بقلم: بهاء الدين يوسف
بينما كان الوسط الفني والثقافي المصري يغرق في حزنه على واحد من أكثر الفنانين المصريين اشتباكا مع الواقع الاجتماعي في مصر خلال العقود الخمسة الماضية، كان الجدال مشتعلا بين نقابة المهن التمثيلية والكثير من الـ (باباراتزي) المحسوبين على مهنة الصحافة.
حول عزاء الفنان الراحل ومناشدة أشباه الصحفيين عدم الحضور للعزاء أو تصوير الفنانين الذين يذهبون لتأدية الواجب.
صحافة الجنازات أو (باباراتزي) المناسبات الحزينة كما يمكن أن نطلق عليها انتشرت في مصر في السنوات الأخيرة بالتزامن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي سمحت لكل من هب ودب أن يعرف نفسه على أنه صحفي في غيبة تامة من النقابة المسؤولة الوحيدة عن الصحفيين الحقيقيين وأجهزة الدولة المختلفة.
تلك التي تحاسب أي صحفي على كلمة يكتبها ولا ترضيهم بينما يتجاوزون عن الكوارث الأخلاقية التي يرتكبها أدعياء الصحافة من (الباباراتزي) وغيرهم لمجرد أنها لا تمس السلطة ولا تهدد الجالسين على مقاعدهم الوثيرة.
بداية لابد من الاعتراف بأن التنصل الكامل من مشكلة صحافة الجنازات وإلصاقها بالكامل بمواقع التواصل الاجتماعي هو نوع من الهروب من المسؤولية.
إذ أن التاريخ القريب يقول أن ظاهرة تغطية الجنازات و (اصطياد) أي عبارات أو مواقف تصدر من الفنانين والمشاهير المشاركين في تلك المناسبات بدأتها صحيفة خاصة تصنف ضمن الصحافة الصفراء، تملك موقعا هو الأكثر قراءة وشعبية بحسب ما يروجون له.
اصطياد الأخبار الخاصة
ومن هناك جاء الأمر على هوى الكثير من الشباب العاطل المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الذي وجد في الصحافة الصفراء واصطياد الأخبار الخاصة وسيلة للشهرة وكسب الكثير من الأموال.
ثم تطور الأمر لاحقا ليتفنن هؤلاء في اختلاق الشائعات إذا لم يجدوا أخبارا تصلح لركوب التريند وتحقق لهم المكاسب التي اعتادوا عليها.
صحيح أن ظاهرة الـ (باباراتزي) لم تكن وليدة المجتمع المصري، وأنها ظهرت بالأساس في أمريكا ومنها انتقلت إلى أغلب الدول الغربية، قبل أن نستوردها في مصر ضمن (حزمة الشين) التي استوردناها في أعقاب سياسة الانفتاح التي بدأ تطبيقها في منتصف سبعينات القرن الماضي.
وكان أساسها هو استيراد كل السلع والقيم السلبية الأمريكية دون تفكير، ولعل أول مظاهر صحافة (دس الأنف في الحياة الخاصة للمشاهير وما لا يفيد الجمهور) كانت حملة تصوير الرئيس السادات وهو بملابسه الداخلية في منزله.
مع التسليم بأن تلك الصور التي نشرت في صحيفة (أخبار اليوم) وبيعت للعديد من الصحف حول العالم، التقطت بموافقة السادات نفسه كما روى لي صاحبها المصور الفنان (فاروق ابراهيم) في لقاء جرى معه قبل ما يزيد عن 30 عاما.
إلا أن النتيجة واحدة وهى تعويد الجمهور على مبدأ أنه لا احترام ولا حصانة للحياة الخاصة، وهو مبدأ كان جديدا على مجتمعنا ومستهجنا فيه من الجانب الأخلاقي.
مواجهة أزمة الـ (باباراتزي)
المؤكد أن كل اقتحام للحياة الخاصة من جانب الـ (بابا راتزي) هو تصرف غير مقبول مهما كانت المبررات التي تساق لتجميل هذا الفعل المشين من عينة حق الجمهور في أن يعرف، أو أن الفنانين يحصلون على مبالغ ضخمة وشهرة واسعة وعليهم دفع الضريبة في المقابل وهى انتهاك حرمة حيواتهم الخاصة.
لكن مثل هذه الانتهاكات تزداد قبحا حين تصل إلى انتهاك حرمة الجنازات وعدم احترام أحزان أهل المتوفي بحثا عن تصريح جرئ من فنان أو خلاف عفوي بين فنانتين.
وذلك لنشره على موع التواصل وقبلها بعض المواقع الصفراء مع عناوين ساخنة تكون في أغلب الأوقات بعيدة تماما عن مضمون الفيديو او الصورة أو حقيقة الموقف كله.
طبعا أضم صوتي لكل من ينادي بضرورة مواجهة أزمة الـ (باباراتزي) ومنع استفحالها ليس فقط بسبب تأثيرها السلبي على الصورة الذهنية للصحفي التي تحولت من صورة العظماء (هيكل) والأخوين (علي ومصطفى أمين).
وغيرهم المئات من أصحاب القلم المحترمين الذين يستطيعون التأثير على أصحاب القرار في الدولة، لتصبح حاليا صورة الشاب (الصايع) الذي يجري خلف هذا الممثلة أو تلك الأمثلة في جنازة ليحصل منه على تصريح عن مشاعره حيال فقد والده أو والدته.
إذا كنا جادين في المواجهة فعلينا أولا مواجهة المواقع التي تتفنن في نشر التفاهات والشائعات وهواة صيد (مخلفات) الفنانين بحثا عن انتشار مزيف لأن هذه المواقع كانت وستظل هي الطريق المؤدي إلى التصرفات الأكثر بشاعة أخلاقية.
مثل انتهاك حرمة الموت واقتحام سرادقات العزاء بحثا عن أي شيء تافه يجلب لهذا الموقع أو ذاك المزيد من القراء الباحثين عن متعة الإشباع من التفاهة.