لايوجد دليل واحد على مساعدة راقية إبراهيم لإسرائيل! (2/2)
* فيلم (دنيا) كُتب بالكامل من أجلها ويبدو (أحمد سالم) بكل جاذبيته باهتا إلى حد ما بجوارها
* المخرج (عبد الفتاح حسن) كان الأكثر جرأة حين أسند لصاحبة هذا التكوين الغربي دور الفلاحة في فيلم (أرض النيل)
* في فيلم (زينب) رأينا حالة من التألق اكتست بها الممثلة، وهى تجسد الشخصية
* الغريب أن من يكتبون عن تطور صورة المرأة في السينما المصرية يتجاهلون ما قدمته (راقية ابراهيم)
* (راقية إبراهيم) كانت في حاجة إلي مخرج من طراز (صلاح أبو سيف) ليخرج منها مالم يخرجه (محمد كريم).
بقلم الناقد والباحث السينمائي: محمود قاسم
تخلت (راقية إبراهيم) عن المكياج في الكثير من أفلامها، وتبدو دوما الزوجة، والمرأة الحلوة الناضجة التي تنتمي الي نفس الطبقة بما تملك من ثقافة، وسلوك، ورومانسية.
ولعل أبسط مثال على ذلك دورها في فيلم (دنيا) الذي انتجته عام 1946 وأخرجه محمد كريم، وفي المشاهد الأولى منه تبدو كأنها تهل في تحدي، وتظهر لنا في زي السجينة بدون أي مكياج بالمرة!
ومع ذلك فهي بالغة الجاذبية، ومع الأحداث فإن (راقية إبراهيم) تنتقل إلى طبقتها التي جاءت منها، فهي ترفض الاقتران بالمحامي (فتحي) الذي دافع عنها، وأبلغته أنها سوف تنتقم من والد ابنها الذي تركها حاملا في سفاح فقامت بقتل ابنه.
ودخلت السجن لمدة خمس سنوات، وعليه فإنها تبحث عن حبيبها السابق محمد وتدخل حياته من جديد بغية الانتقام، وتستقبلها أمه أفضل استقبال وتبارك هذه العلاقة حتي تنكشف الحقيقة!.
في الفيلم (راقية إبراهيم) امرأة جميلة عاشقة، مثالية، هى نادمة علي ما ارتكبت، غير راضية عما وصلت اليه، وتبدو هنا هى الشخصية الرئيسية التي يدور الآخرون في فلكها.
ولعل الفيلم مكتوب بالكامل من أجلها، حيث يبدو الفنان (أحمد سالم) بكل جاذبيته باهتا إلى حد ما، وهى تختلف عن المرأة المطحونة السائدة في تلك المرحلة سينمائيا، وأيضا بنات الليل، أوالراقصات، هى امرأة قاتلة، تسعي للانتقام حبا.
راقية إبراهيم .. و(أرض النيل)
كان المخرج عبد الفتاح حسن هو الأكثر جرأة حين أسند لصاحبة هذا التكوين الغربي (راقية إبراهيم) دور الفلاحة في فيلم (أرض النيل) عام 1946.
وهى هنا البنت الريفية البسيطة التي تقف مع حبيبها المهندس الزراعي الذي يسعي لاستصلاح الأرض، وزرعها رغم العقبات التي تواجهه، وقد كان الدور الرئيسي هنا للممثل (أنور وجدي).
راقية إبراهيم.. و(زينب)
جسدت (راقية إبراهيم) دور الفلاحة مرة ثانية في فيلم (زينب) الناطق لمحمد كريم، حيث رأينا حالة من التألق اكتست بها الممثلة، وهى تجسد الشخصية، فرغم الفقر الشديد الذي تعيشه (زينب) فإنها إمرأة ذات كبرياء في كل سلوكها.
وهى في حالة غرام مع حبيبها (إبراهيم) الذي تم إرساله إلى الجهادية، أو عندما تتزوج من حسن المتعجرف، وأقامت في منزل أهله، أو حين أصابها مرض الدرن وتقاوم الموت، فظلت شامخة لاتنحني.
كما أنها ترفض الهرب مع حبيبها حتي لاتعرض أسرتها للعار، والحرج، وتقبل أن تتزوج بمن لاتحب، إنها إمرأة مثالية منشودة في مثل هذا المجتمع.
تبدو تلك الريفية في المشهد الأول نموذجا متألقا للفتاة الريفية فليس الفقر ملازما للاستكانة، أو المذلة، وقد دافعت (زينب) دوما عن حقوقها.
وهكذا فان (راقية إبراهيم) قد أكسبت الدور من كبريائها وسماتها، وتجتهد بكل قوة كي تنطق بالهجة الريفية قدر استطاعتها.
في هذه الفترة قدمت (راقية إبراهيم) أدوار متباينة ومختلفة عن بعضها، والغريب أن من يكتبون عن تطور صورة المرأة في السينما المصرية يتجاهلون ما قدمته (راقية إبراهيم).
راقية إبراهيم و(ناهد)
في عام 1952، تعود (راقية إبراهيم) للعمل مع كل من محمد كريم كمخرج، ويوسف وهبي كممثل في فيلم (ناهد) وهو دور المرأة المتفانية في حب زوجها.
وهناك مشاهد مطولة في بداية الفيلم عن علاقة الزوجة (ناهد) بزوجها الطبيب (محمد) الذي اختارها من بين كل النساء، وهى بالغة الفخر بهذا، وقد درست في كلية الآداب، وكانت تتمني أن تدرس الطب حتى تتفاهم أكثر مع زوجها.
ويصورها الفيلم أيضا سيدة ناضجة عاقلة لاتهتز أمام الكوارث الأسرية حتى تسمع صديقتها (زوزو) تتحدث عن جنين في بطنها من زوجها فتتصور أنه ارتكب الخطيئة معها!
وتتحول حياتها إلى جحيم ممزوج بالشك حتي تتضح لها الحقيقة بعد أن تعذبت كثيرا.
وتتكرر أدوار الممثلة من فيلم لآخر، ولاشك أن (راقية إبراهيم) كانت في حاجة ماسة الي مخرج من طراز صلاح أبو سيف، ليخرج منها مالم يخرجه محمد كريم الذي كان تقليديا في إدارة ممثليه.
راقية إبراهيم و(جنون الحب)
كانت هناك فرصة ذهبية للممثلة (راقية إبراهيم) التى تقوم بدور أختين تؤام متناقض في صفاته، أن تقدم تباينا ملحوظا في الأداء في فيلم (جنون الحب) عام 1954، وكان قد مرت فترة لابأس بها على احترافها للتمثيل.
تجسد (راقية إبراهيم) في الفيلم شخصيتين هما (سهير، ونادية) اللتين تنتميان الي طبقة الموسرين، وتعيشان مع والديهما في الريف.
واحدة منهما تحظي بمحبة زائدة أكثر من الثانية، مما يولد مشاعر الكراهية من الثانية تجاه أختها العليلة، وتشعر (سهير) دوما أن أهل القرية لايحبونها، وذلك عكس أختها.
وكم انسحب الشباب من حياة (سهير) بسبب سلوكها، وحاولوا التقرب من أختها (نادية)، وسرعان مانري الفارق بن الأختين المتصارعتين، والفيلم مصاغ في إطار غامض لايكشف عن أسراره إلا يتقتير شديد.
راقية إبراهيم.. (كدت أهدم بيتي)
يعتبر فيلم (كدت أهدم بيتي) إخراج أحمد كامل مرسي الذي يميل الي تقديم المشكلات الاجتماعية التقليدية، الفيلم الأخير في حياة راقية إبراهيم، وفيه تكررت صورة الزوجة المثالية.
بدت (راقية إبرهيم) كأنها تؤدي الدور الواحد المتكرر في الكثير من أفلامها كما أشرنا، وهى أدوار تتناسب مع فترة الاستقرار الاجتماعي التي سادت مصر في الأبعينيات، وأوائل الخمسينيات.
وفي فيلم (كدت أهدم بيتي) تلعب (راقية إبراهيم) دور الزوجة العاشقة الوفية التي تتعرض حياتها الزوجية الناجحة للانكسار، إلا أنها بحكم حنكتها تستطيع أن تتجاوز المحنة، وأن تعبر بأسرتها من فوق الشوك.
بين نارين و(ملاك الرحمة)
قدمت (راقية إبراهيم) أدوار شبيه من قبل فيلم (كدت أهدم بيتي)، في أفلام أخرى هى (بين نارين) إخراج عبد لفتاح حسن 1945، (ملاك الرحمة) إخراج محمد كريم 1946، (الحب لايموت) إخراج محمد كريم 1948 .
ففي فيلم (بين نارين) مثلا نعرف من العناوين أن (راقية إبراهيم) هى التي تغني في أفلامها وليس بصوت مطربة أخري، وفي الحفل تغني (أمينة) تحية لصدبقة صديقتها، وتلتقي بالطبيب (حلمي) العائد من أوروبا، الذي يكتشف أنها لاتشرب الخمر، وأنها فتاة محافظة، ولأنه مثلها فإنه يطلبها للزواج.
هذا الاقتران الذي يأتي ضد رغبة أمه التي كانت تتمناه زوجا لابنة خالته، وبالتالي فإن الأم تدبر للزوجين خطة لإفشال الزواج وتثير شكوكه في بنوة ابنه.
وبعد الطلاق تصبح (أمينة) مطربة مشهورة، وتسعي حماتها السابقة لانتزاع ابنها منها، وتزويجه من إبنة خالته اللعوب، لكن الأمور تتكشف، ويعود الوئام والحب بين الزوجين.
وفي (كدت أهدم بيتي) نجد نفس الثنائي حيث الزوج والزوجة يعيشان في سعادة غامرة إلى أن يعثر الزوج علي مجموعة من الرسائل العاطفية تؤكد أن ابنه ليس من صلبه.
فيقوم بتطليق امرأته بعد أن أكلته الوساوس، وبعد الطلاق تبلغه صديقة الأسرة أن الرسائل تخصها هى، فيعود الزوج نادما إلى طليقته.
أما في فيلم (ملاك الرحمة) فإن الزوجة تعرف سر أمها التي وقعت في الخطيئة، وتقابل أخاها الخارج من السجن الباحث عن مبلغ من المال.
ويموت الأخ أثناء مقابلته لشقيقته للحصول على المال، فيتصور الزوج أن زوجته الوفية هي امرأة خائنة، فيطلقها الي ان تكشف أمها الحقيقة، وتعود المرأة الي زوجها، ونفس الأحداث مع تغييرات بسيطة نراها في فيلم (الحب لايموت).
راقية إبراهيم.. وأشرار زمان
كما أشرنا فإننا أمام ممثلة لاتعرف الإغراء أو التنازلات، تنتمي إلى الطبقات العالية، والأشرار في أفلام (راقية إبراهيم) خاصة، أو في أفلام زمان عامة، ليسوا أصحاب جرائم كبري يعاقب عليها القانون، بل أصحاب مصالح بسيطة، تدفعهم هذه المصالح لارتكاب سلوكيات خاطئة.
فمثلا نجد أن بعض الأمهات في بعض الأفلام يريدن للأبناء زوجة أفضل وأنسب، فيرتكبن أخطاء يمكن أن تهدم بيت الأبن، وهكذا!
راقية إبراهيم و(إسرائيل)
أعترف أنني قبل الكتابة هنا عن (راقية إبراهيم) أنني كنت قد أتخذت موقفا معاديا من مواقفها التي كان البعض يروجها، وأنها عملت بالأمم المتحدة.
وأنها كانت تشارك في حملات ضد وطنها مصر التي هاجرت منه عندما استشعرت أنه لم يكن لها مكان فيه بعد الحرب العربية الإسرائيلية! وإنها وإنها..
وفي الحقيقة فأنا لم أعثر على وثائق تؤكد ما تردد حولها من اتهامات، ولم تسافر إلى إسرائيل، ومن أجل الكتابة هنا شاهدت كل أفلامها على اليوتيوب، وأعدت اكتشافها بالنسبة لي كممثلة كان لها دور اجتماعي.
هذه الممثلة تزوجت من مهندس صوت مسلم، واختفت تماما عن الأنظار لدرجة أننا لم نعرف تاريخ رحيلها إلا بعد سنوات، وبدت المفاهيم كأنها تحاول أن تفرض نفسها.
ويطرح السؤال هل كان يجب علي رجال ثورة يوليو طرد اليهود من مصر؟.. هؤلاء اليهود الذين اتجهوا في الغالب إلى أوروبا والولايات المتحدة وليس إلى إسرائيل؟!!