بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
بكل موضوعية تابعت باهتمام وشغف مسلسل (الحشاشين) لمخرجه المتميز (بيتر ميمي) والمبدع الحقيقي في زمن الورش الكاتب (عبد الرحيم كمال).
وجاء (الحشاشين) مع الحلقة الأولي وجدت عملاً جديراً بالمتابعة، وأعرف مدى صعوبة الأعمال التاريخية، فالأحداث تدور بين أواخر القرن الرابع الهجري إلى القرن السابع الهجري.
وتابعت عمل متقن لمخرج متميز، وكان المزج بن الجرافيك والتصوير الطبيعي دقيقاً وكانت حركة الكاميرا ودلالات الصورة لخدمة الحدث الدرامي، فدائما ما يقدم (حسن الصباح) بخلفية حمراء أو في مستوى عال حين يخطب في أتباعه فكانت الإضاءة لخدمة الدراما والشخوص.
وكذلك الديكور والملابس وأيضاً كانت معارك السلاجقة بالسيوف والرماح وتحريك المجاميع، ثم المبارزه شديدة الدقة في التنفيذ، فقد كنا نفتقد ذلك في أعمال كثيرة.
وكالعادة أدهشتني تعليقات جمهور شبكات التباعد الاجتماعي، وظهرت تعليقات انطباعية للبعض وزاد التلاسن، ومنها (كريم عبد العزيز) الفتى الوسيم حبيب الجمهور كيف يقدم شخصية رجل قاتل ساحر يراه البعض شرير.
وهنا يأتي الرد الموضوعي: لم يعد ياسيدي القتل والظلم والفساد في الدراما للشخوص ذات الوجوه المكفهرة أصحاب الملامح القاسية، كما قدمنا من قبل (كفار قريش) بالحواجب الغليظة والوجوه العابثة والملابس السوداء والحمراء، كملابس دراكولا.
أما المظاليم فهم بالملابس البيضاء والوجوه الحالمة الوديعه التي تبكي وتنتحب عند أي حديث، لقد أدرك العالم والمبدعون أن الشر ليس حكراً على أصحاب الوجوه العابثة، والمكفهرة فنجد النجم (جاري أولد مان) من أعظم من قدم أدوار الشر وهو من قدم دور (تشرشل) في فيلم الساعات المظلمة.
(الحشاشين) عمل درامي رائع
ثم ناقد يُجزم أن (حسن الصباح) لم يقتل ابنه وأوافقه، ولكن يتجاهل أن (الحشاشين) عمل درامي قدمه رجل يعرف جيداً وأعرف انه لايقدم التاريخ وإذا أردت أن تعرف التاريخ فعليك بكتب التاريخ لمتخصصين.
وللعلم معظم ما قيل في كثير من الكتب عن (حسن الصباح) إنما هو منحول من كثرة الرواة والكتاب ولا يقين حقيقي عن رجل عاشت أتباعه من بعده لمدة ثلاثمائة عام فقد مات سنة 518 هجرية.
الدراما يضيف إليها الكاتب، فنجد (ريدلي سكوت) المخرج الكبير حين قدم فيلم (نابليون) لم يقدم تاريخ نابليون ومعاركه، إنما أخذ ما يناسبه من أحداث في حياة (نابليون).
وكذلك فعل ميل جيبسون في فيلم (قلب شجاع)، فقدم (وليم والآس) في دراما، ولم يقدم الحرب بين محاربي اسكوتلندا مع الجيش الملكي البريطاني في القصة الحقيقية للباحثين عن تاريخ تلك الحقبة.
ثم أيضاً استنكر البعض أن لا يجوز والأفضل أن يكون مسلسل (الحشاشين) باللغه العربية الفصحى، وهى وجهة نظر تحترم، لكن أيضا للموضوعية يدرك المؤلف والمخرج أن العمل سيعرض للعالم بترجمة بكل اللغات.
ويعرف الجميع وأنا معهم أن اللغة العامية المصرية يعرفها ويدركها العالم العربي منذ بدايات السينما المصرية، وبوضوح أكثر الشباب ياسادة: معظمهم خريج مدارس تهتم باللغات الغربيه!، ثم جمهور الأقاليم والقرى والصعيد هل يبحث عن الفصحى دعونا نلامس الواقع.
استمتعت بعمل فني متكامل
لقد استمتعت بعمل فني رائع متكامل المفردات الفنية، أكد نجومية وقدرات (كريم عبد العزيز) في (الحشاشين)، فقد كان كعازف يسير مع نوت اللحن الدرامي صعوداً وهبوطاً دون أي نشاز، واستخدم أدواته واأمها عيونه بكل مهنية واتقان.
أما الزوجة (دنيا زاد) والتي قدمتها الرائعة (ميرنا نورالدين) بمهنية وتقمص واع لمكنون الشخصية ومشاعرها كأم وزوجة، دون أي مبالغات في المكياج أو التمثيل أراها قد سجلت اسمها بين النجوم الحقيقيين.
كذلك (أحمد عيد) في دور (زيد بن سيحون )، والناضج (فتحي عبد الوهاب) في دور(نظام الملك( الذكي المستنير و(عمر الخيام) الذس جسده (نيقولا معوض) الذي يفسر معنى العقل والخيال والوهم ويجيب عن سؤال نظام الملك، مين فينا على حق يا عمر؟
وكانت الإجابه بوعى (عمر الخيام): أنا عبد لخوفي، وأنت (نظام الملك) عبد السلطة وحسن الصباح عبد لنفسه، إنها عبقرية الكتابه الذكية الواعية.
ويتحدث (عمر الخيام) إلى (صفوان البلان) قائلاً: عدو عاقل خير من صديق جاهل والرائع (نضال الشافعي) الذي لعب دور الشيخ (أبو حامد الغزالي)، واستخدام نبرات صوته المتغيرة والدالة علي عمق وعيه.
والذي استخدمه المؤلف ليقدم لنا الصواب والصحيح، ويكون رمانة الميزان بين (عمر الخيام) الباحث والشاعر والفيلسوف وبين رجل الحمام البلان صفوان (محمد يوسف) من العوام الراضي المستكين كمعظم العوام الباحثين فقط عن البقاء ليأكل من شغله في الحمام.
عبقرية كتابة (عبد الرحيم كمال)
من نجوم هذا العمل (الحشاسين) الضخم والمشرف للإنتاج المصري (سامي الشيخ/ برزك أميد) ودوره المحوري في العمل، وهنا عبقرية الكتابة، فبعد أن فقد (حسن الصباح) رفيقي المشوار (زيد بن سيحون) وقتله هو و(نظام الملك) وقتل نجله وزوجته.
وفسرذلك بآية قرأنيه (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم)، وهنا استغلال لشمولية كتاب الله، لم يبقى لحسن الصباح غير (برزك أميد) العارف بتفاصيل (قلعة الموت)، وأسرار حسن الصباح، وقتله لكل أصحابه.
ثم أصبح غير قادر على قتل (برزك أميد) الذي تحول إلى وحش من صناعة (حسن الصباح)، وتكونت لديه أطماع، ولما لا وبدأ التلميذ يتفوق على أستاذه ومعلمه وهى طبيعة بشريه تأتي من معاشرة الذئاب.
فيأتي لحسن ويخبره بنفس أسلوبه أن ابنه طار إلى السماء وانتظر الرد بالنفي ليهدم أكاذيب الساحر الكبير، وظهرت أللآعيب الشياطين الخبيثة، فلم يعترض (حسن الصباح)، وفقد سيطرته ولزم مخدعه وأصبح المفتاح في يد برزك متحكمآً، وهنا تظهر قيمة ان تتعامل الذئاب مع الضباع والعوام.
لقد أكد لنا الكاتب البارع في (الحشاشين)، أن (حسن الصباح) بكل قدراته الخبيثه ومعظمها منحولة لم يستطيع أن سيطر إلا علي العوام والشباب الحالم بجنة لم يحقق أي من ملامحها في الواقع، فقد وعدهم أن المفتاح معه.
وظهر عجزه فلم يستطيع أن يسيطر لا علي الشاعر الفيلسوف ولا على (نظام الدولة)، الذكي الواعي الذي يتحكم ويدير دولة السلاجقة مع مالك شاه)، نحن أمام كاتب يقف في مصاف كبار الكتّاب ويعرف ماذا يقدم.
وهنا لدي سؤال إذا كنا نستطيع تقديم أعمالاً بتلك الضخامة والإبداع الفني مثل (الحشاشين)، ولدينا عظماء في كل مناحي الإنتاج، لماذا لا نقدم أعمالاً تزيد من الوعي والمعارف لدى الشباب فلدينا في التاريخ المصري القديم الكثير، وكذلك التاريخ الإسلامي مليء بالعظماء وأصحاب القيم المضافة.
ثم أيضاً التاريخ الحديث لدينا قامات تستحق وتكون مثالاً يحتذى به.. شكراً لكل من شارك في هذا العمل المشرف مصر تنطلق وتستحق.