بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
احتلت أخبار (مظاهرات الطلاب) في الجامعات الأمريكية الداعمة لفلسطين والمطالبة بوقف الحرب على غزة نشرات الأخبار العالمية، وصارت محل اهتمام كبير سواء بالدعم و الموافقة والقبول، أو بالتنديد و الرفض و التشويه.
واستولت تلك الأخبار على اهتمام القادة والسياسيين وسط غبار المعركة وأنهار الدم، فهل لتلك المظاهرات كل هذه الأهمية؟، وهل ستؤدى إلى متغير جديد في السياسة الأمريكية؟
في الحقيقة إن (مظاهرات الطلاب) تخيف قادة الكيان الصهيوني والداعمين لهم من أهل السياسة، فلقد حولت الجامعات الأمريكية من مكان للدراسة والتفاعل الاجتماعي إلى نقاط تجمع للمتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين.
وخلال سبع شهور – هى عمر الحرب على غزة – زادت من درجة وعى المجتمع الأمريكي بالقضية الفلسطينية، وساهمت في تعرفه على حقيقة النزاع ، مما أثار العديد من الأسئلة فى المجتمع الأمريكي.
وحفزت المزيد من المناقشات التي ساعدت على انقسام الرأي العام الأمريكي حول الحرب على غزة وهل هى عقاب جماعى يسعى لنكبة جديدة وإبادة جماعية أم دفاع عن النفس؟، و أدت إلى تفتيت انحيازه الدائم وغير المشروط إلى إسرائيل.
وهو شرخ عميق في هذا الرأي العام الذى قضى عمره كله في مساندة إسرائيل مساندة عمياء تقودها وتغذيها جماعات الضغط الصهيونية داخله، رافعة سيف تهمة (معاداة السامية) فوق رأس أي معارض أو مختلف.
ولكن (مظاهرات الطلاب) لم تهتم بهذا السيف ولم تخشاه، أولا: لأن الطلاب أكثر ثورية من باقى شرائح المجتمع، بحكم أن المرحلة العمرية التي يتكون منها الطلاب تجعلهم أكثر اندفاعا.
ثانيا: أن الطلاب ليست لديهم حسابات مكسب وخسارة تحد من ردود افعالهم على الأحداث مثل الموظفين مثلا.
المشاركين ليسوا من أصول عربية
ثالثا: لأن المشاركين في مظاهرات الطلاب ليسوا فلسطينيين أو من أصول عربية فقط، بل منهم أيضا يهود – وهذا ينفى عنهم تهمة معاداة السامية – وهو ما يحاول الإعلام الصهيوني تجاهله و التعتيم عليه.
برغم ان الطلاب أقاموا الصلوات الإسلامية واليهودية أثناء اعتصامهم، وألقى بعضهم خطابات تندد بإسرائيل والصهيونية وتشيد بالمقاومة الفلسطينية المسلحة.
كما أن هؤلاء الطلاب تضمهم مجموعات لم تتكون بعد السابع من أكتوبر، بل بعضها يمتد تاريخه الى 2016، مثل مجموعة (نزع الفصل العنصري بجامعة كولومبيا) – التي كانت سباقة الى التظاهر و الإعتصام – فهى تضم أكثر من 100 مجموعة طلابية تتحالف فيما بينها، من بينهم مجموعة “طلاب من أجل العدالة في (فلسطين).
ومجموعة (الصوت اليهودي من أجل السلام)، وهما مجموعتان مناهضتان للصهيونية والاحتلال العسكري الإسرائيلي تشكلتا قبل عقدين من الزمن، ولهما فروع بأنحاء الولايات المتحدة ساهمت في تنظيم احتجاجات بالجامعات الأخرى.
وتقول بعض الصحف أن إدارة جامعة كولومبيا أوقفت المجموعتين في نوفمبر الماضى، بتهمة إنهما ساعدتا في تنظيم احتجاج ينتهك قواعد إقامة الفعاليات الجامعية. ولكن الطلاب يقاضون الجامعة حاليا بمساعدة اتحاد الحريات المدنية في نيويورك، قائلين إن الجامعة لم تلتزم باتخاذ إجراءاتها التأديبية وإن العقوبة غير متناسبة مع التهمة.
ولقد واجهت الجامعات تحديات عديدة في التعامل مع (مظاهرات الطلاب)، فإدارات تلك الجامعات يجب عليها الحفاظ على الأمن داخل الحرم الجامعى، و في نفس الوقت عليها اتاحة الحق للطلاب في التعبير عن آرائهم.
ولكن مع ضغوط سياسية كبيرة من المؤيدين للكيان الصهيوني – مثلما الاستجواب الذى تم مع رؤساء بعض الجامعات في الكونجرس، و مثل زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي لجامعة كولومبيا للضغط على الجامعة لإيقاف المظاهرات والدعوة الى اللجوء للحرس الجمهورى لفض الاعتصام..
ومثل تصريح الرئيس (بايدن) أن المظاهرات هى معاداة للسامية – اضطرت بعض الجامعات لقمع المتظاهرين، وأن تستدعى الشرطة التي تدخلت بشكل عنيف باستخدام الهراوات والهجوم بالخيول.
اقامت بفض الإعتصامات بالقوة واعتقال مئات الأشخاص في جامعات عديدة في (كاليفورنيا وماساتشوستس وكونيكتيكت، ونيويورك، وتكساس وأتلانتا، ودنفر) وولايات أخرى.
200 جامعة أميركية
ولكن هذا أدى الى امتداد (مظاهرات الطلاب) الى أكثر من 200 جامعة أميركية من بينها غالبية الجامعات المرموقة.
وإذا كانت هذه المظاهرات قد أدت الى شرخ في الرأي العام الأمريكي، فما يخشاه اللوبى الصهيوني أكثر هو أن تؤدى إلى زيادة الضغط على الحكومة الأمريكية لتغيير مواقفها تجاه الحرب سواء حاليا أو مستقبلا.
ففي الوقت الحالي يحاول الرئيس (بايدن) أن يتخذ موقفا متوازنا – من وجهة نظره – وأن يمسك العصا من المنتصف بتزويد إسرائيل بالأسلحة والمال وإدانة المظاهرات، و في نفس الوقت يسعى لزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة و يقف ضد اجتياح رفح!!
فهو يعلم أن الشباب والملونين الذين صوتوا له من قبل يطالبون بإنهاء الحرب، بعكس الجمهوريون من أعضاء حزبه والمستقلون الذين يدعمون استمرارها، وعليه أن يوازن بين الموقفين .
أما في المستقبل القريب فبالتأكيد سيكون لهذه المظاهرات تأثير على مواقف المرشحين في الانتخابات الأمريكية القادمة، فيضطروا لاتخاذ مواقف أكثر تضامنًا مع الفلسطينيين لكسب دعم الناخبين.
أما في المستقبل البعيد فإن (مظاهرات الطلاب) المحتجون والمعتصمون اليوم سيصبحون هم قادة الفكر والسياسة والمجتمع غدا، وسوف يفرضون وجهة نظرهم المضادة للكيان الغاصب.
ولا تقف مطالب الطلاب عند وقف إطلاق النار، بل يطالبون بانهاء الحرب تماما، وإنهاء المساعدة العسكرية الأميركية لإسرائيل، والعفو عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين تمت معاقبتهم بسبب الاحتجاج.
وتمتد مطالبهم إلى سحب استثمارات الجامعات من موردي الأسلحة والشركات الأخرى المستفيدة من الحرب، وقف الاستثمارات مع الشركات التي تدعم إسرائيل ووقف التعاون الأكاديمى مع الجامعات الاسرائيلية، مما يهدد الاقتصاد والاستثمار في إسرائيل ويجعلها في عزلة.
حركة طلابية عالمية
ولم تقف المسألة عند حدود الولايات المتحدة فلقد تحولت (مظاهرات الطلاب) إلى (حركة طلابية عالمية) تنتشر وتتعاظم داخل الجامعات من اليابان إلى كندا، وتذكرنا بموجات الحركات الطلابية المجيدة و التي انتصرت في معظم قضاياها وعلى رأسها حرب فيتنام.
فقد شملت (مظاهرات الطلاب) عددا من أكبر الجامعات على مستوى العالم في بريطانيا وفرنسا وأستراليا والمكسيك وسويسرا، برغم من تهديدات الحكومات بقمع تلك الاحتجاجات.
ونقلت لنا الصحافة أنه في بريطانيا شملت الاحتجاجات عدة جامعات كبرى كجامعة (مانشستر وليدز وبريستول وشيفيلد ونيوكاسل)، حيث نصب الطلاب الخيام ووضعوا لافتات مناهضة لإسرائيل.
أما في فرنسا، فقد نظم الطلاب في جامعة (السوربون) الشهيرة في باريس، وقفة تضامنية مع فلسطين، واعتصموا في حرم الجامعة وأغلقت الشرطه الفرنسيه الشوارع المؤديه إلى معهد العلوم السياسية.
حيث يعتصم الطلبه الذين استنكروا في بيان لهم أن إدارة كلية العلوم السياسية تمنع ذكر كلمة (فلسطين) سواء في بياناتها أو نقاشاتها مع الطلبة، ثم تدخلت قوات الشرطة لتقوم بفض الاعتصام بعد تهديد المشاركين فيه بالإضراب عن الطعام.
أما في أستراليا، فقد أقام الطلاب مخيمات في سبع جامعات بالمدن الأسترالية الكبرى خلال الأسبوعين الماضيين احتجاجا على الهجوم الإسرائيلي على غزة.
وفي المكسيك انضمت أكبر جامعة فيها للاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين، وفي جامعة لوزان في سويسرا، نظم الطلاب وقفة تضامنية تنديدا بالحرب على غزة ودعما للاحتجاجات الطلاب في الجامعات حول العالم.
ويبدو أن هذه المظاهرات و الاعتصامات بدأت تؤتى ثمارها ، ففي أمريكا أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الديمقراطيين يعتقدون أنه يجب على الولايات المتحدة أن تحد من المساعدات العسكرية لإسرائيل خوفا من سقوط مزيد من الضحايا المدنيين.
أما في كندا فقد قررت إحدى جامعاتها أن تطرح موضوع تعاونها مع إسرائيل لانتخابات يجريها الطلاب في مقابل إيقاف مظاهراتهم.