(باسم سمرة).. عتويل التمثيل في لوحة رمضان 2024
بقلم: محمد حبوشة
(لكم تعب هذا الفنان وهو يبحث في اليقظة عم تراءى له في الحلم واستثار مخيلته وما أعظم الفرح الذي اجتاحه عندما تلقى هذا الحلم شكله المادي الملموس)، هذا الكلام للروسي العظيم (ستانسلافسكي) ينطبق تماما على الفنان المبدع (باسم سمرة).
لا شك أن التمثيل فعل إبداعي يقوم به مبدع وهو الممثل، فالممثل عند (باسم سمرة) فاعل لهذا الفعل الإبداعي، شأنه في ذلك شأن الشاعر والمؤلف الموسيقي والفنان التشكيلي وغيرهم من المبدعين.
هناك إذن (فاعل) وهو الممثل المبدع و(فعل) وهو فعل الإبداع التمثيلي نفسه، وهما يستدعيان بالضرورة تصورا ما عن (مفعول به) أو مادة خام للتشكيل الإبداعي لدى (باسم سمرة).. فما هو هذا (المفعول به)؟
من الواضح أن الشخصية الدرامية تعد (مفعول به) للفعل التمثيلي، ولكن هل هي وحدها؟، أم أن هناك آخر لا يقل عني أهمية؟ إذن كيف يريد الممثل أن يصبح هو نفسه بجسده ومشاعره وكامل كيانه مادة قابلة للتشكيل الفني والإبداعي.
في حالة (باسم سمرة) هى فوضى تخضع للنظام، وهو بهذا المعنى (مفعول به) ثانٍ للفعل التمثيلي، إذن هناك مفعولان به وليس مفعولا واحدا، الأول هو الشخصية الدرامية، والثاني هو الممثل نفسه.
وهنا يمكن تفسير الفعل التمثيلي عند (باسم سمرة) بأن تلك الحركة الجدلية التي تهدف في النهاية إلى توحيد هذين المفعولين في مركب جديد يجمع بينهما معا، إذن الممثل (فاعل) و(مفعول به) في الوقت نفسه، مبدع وخامة للإبداع في الوقت نفسه.
أداءه في مسلسل (العتاولة)
وهو ما يجعله في موقف فريد ومتفرد بحق، كما جاء في أدائه في مسلسل (العتاولة) ففي جميع أشكال الإبداع الفني تقريبا نجد المبدع (باسم سمرة) يتعامل مع مادة خام كاللغة أو الأصوات أو الألوان والخطوط وغيرها.
لقد أثبتت بحوث سيكولوجيا الإبداع التمثيلي الدور الإبداعي للممثل بما لا يدع مجالا للشك، يفرض هذا الموقف المتفرد على الممثل، أنه لا يستطيع أن يبدأ إبداعه بنفسه، شأن غيره من المبدعين مثل (باسم سمرة).
لا يستطيع أن يبادر لإثبات قدراته الإبداعية، هو دائما ينتظر دور يعرض عليه.. ينتظر (الفرصة) التي قد تأتي وقد لا تأتي، ولعل هذا أحد مآسي هذه المهنة، ومن ناحية أخرى، فإن هذا (الدور) يعرض عليه في الغالب كمادة إبداعية أولا وكمبدع ربما.
فمواصفات الممثل (باسم سمرة) كمادة (جسمه، وشكله، وصوته، وقدراته الانفعالية) تحدد بشكل ما يعرض عليه من (أدوار)، ولذا فمادته هذه تحدده وتحكمه رغما عنه، وما أسهل أن يوضع في قالب أو نمط محدد (وهو يحدث غالبا نتيجة استسهال المخرجين وفقر خيالهم) فيصبح الممثل أسير نمط مفروض عليه.
والقاعدة الأساسية هنا في حالة (باسم سمرة)، هى أن الإبداع التمثيلي مجال لا يوجد فيه تمثيل (صحيح) واحد لدور من الأدوار، بل هناك فقط تمثيل أفضل من الآخر لدور من الأدوار، ولا يمكن تصور حد حاسم نهائي لهذه الأفضلية، فدائما هناك تصور لأفضل يمكن أن يوجد.
يبدو لي هنا أن البداية هناك في العقل عند (باسم سمرة)، يبدأ الممثل إبداعه بقراءة (الدور) وهو التحقق الفعلي المبدئي للشخصية الدرامية، ولكن ماذا تعني قراءة الممثل لدوره؟ إنها تعني تكوين ما سماه (ناتادزي) الإطار العقلي.
ومن هنا فإن (باسم سمرة) يريد أن يفهم ويقتنع لكي يصدق، والصدق بهذا المعنى شيء بالغ الأهمية بالنسبة للممثل، فدونه لا يستطيع أن يستمر في طريق الإبداع بشكل حقيقي وتتعثر خطواته التالية وتتسم بالافتعال.
إن أهمية الإطار العقلي إذن تكمن في أنه يقدم للممثل إمكانية التصديق القائمة على الإقناع العقلي.. في هذه المرحلة يأخذ الممثل ملاحظاته عن الشخصية ويدير الحوار مع المخرج وغيره، ويناقش ويتكلم ويجمع الشواهد ويسجلها.
وربما احتاج إلى قراءة بعض الكتب أو الدراسات النفسية أو التاريخية أو مشاهدة ودراسة نماذج من الواقع الفعلي.. حتى ينجح أخيرا في تكوين إطاره العقلي.
طبيعة (باسم سمرة) المباغتة للإلهام
يتحدث (باسم سمرة) مثل كثير من الممثلين عن الطبيعة المباغتة للإلهام، فهنا وفجأة تصل العملية الإبداعية إلى قمتها وتشرق الشخصية ويكتمل الإحساس بها، في تلك اللحظة تنتظم جميع الأمور تقريبا في مواقعها الصحيحة.
والحق أن تفسير الإبداع بالإلهام فقط من أقدم التفسيرات النفسية على الإطلاق، وقد تم إضفاء لمحة من الغموض والسحر عليه مما أوقع المفكرين ولفترات طويلة في كثير من الحرج والارتباك، وحاول البعض التهوين من شأن الكثير من الجوانب الأخرى للعمل الإبداعي طالما أن عملية الإلهام تحدث بذلك الشكل القدري.
تلك هى مراحل العملية الإبداعية في تصور (والاس) تطبيقا على الإبداع التمثيلي، إلا أن هناك أسلوبا آخر في تحليل العملية الإبداعية، كما يطبقه (باسم سمرة) وهو الأسلوب الذي ينظر إلى الإبداع بصفته مجموعة من السمات أو العوامل التي تميز الشخص المبدع، ويعد سلوكه هذه السمات أو العوامل التي تميز الشخص المبدع.
ويسمى الشخص مبدعا إذا ظهرت في سلوكه هذه السمات أو العوامل، ويعد (جيلفورد العالم الأمريكي) أول من بدأ البحث عن العوامل الرئيسية للإبداع باستخدام أسلوب التحليل العاملي factor analysis.
من أهم سمات الممثل (باسم سمرة)، إنه يتمتع بقدر كبير من الحيلة ويمكنه إيجاد طرق إبداعية وعملية للخروج من الأزمة، وتنظيم خطة عمل فعالة، وإيجاد الحلول الأكثر قابلية للتطبيق للأشياء التي قد تحير الانماط الأخرى.
يقوم الفنان المبدع (باسم سمرة) بتفكيك المشاكل وتحليلها من الألف إلى الياء، إنه ماهر في رؤية الحلول الإبداعية وإيجاد طرق للخروج من المواقف المغلقة، إنه مفكر عميق لا يمانع في قضاء الكثير من الوقت في الوصول إلى جوهر المشكلة، تماما كما فعل مع (عيسى الوزان) في العتاولة.
(باسم سمرة) معروف بعقله المنطقي
شخصية الفنان المبدع (باسم سمرة) معروف بعقله المنطقي والواقعي،إنه يعرف كيفية العمل بفعالية مع ما لديه بدلاً من الضياع في الأوهام حول ما يرغب في امتلاكه.
يلتزم (باسم سمرة) الصدق بحيث يجعل شخصية الفنان المبدع لديه هدفًا شخصيًا أن في يكون صادقًا قدر الإمكان، إنه يكره طلاء الأشياء وتجميلها (المجاملة) ويعتقد أن ذلك يظهر الاحترام ليكون صادق مع الناس.
(باسم سمرة) فنان نشيط، يتمتع بالمشاركة النشطة مع العالم من حوله، إنه يحب المشاركة في مشروع ونادرا ما يرغب في البقاء مستقرا لفترات طويلة.
فضلا عن هذا وذاك فإن (باسم سمرة) فنان عفوي ومرن إلى ردود أفعال سريعة وقادر على التكيف بسرعة مع المواقف الجديدة والمتغيرة، وهو هنا لا يحتاج إلى الكثير من وقت للتحضير مثل العديد من الأنماط الأخرى للتعامل مع المحفزات الجديدة والتغييرات غير المتوقعة.
عادة ما تكون شخصية الفنان المبدع (باسم سمرة) قادرة على الحفاظ على مستوى الضغط النفسي أو التوتر (Stress) في المواقف الصعبة بسبب طبيعته العملية وردود أفعاله السريعة.
ولهذا فإن (باسم سمرة) يشعر بالملل من الأحاديث الصغيرة أو المحادثات النظرية التي لا يبدو أن لها هدفا فوريا وملموس، ولديه جانب واضح حيث يبحث عن الإثارة ولا يخاف من المخاطرة.
في بعض الأحيان يقوم بتصعيد الموقف فقط ليرى إلى أين سيذهب أو لمجرد خلق بعض الإثارة.
(باسم سمرة) يخاطر جسديا
قد يخاطر (باسم سمرة) جسديا دون التفكير في المشاكل طويلة المدى، أو قد يقوم بتعظيم موقف بسيط للحصول على المتعة ولكسر الروتين، إنه ماهر في الموازنة بين الإيجابيات من جهة والسلبيات من جهة أخرى وإيجاد نقاط القوة في القرار.
لدى (باسم سمرة) موهبة في معرفة كيفية عمل الأشياء، فهو يتفهم بسرعة المبادئ الأساسية للمشاكل أو للأفكار، ربما إنه واقعي ومتواضع، كما إنه يحتاج إلى قدر كبير من الوقت بمفرده.
إنه يقدر بشكل كبير الاستقلالية، ويكره الكثير من القواعد أو الإرشادات، قد يكون عن غير قصد بلا إحساس، دون أن يقصد التسبب في ضرر عاطفي لأحد، لكنه يستجيب بسرعة في الحالات أو الأزمات الضرورية.
ومن أجل كل مامضى فقد أثبت الفنان (باسم سمرة) أنه يستطيع أن يجسد الفن بكل معانيه وأبعاده، ولا شك أن أداءه في مسلسل (العتاولة)، لقد أضاء المشهد الفني بإشراقة استثنائية، فامتازت شخصية (عيسى الوزان) التي قام بتجسيدها بعمق وتعقيد، وهو ما جسده سمرة ببراعة وتميز لافتين.
وقد بدا لي (باسم سمرة) في (العتاولة) أنه ليس مجرد ممثل، بل فنان يمتلك موهبة فائقة في تقديم الشخصيات بطريقة تجعلها تتجسد أمام أعين المشاهدين بكل واقعية وإحساس.
وهو ما مكنه بالضرورة من خلق تفاصيل دقيقة تضفي على كل شخصية ملمسا فنيا فريدا، وظهر ذلك بوضوح في تقمصه لشخصية (عيسى الوزان) من حيث الحركة وتعبيرات الوجه و لزمات الكلام و غيرها من التفاصيل الدقيقة التى جعلته حديث مواقع التواصل الاجتماعي طوال عرض حلقات المسلسل.
أداء (باسم سمرة) في (العتاولة) ليس لافتا فحسب، أومجرد أداء عادي، بل هو فن بامتياز، حيث جمع بين التمثيل العميق والشغف اللافت والتفاني في تقديم الدور بكل تفاصيله.
(عتويل) فاقت قدراته كثيرا من أقرانه
ولن أبالغ عندما في القول ان (باسم سمرة) برز بحق كأستاذ في فن التمثيل بل (كعتويل) فاقت قدراته كثيرا من أقرانه، حيث شكل كل ما يلزم ليخلق شخصية تبقى عالقة في ذاكرة الجمهور، وتترك أثرا عميقا في نفوسهم حتى بعد انتهاء عرض المسلسل.
ولم يقتصر تألق (باسم سمرة) على هذا الدور فقط، بل تمتد مسيرته الفنية لتشمل مجموعة متنوعة من الأدوار التي أثبت فيها قدرته الاستثنائية على تقديم كل شخصية بأسلوبها الخاص، وبمهارة تقنية لافتة.
وفي النهاية فإن (باسم سمرة) يستحق كل الثناء والتقدير على تميزه الفني وتألقه اللافت في مسلسل رمضان (العتاولة)، حيث استطاع بموهبته وإبداعه أن يلفت أنظار الجمهور، ويثبت للمرة الألف أنه من ألمع نجوم الدراما المصرية في هذا العصر، رغم أن البعض يراه مثيرا للجدل في بعض آرائه.
كما يروق لي أن أقول عن (باسم سمرة): هو الممثل القادر على إبهار المشاهد دائما، وأنه ليس الممثل الذي يتلقى الشخصية من الورق ليؤديها مباشرة بل يخلق لها عالمها وتفاصيلها الخاصة التي تأسر المشاهد ليقع في غرامها أيًا كانت أبعاد الخير والشر بداخلها.. فتحية تقدير واحترام له.