بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
كنا كل ما نفوت على عنبر الناس تجري علي (حلمي شرشر)، وتشده، ويعملوله شاي علي (التوتو)، وعلى فكرة هما سموه (التوتو) ليه؟، لأنه كان ممنوع.
فلما كان يحصل تفتيش للعنابر..المعتقلين يجروا و يقولوا (تاوي.. تاوي)، يعني خبوا الوابور الصفيح اللي بنطبخ عليه وبنعمل عليه الشاي.
كان عبارة عن علبه صفيح وقماش بنعمله شرايط و جاز وغطا نقفله بيه، الصين بعد كده خدت الفكرة و نفذتها بشكل متطور، و عملت نفس التوتو اللي الناس سموه (الوابور الصين)، عملت منه ملايبن وكسبوا ملايين الملايين.
(حلمي شرش) قاللي أنه بيكتب شعر وعايز يسمعهولي، سمعني (حلمي شرشر) شعره، عباره عن سجع غير موزون، وبه قوافي غير محبوكه.
شجعته علي الاستمرار، قابلنا أحد المكفراتيه ليسأله: هو حضرتك شيوعي؟، أجبته أنا بالنفي.. إخوان مسلمين؟، لأ، أمال هايبقي إيه يعني مكفراتي، مفيش له دقن!
قلت له: ها يبقي مصري يا حاج.. قابلنا شخص آخر ليسأله: هو انت جاي هنا على أساس انك اتكلمت عن الحكومة، اتكلمت عليها ازاي؟
قال (حلمي شرشر) بضعف: أنا والله ما قلت حاجه عن الحكومة، قلت لـ (حلمي شرشر): ما تزعلشي يا حلمي..الناس مستغربة.. إن واحد مؤدب زيك ييجي هنا، لأن شكلك مسالم جدا، وأنا حاسس انك فرحان بيهم جدا، بعد عيد الميلاد!
وهما كمان فرحانين بيك جدا.. شربنا في الليله دي ييجي 100 شاي على (التواتو) من المعتقلين اللي صمموا يستضيفونا.. روحنا نبص علي العنبر، لقينا (أبو حصيرة) الفلسطيني ومعاه (عصفور) الفلسطيني برضه.
فارشين له المرتبة بدل البرش.. وحطوا له قفص قدام نمرته..وعلي القفص بطاطس و طماطم و توتو وبصل ورز وسكينه و معلقة و أطباق، وحاجات كتيره جدا.
سألني (حلمي شرشر) عن لزمة القفص؟، قلتله: زي ما انت شايف كده.. من فوق تحط كل حاجتك اللي هاتستعملها، ومن جوه تخزن فيه اللي انت عايزه.
سألني (حلمي شرشر) والحاجات دي الخاصه بالأكل أجيبها مني؟، قلتله: الفلوس اللي معاك دي هاتروح تسلمها الإداره.. هايحطوها لك في الأمانات.. كل أسبوع بيفوت عليك مندوب من نفس العنبر اللي انت فيه يسألك عن اللي انت عايزه.
سكر وحلاوة طحينية
بتعطيله ورقه بكل حاجه انت عايزها.. سكر.. حلاوه طحينيه.. زيت.. سجاير.. أي حاجة.. بعدها بيروح مندوب من العنبر يستلم كل اللي العنبر طلبه و يوزعه عليهم، وبيتخصم تمن اللي اشتريته من الكانتين من فلوسك اللي عندهم.
إللي بيقوموا بكل حاجه هنا.. كلهم معتقلين زيك زيهم.. سألني: وهاشوف أهلي ازاي؟، قلتله: شوف يا (حلمي شرشر).. هما لحد دلوقتي ما يعرفوش انت فين.. من خلال بطاقتك هاخد العنوانو اكتبلهم علي مكانك.
وابعتلهم الجواب عن طريق حد جاي يزور معتقل.. نهرب الجواب معاه.. يحط عليه ورقة بوسته.. ويبعته لأهلك.. أو نسيب لهم رقم تليفونك لو قدروا يتصلوا ويبلغوهم عن مكانك.
و قد كان، إلي أن فاجأني (حلمي شرشر) أن العنوان الذي كتبته علي ظرف الخطاب الذي كان مكتوبا في البطاقه.. قد تغير لأنهم انتقلوا إلي شقة أوسع.. تصلح لإقامة خطيبته معه و مع أمه بعد الزواج.. لأنه وحيد أمه.. ووالده متوفي.
أبلغته أن وزارة الداخليه بعد فترة.. ستبلغ أهلك بمكانك.. حتي يحضروا لك ملابس داخلية وخلافه.. علي أن يستخرجوا موافقة بالزيارة.
سألني عن شكل الزيارة.. قلت له: زيارة خاصة تستمر حوالي ساعه.. تجلس فيها مع 4 من الأسرة.. وهذه الزيارة شهرية.. و4 زيارات سلكيه تتكلم فيها مع الزائر من خلال حائط من الأسلاك.
يعني زياره لاسلكية لمده معينه أيضا في حراسة بعض رجال الأمن.. حتي لا يهرب لك أحدا من الزوار أي شئ.
سألني (حلمي شرشر) عن الأكل، فقلت له: الأكل هنا ثابت ما تقلقش.. الصبح بيروح مندوب العنبر يجيب جردل فول بسوسه وعيش لكل واحد 3 أرغفة.. بتشيل السوس من الفول و تسخنه.. و تاكل رغيف.. و تعين الرغيفين اللي فاضلين للغدا والعشا. طيب والغدا إيه؟.. مندوب كل عنبر يا (حلمي شرشر) بيروح يجيب (الخبيزة) في وعاء كبير جدا.. ووعاء تاني فيه رز.. وكمية لحمه كاوتش بعدد الموجودين.
والعشا: عندك صفيحة عسل أسود مركز.. وصفيحة جبنه مش.. جايين من سجن مزرعة طرة.. تاخد منهم اللي انت عايزه، المعتقلين هنا يقولوا لو سيبت طبق الفول هنا.. تلقاه هناك.
السوس بياخده ويمشي
بسأل (حلمي شرش) وأرد عليه: ليقولوا السوس بياخده ويمشي.. لم يضحك (حلمي شرشر) على النكتة لأنه قد كان وصل لمرحله كبيره من الإرهاق.. وإيده اليمين وجعته من كتر السلام.
أخدته العنبر.. نام على المرتبه القش.. وقبل ما راسه توصل للمخده القش.. كان نايم يشخر.. غطيته.. و دخلت صومعتي اللي عملتها أوضه ليا.. في نهاية العنبر من خلال البطاطين.
وقعدت ساكت فترة.. بعدين حطيت دماغي بين رجليا وانفجرت في البكاء!
وأيوه(نباطشى) اليوم
أنا يا حبيبتى هاكنس
وانضف ليكى قلب العنبر شميت شياطك..
لما لىّ شطبتى فصنعت من دمى عشانك عنبر
الله يا عنبر دمى..
قوم اسقيها خليها تصبح أحلى أحلى صبيه لو فيه تتار
فى مخلتك خبيها واللا أقلك..
فيه مكان فى عنيّه
يا صبر.. يا صبار..
جناينك ناشفه والنهر فاضي
مفيش فى قلبه قوارب عطشان يا حلوة..
نفسى أرشف رشفه إن شا الله حتى لاجل حبك أحارب
الزنزانات.. مليانه هيصه وزحمة..
وانتى الوحيده اللى غناهم ليكى الفول فى قلب الحلة
أصبح لحمه ساعة ما جيبتى للغلابه غداي..
يا (نشاط معادى) ألف لون خبينى
من كل واحد راح يبلغ عنى بالعدس والخبيزة..
قوم حنيني إوعى تسيب الليل يقرب منى
(إخوان، يهود و شيوعى )..
واقف بينهم ماسك كتاب الحب وبيقرالِك أيوه بعيد
مع إنى خارج منهم أنا زيهم..
باسأل على أحوالك
يا مجمعانا فى ألف عنبر قُومى سيبى الولد..
يرجع ويدخل بيته
أنا كنت باحلم بيكى ساعة نومى والحلم بعد ما قمت..
كنت نسيته
الفرد.. جنب الفرد..
سجدة طويله نزلت دموعى يا غاليه جوه
قياسك إيه اللى داس بالجزمه ع الخيالة..
إيه اللى خلى الفقر يهزم ناسك
يا معلمانى الصبر..
مش هاتعلم يخرب بيوت الصبر
يلعن خَاشُه الشخص لو صابر..
بيبقى مِبَلِم فارش على أرض الحراير خيشُة
يا أرض قومى..
إولدى كام عيّل يشيلوكى فى قلب الليالى العتمة
فيه ناس على الصدر اللى فار بتريّل..
وناس عشانك فوق طريقك يُتما
أيوه هانضف فيكى حتة بحتة..
وارسم عنيكى شطوط لمركب فضة
مين اللى قال هانسى..
نسيتك إمتى ؟ وأنا كل يوم..
من نظرتك باتوضى
أيوه (نباطشى) عشان تكونى معايا جوه العنابر..
نمشى فوق ليالينا إخوان ما زالوا بيخنقوا فى الآية
وشيوعى باصص بالتكبر لينا..
مستنظرك يا حبيبتى بره الأوضة
لابس عشانك توب بلون حواريكى..
مين اللى قال على لون عنابرك سودة
دا كفايه نور مسحور فى نن عنيكى..
هاكنس عشانك كل حته فى أرضك واداريكى
من كل الليالى الغامقة..
أحمى بكلمة صدق دايما عرضك..
واشرب فى ضلك من دموعى الحادقة
أيوه (نباطشى) عشان أشوفك دايما صاحية
بتسقى يمامي من حواديتك..
ديك الفرج صحانى قبل ما يِدَّن
علشان أنضف قبل ما اخرج بيتك.
وللحديث بقية..