بقلم: محمد شمروخ
من منطلق خالف تعرف.. أستطيع أن أدعى أن الشعور الذي داهمنى من رد الفعل العنيف من الجماهير حيال واقعة قيام الدكتور (حسام موافي)، بتقبيل يد رجل الأعمال المهندس (محمد أبو العينين)، كان شعوراً بالارتياح!.
وتسمح لى أشرح لك: بافتراض أن العكس هو الذي قد حدث، أى أن رجل الأعمال الشهير وأحد أهم الأعضاء المؤسسين فيما أطلقت عليه مراراً (جمعية اتحاد ملاك مصر) هو الذي قبل يد الدكتور (حسام موافى)، فماذا يمكن أن تتوقع كرد فعل؟!
غالباً سنرى أن هذه القبلة من المهندس (أبو العينين)، أمرا محمودا يستحق عليه التحية!، فهو برغم ثرائه العريض، إلا ان ذلك لم يمنعه من تقبيل يد عالم جليل من علماء الطب!
ذلك لأننا في الحقيقة لسنا أمام واقعة تقبيل رجل ليد رجل آخر، إذ أنه لو اقتصر على ذلك، فليس لنا من الأمر شيء، بل قد يكون تطفلا منا وحشر لأنوفنا فيما ليس لنا فيه، عن علاقة بين اثنين يتبادلان التحية بطريقتهما الخاصة.
وعموماً.. عادة تقبيل الأيادي ليست عادة مذمومة في مجتمع كان لوقت قريب يفعلها كنوع من التقدير والإجلال وزيادة في التعبير عن العرفان، بل إن هناك رجالاً عظماء وكبراء في العلم والمجتمع، يفعلونها على سبيل التقوى وكسر الغرور، ومقاومة الكبر كأسوأ و(أرذل) الصفات التى يتخلق بها أسافل الناس وكذابيهم!
لكنا هنا نقف أمام رجلين كل منهما يمثل قطاعا من المجتمع.
أولا: الدكتور (حسام موافي) كطبيب كبير ومشهور ومطلوب لدى قطاعات عريضة ويتوافد على عياداته من المرضى، أرتالا مرتلة، سواء في القاهرة أو في أسوان أو أى مكان.
وليس فقط كطبيب، بل سلك الدكتور (حسام موافي) طريقا يقتفى فيه خطوات المرحوم الدكتور (مصطفى محمود) بتعميق ظواهر الحياة والوجود، ويدعو للثقافة العلمية القائمة على الإيمان.
وذلك عبر برامج تلفزيونية يخاطب الجماهير فيها ضيفا أو مقدماً، وصبغ معلوماته بالصبغة الروحية ليجعل للعلم غاية وليس مجرد اكتشافات مذهلة وتطورات محمومة بلا هدف ولا غاية!
(حسام موافي) كعالم جليل
إذن فقد ظهر الدكتور (حسام موافي) كعالم جليل يتوكأ على عصا سلفه العظيم (مصطفى محمود) في طريق العلم والإيمان!
تتفق أو تختلف، ليس هنا مجاله، لكن في النهاية صار الدكتور (حسام موافى) واحداً من رموز العلم على الأقل في المجال الإعلامي.
وثانيا: المهندس (محمد أبو العينين)، وهو من هو في عالم المال والأعمال ووصفى له بأنه عضو مؤسس فيما أسميه (اتحاد ملاك مصر) ليس نوعاً من السخرية ولا الحنق لا سمح الله.
لأنه استحق عضويته في هذا الاتحاد غير المعلن، بمجهوداته الجبارة في مجاله العملى، بجانب مجهودات أخرى لا تقل عنها في المجال السياسي، داخلياً وخارجياً ويكفى ما بذله لإصلاح ما حاول البعض إفساده بين مصر وبعض الدول لاسيما الأوربية!
وتتفق أو تختلف معه أو عليه، فقد صار (أبو العينين) أحد رموز المال والنموذج المحتذى وغاية أحلام الشباب الصاعد الواعد أن يحققوا ما حققه.
فأيهما ينحنى أمام الآخر ليقبل يده؟!
العلم أم المال؟!
هذا هو مربط الفرس!
فلو دققت النظر لوجدت أن الغضب الجارف من الجمهور الذي استنكر فعلة الدكتور (حسام موافي)، كان غضبا لإهدار قيمة العلم أمام قيمة المال دون النظر لأية اعتبارات أخرى!
فلو كان فعل الدكتور (حسام موافي) جاء نوعا من الامتنان لقبول المهندس (أبو العينين)، دعوة حفل زفاف كريمته، إذن لوجب على الدكتور أن يقبل أيادى كل الحاضرين الذين استجابوا لدعوة حضور هذا الزفاف!
وعلى الجهة الأخرى، نحن نعرف أن المهندس (محمد أبو العينين) معروف بالأعمال الخيرية وأنه على سبيل المثال لا يتقاضى مليما عن تشطيب المساجد حين يطلب منه، كذلك وينفق على كثير من الناس المعوذين.
لدى معلومات كثيرة يضيق بها المجال هنا وقد رأيته بعيني هاتين حينما كان نائباً برلمانيا عن دائرة قسم الجيزة، وهو يمسك بجاروف مع عمال الإنقاذ لرفع أنقاض منزل منهار بالجيزة حتى أننى لم أعرفه.
النائب المهندس (محمد أبو العينين)
وقد أخفى التراب ملامحه وظننته أحد عمال الإنقاذ حتى نبهنى أحد الحاضرين إلى أن هذا الذي تخفى طبقات الغبار ملامحه هو بذات شخصيته النائب المهندس (محمد ابو العينين)، والذي قرر يومها تأجير شقق بديلة لسكان المنزل من الناجين لحين تدبير شقق لهم من المحافظة!
(تلك شهادة لابد من ذكرها.. على رغم الرغم من الرغم!)
لكنه في النهاية خاضع لمنظومة الترتيب المالى الصارمة والتى لا تعرف ولا تعترف إلا بالتمييز والتمايز المؤسس على المركز المالي، ولا تحكمه إلا قواعد السوق ثم تضعه ولو قسراً في تصنيف مختلف تماماً بالمقارنة مع شخصية الدكتور (حسام موافي) كأحد كبار الأطباء العلماء في مصر.
خاصة بصبغته الصوفية التى لا يفتأ يؤكد عليها في أحاديثه الإعلامية التى جعلته يتخذ سمت العلماء الأجلاء الأفاضل.
ولن أقبل إبدأ تفسير (فعلته) على أنها بسبب تلك النزعة الصوفية، إلا إذا كانت عادة تقبيل الأيادي، هى ديدنه مع الناس، فلو مثلاً، قام الدكتور بتقبيل أيادى بقية المدعوين لحفل الزفاف، لما وجدنا أثرا يذكر للحنق عليه من الأغلبية الرافضة لفعلته التى فعلها.
بل ربما حدث العكس ولوجدنا فعلته قد صارت مثالاً على (التواضع وإنكار الذات.. ومجاهدة النفس لإماتة اللذات.. في قلب المريد بالنفى بعد الإثبات!
كما أن لو – لو يعني – قام الباشهمندس برد القبلة على يد مولانا الدكتور(حسام موافي)، لما كان كل هذا الحنق الجماهيرى، فسيبدو الأمر كتبادل مجاملات بين ممثل طبقة رجال الأعمال الثرية لطبقة الأطباء التى تكاد توازيها في الثراء أو كمريدين في جماعة شاذلية آثرا الوقوف على باب الذل، لأنه أقل الأبواب ازدحاماً!
لكن صاحب المال لا ينحنى لصاحب العلم ولو كان الغوث نفسه!
قواعد السوق الحاكمة
فحسب قواعد السوق الحاكمة لمجتمع رجال الأعمال من نيويورك وحتى سوق التبليطة، لا يكون الانحناء إلا بشروط!
بيد أن الذي حدث، هو كما ذكرت، أن القبلة أخذت لدى الجماهير المصدومة، على أن سلطان العلم قد (انذل) أمام سلطان المال وهو يقف على باب كثر زحام الخليقة عليه حتى اصطرعوا!
لذلك كانت الصدمة!
ولذلك أيضاً كان ارتياحي لما تواتر من موجات غضب إثر تلك القبلة!
فعلى الرغم من أن حياتنا كلها صارت ممارسة لطقوس يومية للعبادة في هيكل المال – راضين أو مكرهين – لا نختلف على ذلك، مهماً كانت انتماءاتنا الثقافية والفئوية (إلا من رحم ربك.. وقليل ما هم).
وعلى الرغم من أن أى نجاح في الحياة وأي قيمة وأى تحصيل لعلم أو نشاط، فليس له أدنى قيمة، ما لم يترجم إلى مكاسب مالية.
وعلى الرغم من أن العلم نفسه قد أجبر أن يعمل بأجر مغر لدى أصحاب المال ليحقق مصالحهم.
وعلى الرغم من أن سلطان المال يغلب أي سلطان أرضى حتى طمع في منازعة سلطان السماء (استغفر الله العظيم).
وعلى الرغم من ومن ومن ومن، بلا نهاية للمنات، إلا أن الغضبة الشعبية ضد الدكتور (حسام موافي) أصابتني بالارتياح لأن الناس مع عبادتهم للمال، إلا أنه استفزهم انحناء قيمة العلم الذي أهملوا شأنه، أمام سطوة المال الذي يبيتون ليلهم يحلمون به!
(والله ولسه فيكي خير يا بلد!).