بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
لقد أصبح الكثيرون منا يأخذون معارفهم أو معظمها من وسائل تواصل جديدة أصبحت مسيطرة، ورغم محاولات الدولة في بعض وسائل الاعلام لكنها ضعيفة وموسومية ولا تستطيع التصدي لجحافل وتعدد أساليب طرح أصبحت في متناول الجميع لكل الأعمال وكل أنحاء مصر المحروسة.
ماذا يحدث وما هو القادم أكتب بعد حدث أثلج صدري وجعلني متفائلاً بحذر، إنه حضوري حفل توقيع كتاب الدكتور (خالد منتصر) بعنوان (خلف خطوط الذاكرة).. سيرة ذاتية لجيل الآمال المؤجلة.
أثلج قلبي أن وجدت حضوراً كبيراً من مثقفي مصر في حفل توقيع الدكتور (خالد منتصر)، منهم معالي وزيرة الهجرة السفيرة (سها جندي)، الشاعر (أحمد عبد المعطي حجازي)..
وعميد الدبلوماسية المصرية السفير مدير مكتبة مصر العامة (عبد الرؤوف الريدي)، والسفير (رضا الطيفي) مدير صندوق مكتبات مصر العامة، الكاتب الكبير (نبيل عمر)، وجمع كبير من مثقفي مصر والإعلاميي.
وقد أشاد الحضور بكتاب (خالد منتصر) الذي تحدث بموضوعية وأصالة وصدق وعرفه كاتبه بأنه (سيرة ذاتية ليست عن شخص لكنها عن زمن ، فرم جيلاً وجيل خذله زمن جيل ولد في ضباب وسيرحل في سراب جيل عاش أكثر من ثورة..
ولكنه حتى لحظة وداعه عن تلك الدنيا لم يذقها ولم يحدد معناها بعد حضور بذور اليسار، وحضر أيضاً جمع الأخوان للثمار، وأردف بطل الأحداث ليس بطلاً، ولكنه مجرد متسائل متهم بحيازة عقل مدان بجريمة تفجير سؤال).
كتاب (خالد منتصر)
شاهدت كيف استقبل جمهور المثقفين والعقلاء كتاب (خالد منتصر) وأخذت عربتي متجهاً إلى منزلي صاعداً كوبري السادس من أكتوبر فرحاً متفائلاً وبمجرد ما التصقت أدافع عن نفسي بين الزحام ليلاً والعربات تحاصرني وفجأة بدأت التليفونات وأولها من سيدة التنوير التي كانت حاضرة المحامية (ريتا بدر الدين).
وطلبت مني أن اتحدث إلى صديقي وأن أذكره بما حدث للصديق الذي نعرفه سوياً ومكتبه بجوار مكتبي بأقل من خمسين متراً ( فرج فودة )، وشكرتني عن كلمتي عن كتاب الدكتور (خالد منتصر).
وأكملت طريقي محاولاً مع الزحام الذي لا أعرف دوافعه!، أين تتجه جموع المصريين ليلاً؟، وماذا هم فاعلون ولو أنهم ذاهبون إلى أعمال أو إنتاج لكانت مصر من أوائل دول العالم في الإنتاج والتصدير؟
والعجيب أن كوبري نصر السادس من أكتوبر في جميع الأوقات وحتي مطلع الفجر مزدحم هل لديكم إجابه؟
ولم يخرجني من التفكير غير تليفون من أحد الأقارب بلدياتي مستفسراً: انت كنت مع العلماني يا أستاذ!؟، وأعرف أنه لايعرف معني (العلماني) من البدنجاني!
وقللت من انفعالي وأجبت: يا حبيبي (العلماني) معناها أنه يبحث عن الإجابات من داخل العالم وليس من الميتافيزيقا، ثم ومع الزحام والوجوه العابثه المكفهرة بجانبي ككفار قريش في الأعمال القديمة.
تذكرت أني أحفر في الماء وانسحبت وفقط أردد دكتور (خالد منتصر) وأيضاً (فرج فودة) من حافظي القرآن الكريم وليسوا بكفرة، واعتذرت هرباً من جدال أني علي الطريق وسوف أحادثه لاحقاً.
ثم تليفون آخر من صديق خريج فنون جميلة، وبعد السلامات أطلق طلقته وكنت قد أخذت ساتراً فأنا أعرف أنه يدافع عن أفكاره حتي آخر نفس، وحين يناقشني أفقد كل سوائل حلقي.
فقال مستعرضاً، انت قرأت كتابه (الختان والعنف ضد المرأة) للدكتور (خالد منتصر)؟، وكانت الإجابة سريعة: نعم، وأكمل وقد ادركت وأجبت كي أوقفه فهو مدعي مقاتل، ولم يقرأ وأنا مُجهد أحاول مع نجوم الكوبري المزدحم، وأخبرته أننا علينا أن نلتقي ونتحادث وأستعنت بالسلامات.
كثيرون يخشون على (خالد منتصر)
ماذا حدث؟!، وأين نتائج وتضحيات كثيرين من رجال التنوير ومطالبتهم بإعمال العقل؟، أين مردود (إيمانويل كانط، نيتشة رينيه ديكارت، فولتير، ابن رشد، الحلاج محي الدين ابن عربي، رفاعة رافع الطهطاوي، طه حسين، علي عبد الرازق، زكي نجيب محمود، سلامة موسي، حتي فرج فودة، ود نصر حامد أبو زيد)؟
أين تأثير (مالك بن نبي) في الجزائر، القائل أن الأمم لا تقاس بمساحة الأرض بل تقاس بالأفكار التي عليها، هل قرأنا لمحمد شحرور في سوريا؟، هل ندرك أن بناء الإنسان يأتي قبل بناء أي شيئ ؟
هل نتذكر أن لكي تهدم أمة فعليك بهدم الأسرة بتغييب دور الأم وإهمال التعليم، ثم لاتجعل للمعلم أهمية، واعمل لإسقاط القدوات والطعن في الرموز والعلماء.
فهم أصحاب مهارات إعمال العقل والقدرة علي طرح الأسئله كما يفعل دكتور (خالد منتصر) وكل من عمل بالتنوير، وهو خروج الإنسان من العجز الذاتي والشجاعة في استعمال عقله.
ولكن الأزمه أن كثيرين يخشون على (خالد منتصر)، فالبعض أصبح لايقرأ وإنما دوجما مسلحة لا يمكن أن تخترق، وهذا ما عالجته المجتمعات التي أصبحت تقود العالم وتحقق ماتريد.
لا أريد أن نقف مشاهدين، لا أريد أن تتحقق مقولة (چان بول سارتر): (سيصفونك بأنك عاقل وصالح حين لاتنتقد ما يعتقدون عندما تكون نسخه منهم فالناس لا تتصالح مع من يسعون لأن يكونوا أنفسهم، أولئك يهددون سكينة الحقيقة وطالما كان الانتماء مكافأة من يتنازل عن حقه في التفكير).
الناس تريدك معهم!، إنها مطالبة مني بالحفاظ علي (خالد منتصر) وأمثاله، وأن يكون المثقفون تيارآً وليس جروبات تحدث بعضها البعض، ويعاني البعض من تنافس لايجوز.
وكما حدث مع المبدع الحقيقي يوسف إدريس فقد اتهمه البعض بالعصبية والتعالي وهي اتهامات عارية من الموضوعية، فالرجل يعرف قدره الحقيقيون، فهو القائل محذراً في احدى مقالاته: (أخشى أن نصبح مجتمع ليس له صفوة قائدة مثقفة محترمة تتمسك بالقيم وتدافع عنها).
آن لنا مطالبة الدوله بحماية مثقفيها فهم قلة يجب الحفاظ عليها ومساندتها فهم رمانة الميزان للمجتمعات التي تعاني من نسبة عالية من الطيبيين عقلاً المتصالحين مع بقاء الحال كماعليه وأصبحت الاستكانة هي علة وجودهم!
هل لنا أن نستفيق ونُفعل إعمال العقل لحماية بلد عريق أهم ثرواته هى الثقافة والتاريخ والإبداع حفظ الله مصر تنطلق وتستحق.