بقلم: مجدى صادق
يعود المخرج الأسطورى (فرانسيس فورد كوبلا) إلى (مهرجان كان) بملحمته التى طال انتظارها (ميجالوبوليس) بعد 45 عاما من فوزه بالسعفة الذهبية عن فيلمه (نهاية العالم الان) أو (Apocalypse Now)، باعتباره أحد أعظم أفلام الحرب على الإطلاق.
وتقام الدورة السابعة والسبعون للمهرجان في منطقة (كوت دازور) الفرنسية، والتي تعتبر الأرقى في صناعة السينما، في الفترة من 14 إلى 25 مايو.
وتشمل المنافسة هذا العام على جائزة السعفة الذهبية وهى الجائزة الكبرى للمهرجان والمنافسة شديدة مع إيما ستون- بعد أسابيع فقط من فوز ستون بجائزة الأوسكارعن فيلمها الساخر (أشياء فقيرة) بأسلوب فرانكشتاين,
وقد تناولنا قصته فى مقالات سابقة ثم المخرج اليوناني (يورجوس لانثيموس)، وفيلمه (أنواع من اللطف) عدا العديد من أفلام كبار هولييود القادمين إلى كان!
ففي الوقت نفسه، سيحصل (جورج لوكاس) صديق (كوبولا) – صاحب فيلم (حرب النجوم، وإنديانا جونز) على جائزة السعفة الذهبية الفخرية في الحفل الختامي.
ومن المتوقع أن يجذب فيلم المخرج الإيرانى المولد على عباسى (ذى أبرنتيس المتدرب) حول السنوات الاولى للرئيس الامريكى السابق (دونالد ترامب) لكثير من الاهتمام وماذا يقول الإيرانى عن ترامب؟!
ومن بين الأفلام الأكثر إثارة للاهتمام ضمن فاعليات المهرجان فيلم (إميليا بيريز) وهو فيلم كوميدي موسيقي يدور حول زعيم عصابة مكسيكي يخضع لعملية تغيير جنس مع نجمة البوب الممثلة (سيلينا جوميز) في دور مساعد – وهو أحدث إبداع غير متوقع من الفرنسي الحائز على جائزة السعفة الذهبية المخرج جاك اوديار
و(مهرجان كان) قد منح (كوبولا) جائزتى السعفة الذهبية الأولى عن فيلم (نهاية العالم الآن – Apocalypse Now) عام 1974 والثانية عن فيلم (المحادثة السرية – Secret Conversation) عام 1979.
كوبولا و(أغنية البجعة الأخيرة)
ويبقى السؤال الذى يفرض نفسه: هل سيكون فيلم (كوبولا) بعنوان (ميجالوبوليس) بمثابة (أغنية البجعة الأخيرة) له ليسمعها ويراها العالم على ساحل الكوت دازور فى ظل تكاليف انتاج باهظة وهى 120 مليون دولار، وكأن يرسم نهاية حلمه بفيلمه الطويل الثالث والعشرين.
وهو ماوصفه أحد النقاد بأنه ستكون نهاية حزينة لمسيرة (كوبولا) المهنية (عمل رجل مجنون)، فهل هى مقامرة ؟!، أم سيخيب ظن هؤلاء النقاد وصناع السينما فى هوليوود المتربصين بـ (كوبولا)؟!
تساؤل آخر أكثر أهمية وهو ماعلاقة فيلم (ميجالوبوليس) بأحداث 11 سبتمبر 2001؟!، فحين اعترف (كوبولا) بأن أحداث 11 سبتمبر (جعلت الأمر صعبًا للغاية)!!
فهو فيلم عن طموح المدينة الفاضلة مع نيويورك كشخصية رئيسية تلك المدينة التى هزتها عملا إرهابيا، وفى لحظات ودون مقدمات تم انهيار برجين توأمين ( 110 طابقا ) ومركزالتجارة العالمى (48 طابقا) وراح ضحيتها 2977 شخصا.
فقد أضر تدميرالمركز والهياكل المجاورة باقتصاد مدينة نيويورك بصورة حادة وكان ذو أثر كبير على الأسواق العالمية وفى لحظات من عمر الزمن!
فهل عدل كثيرا (كوبولا) سيناريو فيلمه على خلفية تلك الأحداث الجسام، خاصة وأنه اختار نيويورك ولم يختار مدينة أخرى محور فيلمه الأسطورى مثلما وصف!
ففي عام 2001، بعد تعديل السيناريو لما يقرب من عقدين من الزمن، جلس (كوبولا) أخيرًا خلف الكاميرا، حيث قام هو والمصور السينمائي الشهير (رون فريك) بتصوير حوالي 30 ساعة من لقطات المشهد لنيويورك المعاصرة.
أثناء التنقل كان قد تم تصميمه في الأصل كقطعة موسيقية حول مدينة نيويورك بعد الأزمة المالية، وكاد أن يبدأ مرة أخرى في عام 2001 حتى تدخلت أعمال 11 سبتمبر.
فبعد الهجمات السبتمبرية ألغى (كوبولا) كل إطار منها لأنه كان يائسًا من أن رؤيته المثالية الأصلية لهذه القطعة لم تعد حقيقية – ثم بدأ العمل على إعادة كتابة أخرى لفيلمه الحلم!
(كوبلا) مواليد 7 أبريل 1939، أحد أعمدة حركة أفلام هوليوود الجديدة منذ الستينات وواحدًا من أعظم المخرجين على الإطلاق، وقد حصل على خمس جوائز أكاديمية وستة جوائز غولدن غلوب، وجائزتين السعفة الذهبية وجائزة الأكاديمية البريطانية للافلام (بافتا).
مكانة (كوبولا) كمخرج أسطوري
بينما تعززت سمعة ومكانة (كوبولا) كمخرج سينمائي أسطورى مع إصدار فيلم (الأب الروحى) بجزئيه و(The Godfather – 1972)، الذى أحدث ثورة فى صناعة السينما.
كان والده عازف فلوت فى أوركسترا (ديترويت السيمفونى) والأم (نيى بينينوا 1912 – 2004) إيطالية، وقد هاجرا أجداده سواء من جهة الأب أو الأم إلى الولايات المتحدة حيث انتقلت العائلة للعيش فى نيويورك.
وقد أصيب بمرض شلل الأطفال وظل (كوبولا) طريح الفراش لفترات طويلة من طفولته فقد انعكست بكل تأكيد على شخصيته واختياره لنوعية أفلامه، باعتباره كاتب ومؤلف ومخرج عالمى.
جاء (كوبولا) لأول مرة بفكرة المدن الكبرى في السبعينيات وقد أمضى عقودًا منذ ذلك الحين وهو يحاول تنفيذها، فقد كان مهووسا بتلك الفكرة كمشروع لفيلم سينمائى يضع فيه خبرات عمره وفكره.
وحتى ماله لدرجة أنه باع إحدى مزارع الكروم الخاصة به للمساعدة في تمويل إنتاجه وهوالذي اشتراه (كوبولا) بأرباح أول فيلمين من أفلام (الأب الروحى).
تم انتاج الفيلم باستخدام تقنيات الإنتاج الافتراضية التى ابتكرتها سلسلة أفلام حرب النجوم (The Mandalorian)، حيث يتم تصوير المشاهد بصورة تحاكى البينات الخارجية بسرعة بدلا من الشاشات (LCD) التقليدية!
إنه أضخم مشروع لـ (كوبولا) على الإطلاق منذ فيلم (دراكولا) لبرام ستوكر في عام 1992، ويقال إنه يجمع بين المشهد القديم والتأملات الفلسفية حول قدرة البشرية على إعادة تشكيل عالمنا في مواجهة التهديد الوجودي.
وعنوان فيلمه (ميجالوبوليس) قصة خيال علمي توصف بأنها (بليد رانر يلتقي يوليوس قيصر)، إذ تبدو المدن الكبرى وكأنها تشبه إلى حدٍ ما (بليد رانر)، وقليلًا من (وول ستريت)، وقليلًا من (يوليوس قيصر).
فهو متأثرا مثلما هو واضح متأثرا بثقافة الحضارة الإيطالية (الرومانية) حضارة الأم والميثالوجيات الإغريقية والرومانية، فقصة الفيلم بمثابة طموح سياسي وعبقرية وحب متضارب.
حيث (يطارد مصير روما عالمًا حديثًا غير قادرعلى حل مشاكله الاجتماعية انها بمثابة توليفة سرياليه من ميتروبوليس، وكاليجولا والادب الرومانى الكلاسيكى).
فيلم وثائقي عن مدينة (ميغالوبوليس)
فهى ملحمة للخيال الميتافيزيقى العلمى من بطولة (آدم درايفر)، الذي يلعب دور مهندس معماري يحاول إعادة بناء مدينة نيويورك باعتبارها مدينة فاضلة (أحد أحلام أفلاطون كمدينة يحكمها الفلاسفة) بعد وقوع كارثة مدمرة اذ يفكر كوبولا في الامبراطورية الرومانية كثيرا.
وهو ماوصفه المخرج (مايك فيجيس) الذي يصور الآن فيلمًا وثائقيًا عن صناعة مدينة (ميغالوبوليس) بأنه (لقاء يوليوس قيصر مع بليد ران)، و(بليد ران) فيلم خيال علمى للكاتب فيليب كيندر باك وقصته مستوحاة من رواية (ديفيد بيبولز) إخراج المبدع (ريدلى سكوت)، لكنها حول مدينة لوس أنجيلوس!
يطرح الفيلم سردية الصدام بين الرؤية الطوباوية للمهندس المعماري الذى يتخيل إعادة بنائها بمواد متجددة في أعقاب مأساة.
وهى مستوحاة بشكل فضفاض من الانقلاب الروماني الذي أطلق عليه اسم (المؤامرة الكاتيلينية) في نسخة مستقبلية بديلة لنيويورك تسمى نيو روم في حين يقال إن أوجه التشابه مع سقوط روما منسوجة من خلال قصتها عن إمبراطورية حديثة على شفا الانهيار.
وعلى النقيض دور العمدة (فرانك شيشرون)، الذى يلعب دوره (جيانكارلو اسبوزينو) الشخصية الشريرة والفاسدة والمرتشية، بينما تأتى الشخصية الثالثة فى القصة (جوليا) الذى تلعب دوره (ناتالى إيمانويل) ابنة مستشار المدينة التى تبحث عن معنى لحياتها. وهى ممزقة بين الولاء لوالدها الفاسد والحب الذى يحملها لها المهندس المعمارى المثالى (توليفة سينمائية) من الصراعات والاضطرابات السياسية والشخصية التي تلت ذلك.
وقد تمكن (كوبولا) من تجميع أجيال متعددة من النجوم لفريقه مع (داستن هوفمان)، وتاليا (شاير وجون فويت) الذين يتنافسون مع (أوبري بلازا، وجيسون شوارزمان وشيا لابوف).
بالإضافة إلى شقيقة (كوبولا) تاليا شاير وابن أخيه (جيسون شوارتزمان) والقائمة مزدحمة!
لكن تبقى كلمات (كلينت ستوود) الممثل الأمريكى البالغ من العمر 95 سنة، حين قال فى كلمات مؤثرة (مرعب هو التقدم فى العمر اليس كذلك ؟!، ها أنتم ترون كل شئ بأعينكم عظام لاتتحرك بليونة ونظر العينين متعب لهما الضوء.
لكن المرعب والمتعب أكثر هو حين تبلغ التسعين سنة ولا تجد أحدا من من تحبهم بقربك يستمع لقصصك وتاريخك الملئ بالبطولات الوهمية، مرعب أن تكون وحدك بعد ان كان الجميع يبحث عنك!
فهل يقول (فرانسيس فورد كوبلا) بهذا الفيلم مثلما قال (ستوود): نعم الجرى خلف الشهرة كالرماد الذى نفخت فيه الرياح فلا هو اشعل نارا ولا هو ظل ثابتا فى مكانه!)
نعم يمكن أن يكون فيلم (كووبلا) تحفة فنية، ويمكن أيضا الفشل الذريع لأن المنافسة صعبة للغاية، ويخبرنا التاريخ أنه عندما يتعلق الأمر بـ (كوبولا) فان هاتين الفئتين لايستبعد احداهما الأخرى لعازف أغنية البجعة الأخيرة!