسحق الحلم قبل أن يرفع رأسه.
كما جسد أيضا شخصيات مليئة بقوة وعنفوان الأبطال، وشخصيات فيها شهامة ونبل الفرسان، وذلك من خلال أدوار لا تنسى وصعب أن تسقط من ذاكرة الدراما العربية.
فهو (يزيد بن معاوية) في مسلسل (الكعبة المشرفة)، ومنير الفوال في رائعة (أبواب المدينة)، وسعيد مهران في مسلسل (اللص والكلاب).
وسليمان في مسلسل (رد قلبي)، ورشدي هدايت في مسلسل (هوانم جاردن سيتي)، وأحمد عرابي في رائعة (بوابة الحلواني)، وهلال دسوقي في (زيزينيا)، وفريد في (يوميات ونيس).
وطومان باي في (الزيني بركات)، وقناوي في (شارع الموردي)، والأمير في (العائلة)، وسالم في (سنبل بعد المليون)، ورشدي الحلواني في (جسر الخطر)، وجمال عبدالناصر في (أم كلثوم).
وزكريا بركات التهامي في (الفرار من الحب)، وأبوزيد الهلالي في (السيرة الهلالية)، والشيخ علي السعداوي في (الصعود إلى القلب)، ومحمد عبدالعال في (ريا وسكينة).
ودياب في (حدائق الشيطان)، والوزير شكري جلال في (قضية رأي عام)، وهارون صفوان عبدالرحيم في (سلسال الدم)، و كمال اللباد في (هوجان)، والمعلم سيد اللبان في (الفتوة).
و(رياض الخولي) أيضا هو أبو الدهب في (أيام)، والعجمي في (جزيرة غمام)، وعابد المصري في (أولاد عابد)، وغيرها الكثير من الأدوار والشخصيات الناجحة التى أمتعنا بها على مدى أكثر من 40 عاما.
(رياض الخولي) والتطور مع الزمن
مشوار طويل مليئ بالهزائم، والانكسارات، والنجاحات، والجوائز، قطعه (رياض الخولي)، لكن ما يميزه أنه مشوار هادئ، لم يتوقف لحظة واحدة، ولم يلتفت صاحبه يوما إلى الوراء.
واستطاع بما يملكه من موهبة، أن يحافظ علي موهبته، ولا يتلفها في الصغائر، كما أنه استطاع بحساسيته الفنية العالية أن يفهم بدقة ويتابع بأمانة تطورات الفن.
وهى تطورات سريعة ومتلاحقة، وفهمه لهذه التطورات هو الذي ساعده على أن يتجدد فنيا بصورة مستمرة بحيث لا يسبقه العصر.
في النهاية هذه كلمات قليلة في حق العملاق (رياض الخولي)، وهذه الكلمات ليست إلا وردة حمراء تلتمع أوراقها بنهري المحبة والإعجاب على جبينه الندي، المتوهج بالموهبة في فن التجسيد الحي.