بقلم الأديب الكبير: سامي فريد
ربما كانت هذه هى المرة الأولى التي يجد فيها الفنان (محمود رضا) نفسه مضطراً إلى الدفاع عن فرقته (فرقة رضا) وعن جهود السنوات الطويلة والعرق والمعاناة ليجد أنها تتحول وتدريجيا بشكل يبدو مخططا ومدبرا لإبعاده عندما ضموا الفرقة إلى الحكومة، إلى وزارة الثقافة تحديدا ليجد (محمود رضا) أن منصب رئيس قطاع الفنون الشعبية يخلو فيتم ترشيح الفنانة فريدة فهمي رئيسة للقطاع.
لكنها ترفض لأكثر من سبب كان من بينها آلام ظهرها، أما السبب الثاني الذي حكاه لي الفنان (محمود رضا) هو عدم قدرتها على الاتفاق مع هؤلاء الإداريين الذين لا يعرفون حرفا عن القطاع ولا عن الفن الشعبي، وقد وجدت أن هذا الفساد قد بدأ مع الإداريين وكان ردها أنها فنانة وليست إدارية ولا تستطيع الاتفاق مع هذه النماذج الجديدة عليها.
ثم تم تعيين الدكتور عبدالغفار عودة مدير مسرح الشباب السابق رئيسا للقطاع! واندهش الجميع، فهو ممثل ولا علاقة له بقطاع الفنون الشعبية ولا بالرقص، وبدأت المشكلة تطفو على السطح تأخذ شكل الصراع تحت السطح أيضا وفوق السطح وفي المواجهة والعلن أحيانا أخرى.
كانت (فريدة فهمي) في آخر مناصبها مع الفرقة كانت مدير على الفرقة لكنها رفضت رئاسة القطاع بشكل حاسم ونهائي.. فحدث ما كان الجميع يخشونه عندما وجودوا عبدالغفار عودة أمامهم رئيسا للقطاع.
ثم يأتي التكليف من مصطفي ناجي رئيس دار الأوبرا باعادة تشكيل فرقة رضا من (محمود رضا) وفريدة فهمي ومنير الوسيمي) الذي يكمل ما بدأه محمود رضا فيقول:
المواجهة بدأت عندما كان رئيس القطاع الدكتور عودة، حيث يرسل مذاكرته أو رسائله إلى مكتب فريدة فهمي مدير عام الفرقة، أحد هذه الخطابات كان مكتوبا عليه (عاجل جدا وهام).
حدث هذا في فترة غياب (فريدة فهمي) لظروف مرضها ولأهمية الخطاب قام (محمود رضا) بقراءة الرسالة مع فريدة فهمي، وتم الاتفاق مع فريدة على ما يجب عمله وهو ما فعله محمود رضان بحسن نيه كما شرح لي ثم وقع بامضائه حتى يكون مسئولا عن القطاع عما جاء في الرسالة من قرارات.
لكن عودة استشاط غضبا وقال مستنكراً: “هو أنا أتكلم مع فريدة يرد (محمود رضا)، قال بقي رضا هو اللي يرد وينصرف كمان؟!.
وذهب عودة إلى مكتب (محمود رضا) غاضبا ليعاتبه على تصرفه فقال رضا على الفور: (أنا اللي بدعت هذا القطاع!، هي الحكومة كانت بترقص قبل كده؟!.. أنا لولاي ما كنت إنت هنا!)، وبدأت المشاكل مع سؤء النية والتربص!..
مواجهته مع منير الوسيمي
واضطر عودة لترك القطاع بعد أن بدأت مواجهته مع منير الوسيمي نفسه، الذي قال له: (إنتي لا علاقة لك بالفنون الشعبية، عندما دفع بأحد عازفي الكمان ليعمل مساعدا للمايسترو الوسيمي الذي كان يكلفه ببعض الأعمال البسيطة تمهيدا لتوسع عمله)، لكن (محمود رضا) ينبه الوسيمي قائلا: ما ترقيش حد يا منير.. دي مؤامرة ضدك عشان يخلصوا منك.
ويقول (منير الوسيمي) إنه لم يجد أوركسترا للموسيقى يقوده.. كل شيء كان يدل على انهيار المكان، فصلت الإدارة أحسن الموسيقين لبلوغهم سن المعاش كموظف الحكومة، راتب العازف منهم 110 جنيها في الشهر.. وفي خارج القطاع كانت مرتبات العازفين تصل إلى ألف جنيه أو 1500 جنيه.. وجدت في الفرقة من يدعون البلطجة ويطلبون الآلات ليعملوا عليها وهي موجودة.. فاضطرت لفصل عازفين وتعيين 27 غيرهم.
وصممت على أن تقف الفرقة على رجليها من جديد فبدأت باستعمال الحسم معهم.. تعلنهم بعضهم شكاني للنقابة فجاءني محمود عفت وصلاح عزام للتحقيق في الشكوي واكتشفوا أن الذين شكوني لا يفهمون في الموسيقى.
وبدأت أنا أعيد كتابة (نوت) موسيقي على إسماعيل فجمعت منها 14 رقصة كتبها من تسجيلات (محمود رضا) ومن بعض بقايا النوت القديمة، لكنني لم استطيع الاستمرار بهذا الشكل فودعت الفرقة.. وخرجت وبقي محمود رضا في الفرقة قائما عن فريدة فهمي.
وكان آخر كلام (محمود رضا) لعبدالغفار عودة وهو ما سمعته منه: (أنا اللي من غيري لم تكن هناك فرقة فنون شعبية في الحكومة.. أنا عملت فرقة رضا وسيظل اسمها فرقة رضا).
جدير بالذكر أن الفنان (محمود رضا) فكر في تكوين أول فرقة خاصة للفنون الشعبية بالاشتراك مع الراقص الأول والمصمم والمؤلف الموسيقي علي رضا، والراقصة الأولى فريدة فهمي بعد الرحيل المفاجئ للفنانة نعيمة عاكف بالإضافة إلى خبرتها في التدريب وتصميم الأزياء.
وهكذا قدمت الفرقة أول عروضها على مسرح الأزبكية في أغسطس عام1959، وقد بلغ عدد أعضائها عند التأسيس 13 راقصة و 13 راقصاً و 13 عازفاً، أغلبهم من المؤهلين خريجي الجامعات، وصمم (محمود رضا) الرقصات التي استوحاها من فنون الريف والسواحل والصعيد والبرية، وقام بإخراجها تحت إشراف الدكتور حسن فهمي ورعايته، وبفضل هذا التكوين الراقي اكتسب فن الرقص احترام كافة طبقات المجتمع.