فريدة سيف النصر.. سيدة الأداء الصعب في (سترة العترة)!
كتب: محمد حبوشة
يبدو تألق الفنانة الكبيرة (فريدة سيف النصر) واضحا ليس مؤخرا فحسب، فمنذ بداية مسيرتها الفنية والإبداع يلازمها بأعمالها المتنوعة التى نجحت من خلالها فى جذب شريحة جماهيرية عريضة، وأصبحت من أهم نجوم الوطن العربى.
وذلك بسبب إتقانها للأدوار التى تقدمها واختيارها لشخصيات مؤثرة ترسخ بأذهان الجمهور، كما أنها تميزت كالعادة بعمل مختلف هذا العام فى (العتاولة) وحصلت على إشادات كبيرة بعد لعبها شخصية (سترة العترة) التى فاقت بها جميع التوقعات.
الواضح أن النجاح الكبير الذى حققته (فريدة سيف النصر) في (العتاولة) ما هو إلا صورة عظيمة تعكس الروح الطيبة والأجواء الأسرية القائمة على المحبة والتقدير والاحترام المتبادل بينها وبين فريق العمل.
كما أنها بذلت مجهودا كبيرا، وقدمت أقصى ما بوسعها لطرح عمل ينال إعجاب الجمهور كما حدث بالفعل، ويبدو واضحا أن طاقم العمل بالكامل كان يعمل بقلب رجل واحد.
عائلة مترابطة متماسكة تساند بعضها البعض بالمعنى الحرفى، وعلى رأسهم الأم (فريدة سيف النصر)، التى قدمت دور المعلمة (سترة العترة)، وهى امرأة قوية تحافظ على كرامتها وتعليماتها التى يسير على أكبر رجال الإسكندرية،
كما أنها عانت كثيرا فى حياتها لتصبح ماهى عليه، وبالرغم من أنها شخصية جميلة وواثقة بنفسها إلا أن الجميع يخشى غضبها، حتى أبنائها الذين غرزت بداخلهم الإجرام وكل ما هو خارج على القانون.
ومميزات الشخصية التي لعبتها (فريدة سيف النصر) أظهرت جانبا جديدا فى شخصيتها لأننى تقدم دور الشر لأول مرة خلال مسيرتها الفنية، واكتشفت قدراتها على جذب حب وتقدير الجمهور بالرغم من تقديمها شخصية مليئة بالشر المطلق إلا أنها تتميز بخفة ظلها وإفيهاتها الحاضرة دائما بكل تلقائية وعفوية نابعة من داخلها.
ربما يبدو تألق (فريدة سيف النصر) أن مسلسل (العتاولة) يتميز بأنه يمزج بين لقطات الأكشن المبهرة ولحظات الدراما المأساوية وأجواء الكوميديا العفوية، وتطورات أحداثه بشكل مميز وملحوظ.
فريدة سيف النصر.. طاقة إيجابية
لذا فإن (فريدة سيف النصر) نجحت فى نقل الطاقة الإيجابية التى كانت توجد بينها وفريق العمل خلف الكواليس ضمن أحداث المسلسل، وأيضا حرص الإنتاج على تلبية طلبات ورغبات طاقم العمل بالكامل.
قلم الفنانة (زينة) على وجه (فريدة سيف النصر) كان حقيقيا جدا ولم تعترض عليه لأنه ضمن السياق الدرامى للمشهد ورد فعل طبيعى لفتاة شهدت إهانة والدتها أمام الجميع.
لكن الثبات الانفعالى ناتج عن قوة شخصية (سترة العترة) والتزامها بمبدأ (الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس)، وحرصها على عدم تطور الأمور أكثر من ذلك، لأن امرأة بجبروتها لو لم تلتزم الصمت حينها كانت قتلت زينة على ما فعلته.
ولكنها فضلت العودة إلى ابنها نصار (أحمد السقا) وتترك له حرية التصرف بالنيابة عنها، ومن هنا فقد تلقت إشادات كثيرة على هذا المشهد من قبل جمهورها، ولأول مرة نرى المشاهد يتعاطف مع الشخصية الشريرة ويحزن عليها.
أثبتت (فريدة سيف النصر)، أن الأمومة إحساس الذي ينبع من داخل المرأة ليس له علاقة بالعمر، وهى بطبيعتها تحمل قلبا هينا لينا على الشخصيات المقربة لها، ولهذا تشعر بأنهم جميعا مثل أبنائها.
(فريدة سيف النصر)، هى الممثلة الموهوبة الشهيره المخضرمه التي أثرت السينما والتلفزيون بأدوارها المتنوعة، ولهذا تألقت مؤخرا في دورها بمسلسل (العتاولة)، حيث جسدت شخصية (سترة العترة) ببراعة، والدة نصار وخضر، ولقد كان أداؤها محورا للعديد من المشاهد القوية والمؤثرة.
كما أنها الكبيرة المهابه مسموعه الكلمه (أم الرجاله) بتعبير العمل الدرامي نفسه، وهي شخصيه محوريه وليست ثانويه تنطلق الأحداث من عندها وإليها.
وطني أنه أصبح مؤخرا أدوار (فريدة سيف النصر) رمزا للقوة والتحدي في الدراما المصرية، وقد أبهرت الجمهور بقدرتها على تقديم أداء يلامس القلوب ويعكس الواقع بصدق.
وكيف استطاعت أن تكون المرأة القوية المسيطرة و الأم القاسية دون أن تتخلي عن مشاعر الأمومة و خوفها علي أبنائها و هذا ظهر في عدة مواقف.
ولعل أدوار (فريدة سيف النصر)، من توقيت مسلسل (بدون ذكر أسماء)، وهى تحدي كبير من ممثلة كان لها ستايل خاص بها في السينما مع كبار النجوم، وذلك يعتبر كان سوء توظيف لموهبتها، حيث حصرها المنتجين والمخرجين في أدوار تعتمد علي قدراتها الأنثويه (مشاهد الاغراء الجسدي).
كسر الأكليشهات القديمة
وقد نجحت (فريدة سيف النصر) في (بدون ذكر أسماء) فى كسر الأكليشهات القديمة التى كان يعتمد عليها رؤوس العصابات من السيدات فى الستينيات والسبعينيات، ففريدة نموذج خاص لزعيمة عصابات التسول لها كاريزما وشكل مختلف عن نجمات مثل (نجمة إبراهيم)، وكذلك الفنانة الراحلة نعيمة الصغير.
فضلا عن باقي الفنانات اللائى سبق أن جسدن شخصيات (الزعيمة)، وربما يعود هذا التميز إلى السيناريو الذى رسم شخصية (النعجة) بمواصفات خاصة وشكل جديد.
وظهر من خلال شخصية (النعجة) مدى الارتباط الإنسانى والتآلف الذى يجمع بينها وبين أفراد عصابتها، وفهمهم لنظراتها وإشاراتها، وكيف تتحكم هذه (الريسة) فى مصيرهم بقوة وبساطة، لدرجة لا يستطيع أحد أن يرفض لها أمرا على الإطلاق.
وهذا ما أظهره سيناريو العمل عندما أرادت أن ترتبط بأحد صبيانها (رجب الفرخ) يجسده ببراعة محمد فراج، فلم يتردد رغم الفارق العمرى بينهما.
(فريدة سيف النصر) وافقت على أن تظهر كامرأة مفرطة السمنة لاتكاد تغادر الكرسى الذى تجلس عليه إلا قليلا، ولم تكتف بارتداء بدلة أسفل الملابس لكى تبدو بدينة لكنها زادت وزنها حوالى 30 كيلو جراماَ حتى تعيش تفاصيل الشخصية.
كما ارتدت نظارة كبيرة وساعة مميزة، وتحدثت بطريقة توضح أنها من بيئة شعبية لكنها تفهم أشياء كثيرة، وتسيطر على من حولها، وهو دور تقدمه للمرة الأولى والتى كثيرا ما تألقت على خشبة المسرح وفى السينما وفى الدراما التليفزيونية، لكن يبقى دورها فى (بدون ذكر أسماء) علامة فارقة فى مشوارها الفنى.
ويبدو مشهودا تخلي (فريدة سيف النصر) عن المكياج و تسريحات الشعر وتركت وزنها زائد هذه المرة أيضا لتناسب مجموعة من الأدوار، وها هى تؤكد على نجوميه طاغية وموهبة في (العتاولة) فهي المحرك الأساسي للأحداث من خلال هيمنتها علي خضر محور الشر في الأحداث.
ويبقى لي القول أن (فريدة سيف النصر) واحدة من الفنانات اللاتي يمتلكن أسلوب خاص في الأداء التمثيلي، ما جعلها تحفر مكانة في قلوب الجمهور، سواء في مصر أو الوطن العربي.
وربما يرجع ذلك إلى أنها قدرتها المذهلة على إيصال محتوى النص والانفعال والعاطفة إلى الجمهور، وهى في ذلك تقوم بالتصوير المجسد للصورة الذهنية للشخصية على نحو احترافي.
وهو عملية إبداع فني تهدف من خلاله (فريدة سيف النصر) إلى إيصال هذه الصورة على مستوى العلامات البصرية والعلامات السمعية إلى الجمهور ضمن مساحة التلقي الشاملة المتمثلة بالعرض بالعمل الدرامي المؤلف من مجموعة مركبة من النصوص التي تتشكل بنياتها الإرسالية أو الاستقبالية لتنتج الخطاب الدرامي الكامل.
أشكال الأداء اللفظي والحركي
والذي يعتبر مجموعة دالة من أشكال الأداء اللفظي والحركي تنتجها أنساق من العلامات السمعية والبصرية التي برعت في تجسيدها طوال رحلتها الطويلة في عالم الفن التمثيلي.
إنها الفنانة صاحبة الموهبة الفذة (فريدة سيف النصر) التي لفتت الأنظار إليها في مسلسل (موسى) رغم فشله على المستوى الجماهيري، جراء عشوائية السيناريو من ناحية، ومن ناحية أخرى شيفونية الممثل محمد رمضان وتدخله السافر في مجريات الأحداث.
لكنها استطاعت النجاة بنفسها من براثن هذا العبث الدرامي الرجيم بعزف منفرد على أوتار شخصية الغجرية (كحلة)، وهو ما كان كافيا وقتها بأن تلتفت إليها شركات الإنتاج وكذلك المخرجين لاستغلال طاقة تمثيلية مصرية نادرة ولن تتكرر كثيرا في الأداء الاحترافي الصعب.
فهى تتمتع بقدرات هائلة في تقمص الشخصيات التي تجسدها واللعب بمشاعرها على المستوى الداخلي والخارجي إلى حد أن تنسيك فريدة وتتذكر فقط (كحلة، أصيلة، النعجة، إمبابة، الحاج أحمد، زينب العطار) وغيرها من شخصيات برعت في أدائها مؤخرا في قلب الدراما المصرية.
وأخيرا ظني أن (فريدة سيف النصر) لم تأخذ حتى الآن فرصتها الحقيقية، ففن التمثيل عندها يجنح نحو فعل التقمص من خلال عملية ذوبان ذات الممثل الإنسان وانصهارها بذات الممثل الشخصية.
وهذا الذوبان يحتاج إلى توظيف علاماتي تحويلي تتحول فيه صفات وسلوك ومشاعر وما يتعلق بعناصر التعبير الداخلية والخارجية من علامات الممثل الإنسان إلى علامات الممثل الشخصية عندها يحدث فعل التقمص.
وعليه يقوم الأداء التمثيلي في هذا المستوى عند (فريدة سيف النصر) بعيدا عن ميزات وخصائص شخصية الممثل الإنسان إذ تتطلب عملية التحول إلى الصدق والإيمان لديها بحيث يتحول فعل الأداء التمثيلي على الشاشة.
(سترة العترة) في مسلسل (العتاولة)
ويتطابق مع الحقيقة العامة بهدف تحقيق فعل الإيهام بحيث تحول المتلقي إلى مستقبل متعاطف مندمج مع مستوى الأداء التمثيلي المتقمص كما جاء في تجسيدها لشخصية (سترة العترة) في مسلسل (العتاولة) في موسم رمضان 2024.
وقفت بقدر من التأمل والحيرة أمام طاقة هائلة في الأداء خاصة أنها تحمل بين جوانحها هذا النموذج من التلقي للأداء التمثيلي الذي يمكن إن نطلق عليه اصطلاح (التلقي العمودي).
والذي يتطلب فيه التماشي مع فعل التقمص لدى الممثل ومقاربته بفعل الاندماج لدى المتلقي، حتى يجمع العرض الطرفين معا بوحدة تأثيرية مشتركة.
وهى بحسب (ستانسلافسكي) ممثلة قادرة على تحويل الخطاب المتخيل دراميا إلى خطاب واقعي حياتي يستنبط حسه من فعل الملاحظة ويجسدها تعبيريا بالوحدات والفترات الأدائية القادرة على خلق صفة كشف حقيقة الحياة الإنسانية عن طريق الصدق والإيمان الذي يسكنها في واقع الحياة.
تحية تقدير واحترام للنجمة المتألقة فريد سيف النصر – رغما عن أنف المتحكمين في عمليات الإنتاج الذي لايعي قدر نجومنا – بفضل بساطة أدائها واجتهادها في التجسيد الدرامي الحي وعلى نحو احترافي لم يتم استغلاله حتى الآن.
فهل من عيون خبيرة ترقب تلك الموهبة الفذة ومحاولة توظيفها في أداور مهم تليق بموهبتها .. أتمنى أن تجد فرصا حقيقية في المستقبل المنظور؟
ويقيني الراسخ بمعدنها الأصيل في فن التمثيل سوف يفاجئ الجميع بطاقة هائلة في الأداء المبني أسس علمية وأكاديمية تكفل النجاح للأعمال الدرامية الحقيقية، خاصة الشق الاجتماعي والتراجيدي الذي برعت فيه في موسم رمضان 2024، ومواسم سابقه تشهد على كفاءتها.