(وفاء عامر) نجمة تمتلك موهبة من ذهب في قلب الماراثون الرمضاني (1)
كتب: أحمد السماحي
مسيرة طويلة قطعتها النجمة الموهوبة (وفاء عامر) منذ بدايتها الفنية في مسلسل (الزنكلوني) إخراج فايز حجاب، مرورا بمسلسلات (طيور الزمن الجريح، الظلال، ذئاب الجبل، جنة حتحوت، قلب الأسد..
وزمن الحلم الضائع، ليالي الحلمية، رأفت الهجان)، مرورا بـ (جسر الخطر، الملك فاروق، ملح الأرض، الظاهر بيبرس)، وغيرهم الكثير من الأعمال، في كل مجالات الفن، وصولا إلى مسلسلي (حق عرب)، و(جودر).
وخلال هذه المسيرة تنقلت (وفاء عامر) بين عدة أدوار وشخصيات مختلفة، ووجوه شتى، ونجحت في التعبير عن كل العواطف مجتمعة، وبطريقة تثبت تمكنها الكبير من فنها ومن إمكانياتها.
وأثبتت (وفاء عامر) من خلال هذه الأدوار والشخصيات أنها نبع يعيش على تدفقه المستمر، ولا يمكن لأي حاجز أن يوقف مساره أو هديره.
في شهر رمضان الماضي صالت وجالت من خلال دورها المتميز في مسلسل (حق عرب) تأليف محمود حمدان، وإخراج إسماعيل فاروق، المأخوذ عن رائعة (أوديب ملكا) لـ سوفوكليس.
هذه المسرحية المأساوية الخالدة التى تتحدث عن نبوءة تصل الملك (لايوس) أن ابنه سيقتله ويتزوج أمه، فيطلب أن يُقتل ابنه هذا، لكن الأم تُعطيه إلى راعٍ يعتني به وتدعي موته.
ليتربّى (أوديب) في بلاط أحد الملوك ويُصبح ملكا عندما يكبر، فيتصادف يوما ما مع (لايوس) دون أن يعرف من هو ويقتله، ويتزوج أمه (جوكاستا)!.
وفاء عامر.. (جوكاستا)
قام المؤلف باقتباس هذه الأسطورة الخالدة دون أن يذكر هذا في (تترات) المسلسل، وغير بعض الأحداث والنهايات لتناسب المجتمع المصري الذي تدور فيه الأحداث.
وجسدت (وفاء عامر) بكل تميز وتمكن دور (جوكاستا) التى أصبحت في المسلسل المصرى تدعى (صباح الجياش) بنت البلد الجميلة التي تشبه الشمس، تحرق كل من يقترب من زوجها وأولادها.
والتى طمعت في شبابها في والدها، هى وزوجها (عبد ربه/ رياض الخولي)، واستغلوا مرضه، وأمضوه على تنازل عن أملاكه وثروته.
وعندما جاءت النبؤة لـ (عبد ربه) الذي يؤمن بالأبراج والتنجيم، وعلم من العراف (فهيم) أن ابنه سيقتله، طلب من (صباح) أن تسقط الحمل، وعندما رفضت، لأنها كانت في الشهر التاسع.
اتفق معها على أن تبقي الحمل، حتى تلد، على أن تعطيه المولود ليقتله إذا كان ولدا، وتطيعه (صباح الجياش) ظاهريا، حتى تتجنب غضبه وثورته، وبالفعل تنجب ولدا!.
وتقوم بمساعدة (الداية حسنية / عايدة فهمي) بتبديل الطفل مع ابنة (ماجدة/ سلوى عثمان) زوجة جلال السويركي، التى كانت تلد بالصدفة في نفس اليوم.
وبالفعل ساعدتها (حُسنية الداية) على تبديل الطفل، واتفقت معها أن ترسل لها كل شهر مبلغا من المال، ولكن (حسنية ) بعد مرور السنوات تطمع، توطلب من(صباح) مليون جنيه!.
وتهددها إذا لم تعطها النقود ستبلغ زوجها (عبد ربه)، فما كان من (صباح) إلا أن ذهبت إليها في منزلها وشنقتها!.
أعلى درجات تألق (وفاء عامر)
في هذه الملحمة العائلية ساخنة الأحداث التى تغوص في أعماق الأجواء النفسية المعقدة، وصلت (وفاء عامر) إلى أعلى درجات تألقها ونضجها الفني.
في بداية الحلقات كانت هادئه ولينة ونقية كالماء العذب، في عينيها تلتمع الفرحة، أو تشرق الدمعة، ترتدي ثيابا بسيطة تزيدها رقة وحلاوة، فتاة مثل كل فتيات ونساء الحارة الشعبية، تتحرك على نبضاته وإيقاعه.
لكن في الحلقات الأخيرة من المسلسل عندما تمر عليها مجريات الحياة، ويخيب أملها في ابنتها الكبرى (سميحة) وفي الرجل الذي أحبته وتزوجته وعاشت معه سنوات طويلة.
ويتهمها الجميع بما فيهم زوجها في شرفها، وخيانتها مع (عرب السويركي) عرفت (وفاء عامر) كيف تعبر بتعابير وجهها وحركات جسدها عن كل العذاب الذي يشتعل في قلب وضمير إمرأة.
هذه المرأة الحائرة بين قول الحق، والصراخ في وجه الجميع بالحقيقة المرة، وبين خوفها على ابنها من المصير الذي ينتظره من والده (عبد ربه) لو علم أنه مازال على قيد الحياة، وأنها أخفت عنه الحقيقة.
في مشاهد كثيرة كانت (وفاء عامر) هى الشخصية بكل ذرة فيها، وتنقلت ببساطة وعذوبة في الأداء بين أكثر من مرحلة، في بداية الحلقات قدمت دور ميلودرامي لعبت فيه بنوتات موسيقية خافتة على سلم العواطف.
وحاولت أن تعتمد على إحساسها الداخلي وتعبيراتها المدروسة، شخصية إمرأة أجبرتها الظروف أن تلعب بالنار دون أن تخشى الإحتراق.
وفي الجزء الثاني أو في الحلقات العشر الأخيرة عبرت (وفاء عامر) بعيون تائهة، وحركات عفوية على عدم اتزانها، وعن أساها، وألمها، واستسلامها، وعجزها عن مواجهة الواقع القاسي.
وقدمت (وفاء عامر) أكثر من مشهد (مستر سين) سواء التى جمعتها بزوجها (عبد ربه) أو (بناتها) أو ابنها (عرب) أو (جمالات شقيقة حسنية) الست الجشعة الطماعة التى كشفت سرها وحاولت تهديدها وابتزازها.
(وفاء عامر) في دور (صباح الجياش) قدمت دليلا جديدا ومدهشا على تمكنها وقدراتها التمثيلية الفائقة، وأضافت سهم جديد إلى سهامها الذهبية، أو أدوارها التى لا تنسى.
وذلك لأن (وفاء عامر) واحدة ممن يجدن فن التقمص، ويتوافر فيها الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، وتعيش في الدور بشكل بكامل عبر التسلل تحت جلد الشخصية، وذلك بفضل امتلاكها لعقل وجسم نشيط.
ففي هذا العقل والجسم النشيط تكمن القوة الديناميكية لتكوين الشخصية شريطة أن تخلص الممثل للدور الذي تؤديه، حيث تعيش (وفاء) في مجتمع الدور وبإحساس صادق، في محاولة الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان، وعلى هذا الأساس يمكن تحديد قوتها كممثلة طبقا لما يسمونه بالموهبة الفنية.
ممثلة موهوبة موهبة طاغية
ولأنها ممثلة موهوبة موهبة طاغية، فهى تدرك الحياة حق الإدراك ويضعها هذا في خدمة الدور عن طريق الشعور و الإحساس، من خلال التعمق في كل لحظة من اللحظات لتأدية الشخصية بملامحها وحركاتها وحواراتها وإيماءاتها ونظراتها.
و(وفاء عامر) تفهم تمثيل الإحساسات أو الانفعالات تتولد من تلقاء نفسها عن الطريق الذي يحدث الحدث ولا يحتاج إلى تصنعها والتكلف بتمثيلها.
وأخيرا (وفاء عامر) من بين القلة من الفنانين المصريين والعرب الذين لا يمكنهم فصل وسائل التعبير لديهم عن أنفسهم، لأنهم يبدعون باستخدام أجسادهم وأصواتهم وميزاتهم النفسية والعقلية؛ أي أن إبداعهم لا ينفصل عن شخصياتهم.
إنه لمن الصعب فصل موهبة الممثل وإبداعه عن شخصيته، غير أن التمثيل فن، وكما هو الحال في أي فن، فلا بد من توافر عناصر أساسية لدى الممثل، مثل المقدرة والدراسة والممارسة، وعليه يحتاج الممثلون إلى أجساد مرنة مطواعة معبرة.
تقنعك مهما كان حجم الدور
ولابد لي من القول أنه مهما كانت طبيعته فإن (وفاء عامر) ستقنعك، فيمكنها أن تسجل بظهورها حتى لو في مشهد واحد حضورا قويا يجعل الجمهور يتعلق بأداءها الذي يشكل بصمة خاصة، فهي الآن واحدة من أكثر نجمات جيلها تفردا وموهبة وتألقا ورسوخا أيضا.
ودائما اختيارها لا يخطئ أبدا، فعلى مدى أكثر من 160 عملا صنعت وفاء عامر نفسها بنفسها، لتصل إلى مرحلة تصبح فيها (علامة مسجلة) وهكذا فإن وفاء عامر بعد سنوات من الاجتهاد أن تصبح واحدة من نجمات الصف الأول.
بعد أن صعدت سلم النجومية درجة درجة، اعتمادا على موهبتها ومن خلال العديد من الأدوار المتنوعة.. فتحية تقدير واحترام لها ولإبداعها الذي تجلى أكثر وأكثر في رمضان 2024.
كلمة أخيرة
أتمنى من النجمة (وفاء عامر) أن تعلم قدر موهبتها جيدا، وألا تجامل ولا تتنازل في فنها، ولا تقبل أن تجسد الأدوار الساكنة الهادئة التى لا تملك من زمام أمرها شيئا.
وأن تأخذ حقها في البطولات المطلقة فهي نجمة كبيرة تملك موهبة ثرية ثراء ماء النيل، وجديرة أن يكتب لها أدوار تليق بموهبتها الساطعة الواضحة وضوح الشمس.