بقلم: محمود حسونة
(بيت الرفاعي) و(كوبرا)، وجهان لعملة واحدة، وهما من أكثر الأعمال التي تطابقت في بعض العناصر وتشابهت في بعضها واختلفت في القليل منها، وهو ما يتعارض مع كل نظريات الدراما على مر العصور التي تقبل توارد الأفكار وترفض تطابق الأعمال.
وارد أن تتقاطع أعمال فنية في بعض التفاصيل، شكلاً ومضموناً، وأن تتشابه في جوهر الحكاية أو إخراج بعض المشاهد أو مواقع التصوير أو الديكور أو الموسيقى أو غير ذلك.
والتشابه بين جزئيات من الأعمال الفنية أمر حسمه الأقدمون وأدرك صحته المعاصرون، ففي القرن 19 توصل الكاتب الفرنسي (جورج بولتي)، إلى أن الدراما منذ فجر التاريخ تدور في فلك 36 تيمة أو حبكة درامية، ولا تخرج عنها.
وهى النظرية التي أصدر عنها كتاباً بعنوان (36 حبكة درامية) بالفرنسية وتمت ترجمته في بداية القرن العشرين للإنجليزية، كل ما تم إبداعه من دراما وسينما ومسرح ورواية وقصة وحكاية شعبية وحدوتة شفهية يدور في فلك هذه الحبكات الـ 36.
يتساوى في ذلك ما أبدعته أمريكا مع بلاد الواق واق، والحكايات القديمة مع الحديثة، والأفلام الحاصلة على أفضل الجوائز والأفلام التي أخزت صناعها والبلد الصادرة منها من شدة رداءتها.
فما يميز عمل عن آخر هي الصنعة نفسها والتفاصيل الصغيرة وطريقة السرد، مستويات الابهار ومدى القدرة على جذب الناس والاستحواذ على مشاعرهم والايقاع والقدرة على التكثيف.
وسيظل الإبداع الفني والروائي والقصصي يدور في فلك هذه التيمات حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن سيظل هناك اختلاف ما بين عمل وآخر وبصمة لكل مبدع حقيقي يمكن تمييز أعماله عن سواها بها.
منطق السبوبة في المسلسلين
مع التسليم بنظرية (بونتي) إلا أن التشابه الكبير بين أي عملين فنيين يؤكد تعامل صناعهما معهما بمنطق السبوبة، وفي الموسم الرمضاني الأخير شاهدنا عملين بينهما تشابه كبير، فمن يشاهد مسلسل (بيت الرفاعي) ليس مضطراً لمشاهدة (كوبرا)، والعكس صحيح.
سيجدهما يعلنان عن أنفسهما بأنهما مستنسخان من عمل واحد أجنبي، والناسخون لم يكلفوا أنفسهم عناء الاضافة والحذف والتغيير في البنيان الأسري للشخصية الرئيسية في كل منهما؛ توجد بعض الاختلافات غير الجوهرية والتي لا تخفف من حدة التشابه الذي يكتشفه المشاهد العادي.
(بيت الرفاعي) يتمحور حول شخصية الدكتور ياسين (أمير كرارة) ابن (محمود الرفاعي) المشهور في منطقته بأنه رجل البر، ولكن حقيقته التي يخفيها عن بيته ولا يعلمها سوى ابنه الأكبر أنه تاجر آثار.
ياسين يرفض مال والده الحرام ويصر على أن يدفع له إيجار الشقة التي يقيم فيها ولا يقبل أن يأكل من طعامه، ويتم قتل الأب واتهام ياسين بارتكاب الجريمة فيهرب خلال ترحيله لإثبات براءته والبحث عن قاتل والده.
(كوبرا) محمد إمام، أيضاً متهم بارتكاب جريمة قتل هو بريء منها، ويهرب لاثبات براءته، كل منهما خلال رحلة بحثه عن القاتل الحقيقي وسعيه لاثبات براءته مشغول بأسرته.
كل منهما له أخ واحد وشقيقتين، كل منهما خلال رحلة هروبه يلجأ لأرباب سوابق لمساعدته في مقاومة المجرمين الحقيقيين، كل منهما يلتقي وهو هارب بفتاة تساعده، كل منهما يتصدى للفساد الاجتماعي والقيمي ويسعى لتصحيح مسار المجتمع رغم أنه مطارد.
كل منهما يتنقل بين محافظات مصر رغم أنه مطلوب القبض عليه من دون أن يتخفى أو يغير من ملامحه، كل منهما تصدقه بشكل مطلق وتثق في براءته مهما قيل عنه أخته الكبرى وجسدتها في (بيت الرفاعي) رحاب الجمل وفي (كوبرا) دنيا ماهر.
الفضيحة الكبرى في المسلسلين أن الفنانة (صفاء الطوخي) جسدت شخصية الأم لكليهما، ليس ذلك فقط ولكن في الحالتين ماتت قهراً وكمداً مما يتعرض له ابنها من ظلم وأسرتها من تشرد بفعل المجرمين الحقيقيين.
ماتت بنفس الطريقة وجسدت نفس الشخصية، وقبولها بفعل ذلك قد يكون وراءه مبررات معيشية واجتماعية ولكن لا يمكن تبريره فنياً.
(ياسين، وكوبرا) يتحولان في (بيت الرفاعي)، و(كوبرا) إلى بطلين شعبيين، مطاردان (نعم)، ولكنهما رعاة الحق والعدل، يمثلان الخير في مواجهة الشر، والشر يمكن أن يأتيك من أقرب الناس إليك.
الشر من ابن المنطقة
وفي (بيت الرفاعي) جاء فاروق ابن العم (أحمد رزق) والذي تربى في نفس البيت وكبر مع ياسين واخوته، ولكنه اختار السير في طريق تجارة الآثار، وهو ما رفضه وحرمه ياسين.
كما جاء الشر من العم عبدالحميد (سيد رجب)، صاحب رحلة التآمر الكبرى على الأقارب وغير الأقارب.
في (كوبرا) جاء الشر من ابن المنطقة صاحب الجزارة شيخون (مجدي كامل) الذي يصدر للناس في منطقته صورة تخالف حقيقته كتاجر مخدرات وتاجر أعراض.
ورغم أن (ياسين الرفاعي) طبيب و(كوبرا) سجين سابق، إلا أن كليهما يتصرفان بنفس المنطق ويسلكان نفس الطرق، ولديهما نفس المبادئ مع بعض القيم الزائدة عند الرفاعي لاختلاف المستوى الثقافي والاجتماعي.
(بيت الرفاعي) تأليف (بيتر ميمي) وآخرين، والتوقف عند (بيتر) باعتباره المخرج الذي يهتم بكل التفاصيل ويسعى دائماً للتميز وكل الأعمال التي حملت توقيعه مخرجاً تفوقت وارتفعت به وبجميع طاقمها.
وهو ما لا يحرص عليه مؤلفاً، وكأن التأليف لديه إشغال لوقت الفراغ أما الإخراج فهو رسالة، ولذا فإن شهرته الفنية جاءت من كونه مخرجاً.
و(كوبرا) تأليف (أحمد محمود أبوزيد) نجل السيناريست العظيم (محمود أبوزيد) صاحب ثلاثية (العار، والكيف، جري الوحوش)، ولكن الفرق كبير بين موهبة الأب والابن.
المخرجان (أحمد نادر جلال) في (بيت الرفاعي)، وأحمد شفيق في (كوبرا)، نجحا في أخذ المشاهد معهما في جولة بين ربوع مصر من شمالها في الثاني إلى جنوبها في الأول.
وحسناً فعل شفيق بتقديم مسلسله في 15 حلقة رغم أنه لا يستحق أكثر من 10 حلقات، وسوءاً فعل (أحمد نادر جلال) بتقديم مسلسله في 30 حلقة، والذي لا يستحق هو الآخر أكثر من 10 حلقات.
(أمير كرارة ومحمد عادل إمام) يجيدان الأكشن ولا يجيدان التلوين في التعبير، ولعل الأكثر تميزاً في الأداء في (كوبرا) كانت دنيا ماهر، وفي (بيت الرفاعي) أحمد رزق وميرنا جميل والتي تمتلك موهبة كوميدية وتمثيلية تؤهلها لمكانة خاصة على الخريطة الفنية.