(أحمد مظهر).. أحب تربية النمل، وزوج أخته قدمه للسينما، و(رشدي أباظة) أهداه أروع أفلامه!
كتب: أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام الذكرى الـ 22 لرحيل فارس السينما المصرية (أحمد مظهر)، الذي بدأ مشواره عام 1951 على يد الأديب الكبير طه حسين، من خلال فيلم (ظهور الإسلام) والذي أخذ من قصة (الوعد الحق).
وشارك د. طه حسين في كتابة السيناريو والحوار لهذا الفيلم، وقام بالإخراج والإنتاج إبراهيم عز الدين، وكانت هذه التجربة الوحيدة لكتابة السيناريو والحوار للدكتور طه حسين.
وقد كتب الفيلم بالفصحى البسيطة التي يفهمها أبناء ذلك الزمان، ورغم أن الفيلم لم يحقق نجاحا في دور العرض السينمائية، لكنه كان بداية إنطلاق (أحمد مظهر) في السينما المصرية.
التى قدم من خلالها أكثر من 105 فيلم، وفي التليفزيون حوالي 40 مسلسلا، وفي الإذاعة حوالي 20 مسلسل.
أحمد مظهر.. نشأة دينية
ولد (أحمد مظهر) في حي العباسية في الثامن من أكتوبرعام 1917، لأسرة مصرية ميسورة، ونشأ نشأة دينية، ودخل مدرسة الزيتون الابتدائية، في سن السادسة، وهو يجيد القراءة والكتابة والحساب والدين، الذين تعلمهم على يد زوج مدبرة المنزل لديهم.
وفي طفولته كان يعشق تربية الحيوانات مثل الكلاب، والقطط والعطف عليهم، لكن كانت الهواية الغريبة لديه هو حبه للنمل، حيث كان يجمع أكبر عدد من النمل الأسود، ويعتني بأكلهم وشربهم ومحاصرتهم حتى لا يهربون منه.
وقد أوضح في حديث إذاعي مع السيدة أمينة صبري في برنامجها الشهير (حديث الذكريات): (أنه كان يحب تربية النمل ليثبت لنفسه أن كل ما خلقه الله لابد أن يحب).
الشرود والسرحان والغناء
تسببت نشأة (أحمد مظهر) الدينية في أنه أصبح دائم التفكير والتأمل، والشرود، والسرحان، في ملكوت الله، وكان دائم التسأولات، لمن حوله في أمور الطبيعة، وهذه التساؤلات، جعلته يعشق القراءة حتى يجد أجوبة لأسئلته.
بعد انتهائه من المرحلة الابتدائية التحق بالمدرسة الثانوية، وفي هذه الفترة أحب القراءة بقوة، وكان يجد في دواوين وأشعار (أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم) وغيرهم من الأدباء والشعراء سلوته وبهجته.
وفي هذه المرحلة العمرية عشق الغناء، وكان يردد بين شقيقه الصغير، وأولاد خالته أغنيات موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وأم كلثوم، كما أحب (أحمد مظهر) السينما، خاصة أفلام (الويسترن) الأمريكية.
(أحمد مظهر) والضباط الأحرار
بعد انتهائه من الدراسة الثانوية التحق بالكلية الحربية، وكان من الطلبة المتفوقين فيها، ومارس العديد من الأنشطة الرياضية داخل الكلية، وظل متفوقا في الدراسة والرياضة حتى تخرج منها عام 1938.
وفور تخرجه عين في (الكتيبة الخامسة مشاة) في (منقباد)، وظل سنة في هذه الكتيبة، قبل أن ينضم لسلاح الفرسان، وفي هذه السنة تعرف عن قرب بزميله (محمد أنور السادات) الذي فاتحه في حال البلد السيئة.
ووجوب تأليف جماعات مخلصة من الضباط لتخليص البلد مما تعانيه من أزمات ومشاكل، وكانت هذه الجماعات هي النواة التى تكونت منها فيما بعد التنظيم السري للضباط الأحرار.
فكان (أحمد مظهر) من أوائل الضباط الذين شاركوا في التنظيم السري للضباط الأحرار، بعدها شارك في حرب فلسطين عام 1948.
ثم التحق بسلاح المشاة، ثم انضم لسلاح الفرسان الذي تدرج فيه حتى عيّن قائدا لمدرسة الفروسية عقب ثورة يوليو 1952، وكانت تجمعه علاقة قوية بقيادات الثورة، واختاره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ليكون عضوا بتنظيم (عزيز باشا المصري).
أبوجهل جعله بطلا سينمائيا
انشغل (أحمد مظهر) بعمله العسكري، وكان سعيدا بعمله كضابط في سلاح الفرسان، لكن رجوع زوج شقيقته المنتج والمخرج إبراهيم عز الدين، من أمريكا بعد دراسة الإخراج قلب حياته رأسا على عقب!.
حيث رجع إبراهيم عز الدين، وهو مشحون بما سمعه وشاهده من زملائه في الخارج عن الدين الإسلامي، ونظرتهم الغريبة، وغير الصحيحة لديننا الحنيف، فأحب أن يغير هذه الصورة.
وفي هذه الفترة عثر على قصة (الوعد الحق) للدكتور طه حسين، فوجد فيها ما يبحث عنه، فقام بشرائها على الفور من صاحبها، وقام بتحويلها إلى فيلم سينمائي.
وخاض إبراهيم عز الدين تجربة جديدة تماما، حيث قام بإسناد كل أدوار البطولة في الفيلم لمجموعة من الشباب الجدد، فقام بالبطولة كلا من (كمال ياسين، سعد أردش، عبدالحفيظ التطاوي، صبري عبدالعزيز، توفيق الدقن).
وعرض على (أحمد مظهر) دور(أبو جهل – عمرو بن هشام بن المغيرة)، ولم يكن ضابط سلاح الفرسان في ذهنه التمثيل، ولا العمل في السينما إطلاقا، وصرح بهذا لزوج شقيقته الذي أصر على وجوده في الفيلم، حتى يستفيد من مهارته في الفروسية.
ورغم العقبات والصعوبات التى قابلت المنتج والمخرج إبراهيم عز الدين، منها الحصول على إذن من القوات المسلحة للضابط الشاب، لكنه وفق في الحصول على أذن لأحمد مظهر بالتمثيل.
وليس هذا فقط، ولكنه حصل أيضا على أذن للضابط أحمد عبدالسلام كفافي، ليقوم بأحد الأدوار في الفيلم، وحصل كذلك على 100 خيال، و300 مشاة من سلاح الفرسان للإشتراك في الفيلم.
وكانت العقبة الثانية التى قابلت عز الدين هي عدم معرفة (أحمد مظهر) بأصول وقواعد التمثيل، فكان يجتمع به يوميا مع مجموعة الأبطال الذين وقع اختياره عليهم ويجري لهم بروفات قراءة.
ويدربهم على التمثيل، ويجعل كل واحد منهم يمثل أكثر من دور، حتى يستقر على الدور المناسب له، وعرض الفيلم لكنه لم يحقق النجاح المرجو منه.
(أحمد مظهر) ورد قلبي
بعد فشل فيلم (ظهور الإسلام) عاد (أحمد مظهر) إلى عمله كضابط، ونسى التمثيل لمدة 6 سنوات، حتى عرض عليه الأديب يوسف السباعي – الذي كان زميله في سلاح الفرسان وقتها- دورا (البرنس علاء) في فيلم (رد قلبي)، إخراج زميلهم الضابط عزالدين ذوالفقار.
وبدأ (أحمد مظهر) التمثيل في الفيلم، وحاول الحصول على موافقة وزير الحربية، لكن بعد مرور أيام من التصوير، فوجئ بالرفض، فكان عليه الاختيار بين السينما والجيش، فوقع اختياره على السينما.
وقدم استقالته من القوات المسلحة، وبدأ مشواره الفني الذي قدم من خلاله مجموعة من روائع السينما المصرية، ومن خلال هذه الروائع تنوعت أدواره ما بين التاريخي، والديني، والمعاصر.
وقدم شرائح مختلفة من كل طبقات الشعب المصري، فهو (الرومانسي، والكوميدي، والقائد الإسلامي، والأمير المدلل الفاسد، وسائق القطار، والنصاب، والمدرس، والزوج الغيور)، وغيرها من الشخصيات التى أجاد في تقديمها.
رشدي أباظة يهديه (الناصر والكروان)
من أهم أفلام (أحمد مظهر) فيلم (الناصر صلاح الدين) الذي يعتبر واحدا من أيقونات أفلامه، هذا الفيلم لم يكن في البداية له، ولكنه كان من نصيب النجم رشدي أباظة!.
حيث كان من المقرر أن يقوم بإخراجه المخرج الكبير (عزالدين ذوالفقار) الذي كان سعيدا بهذا الفيلم وأعلن تحديه للسينما العالمية بـ (صلاح الدين)، لكنه مرض، ورحل قبل دوران الكاميرا.
وقبل رحيله كان رشح نجمه المفضل (رشدي أباظة) لبطولة الفيلم وبالفعل قبض (الدونجوان) 500 جنية كعربون عن الفيلم، لكنه بعد رحيل صديقه (عز الدين) اعتذر عن بطولة الفيلم.
وبسؤاله – كما جاء في جريدة الجمهورية عام 1961 – عن حقيقة ما ذاع أن المخرج (يوسف شاهين) استبعده من بطولة الفيلم، قال: لا خالص أنا اللي اعتذرت.
وعن أسباب الاعتذار قال: لأني مرتبط بأفلام أخرى وأنا من الناس اللي برفض اشتغل أكثر من عمل في وقت واحد.
فسأله المحرر: من أصلح ممثل عندنا يستطيع أن يلعب دور صلاح الدين؟
فأجاب قائلا: إذا أردت التقيد بالنص التاريخي، للمرحلة التي يصورها الفيلم فأصلحهم (حسين رياض)!
أما عن دور (ريتشارد) أجاب قائلا: أنا شايف أن دوره لا بد أن يكون ممثل أجنبي ليقنع الجمهور بالدور!
لم يكن فيلم (الناصر صلاح الدين) هو الفيلم الوحيد الذي تنازل عنه رشدي أباظة لفارس السينما (أحمد مظهر).
ولكن الدنجوان رشح بعد النجاح الكبير لفيلم (إمرأة في الطريق) لبطولة فيلم (دعاء الكروان)، حيث هرب كثير من نجوم هذه الفترة من تمثيل شخصية المهندس الذي يغرر بالخادمات!
وبعد موافقة رشدي أباظة على الدور، انشغل بتجسيد أكثر من فيلم مهم منها (الرجل الثاني)، فقام بالأعتذار لبركات مخرج فيلم (دعاء الكروان) فرشح على الفور بتأييد فاتن حمامه الفارس (أحمد مظهر).
(أحمد مظهر) وميرفت أمين
في رصدنا لأهم المحطات الفنية في مشوار فارس السينما المصرية (أحمد مظهر) لا يمكن أن ننسى اكتشافه للنجمة الجميلة (ميرفت أمين) التى قدمها لأول مرة في أول أفلامه كمخرج (نفوس حائرة) الذي كتب له السيناريو والحوار.
وكان يدور حول ثلاث حكايات منفصلة، اﻷولى عن هارب من الشرطة يركب أوتوبيس ويتخفى بين ركابه، والثانية عن قاطع طريق يعترض طريق طبيب، ثم يجد أن ابنته مريضة، والثالثة عن فتاة تدعي المرض النفسي كي توقع طبيب نفسي في حبائلها.