(راقية إبراهيم).. صاحبة الجمال الارستقراطي التى وقع عليها ظلم بعد قيام دولة إسرائيل (1/2)
* كانت كلا من (جريتا جاربو)، و(راقية إبراهيم)، متقاربتين في الجمال الغامض، والعمر، والسن، والمصير.
* لو أن ممثلتنا المصرية (راقية إبراهيم) أُتيح لها العمل في (هوليوود) لحققت أكثر ماحققته (جاريتا جاربو).
* ظهرت (راقية إبراهيم) للمرة الأولي في السينما، عام 1937، في ثلاثة أفلام هى: (ليلي بنت الصحراء)، و(الحل الأخير)، و(سلامة في خير)
* بدت (راقية إبراهيم) مناسبة للغاية مع دور البنت الأرستقراطية العصرية التي تتناول الآيس كريم في محل (جروبي)
بقلم الباحث والناقد السينمائي: محمود قاسم
عندما تذكر (راقية إبراهيم) نقول على الفور نعم كان لدينا في السينما المصرية قامات نسائية في قامة (جريتا جاربو) من أصحاب الجمال الغامض، الممزوج بقوة الشخصية، والجاذبية الخاصة.
فضلا عن الموهبة، والأدوار المميزة، والحياة الغامضة الأقرب إلى السرية، بالإضافة إلى القدرة على الاختيار، سواء في العمل، أو في الاعتزال، والابتعاد تماما عن الأضواء.
ومجموعة كبيرة من الحكايات والشائعات عما صارت إليه، وعدم العثور على صورة واحدة لها خارج كادرات الأفلام عقب الاعتزال والسفر.
هكذا كانتا كل من (جريتا جاربو)، و(راقية إبراهيم)، وقد ظلتا متقاربتين في العمر والسن والمصير.
وبالنسبة لـ (راقية إبراهيم) فإن تاريخ رحيلها ظل مجهولا، والتاريخ الذي لدينا غير مؤكد!، أسوة بالكثير من اليهود ذوي التاريخ الغامض في السينما المصرية، ومنهم (شالوم، وتوجو مزراحي).
ولو أن ممثلتنا المصرية (راقية إبراهيم) أُتيح لها العمل في (هوليوود) لحققت المكانة نفسها، وربما أكثر ماحققته (جاربو) الجميلة الغامضة.
راقية إبراهيم تعرضت الظلم
بالنظر الي تقاسيم الوجه لكل من النجمتين، فإن المرء سيلاحظ أن هناك سحرا أقوي تأثيرا لـ (راقية إبراهيم) التي ظلمت بعد إعلان قيام دولة إسرائيل، وسنوضح ذلك في الحلقة القادمة!
فقد ظهرت هناك نعرات التفرقة بين الناس حسب عقائدهم، فاسم (راقية إبراهيم) الحقيقي هو (راشيل إبراهام ليفي) ولدت عام 1919 في المنصورة بلد الجميلات.
وتعلمت (راقية إبراهيم) في المدارس الفرنسية، فكست جمالها بتعليم راق وثقافة، ثم التحقت بكلية الآداب، وبدت عليها الموهبة في سن صغيرة، فكانت رئيس الإنشاد في المدرسة الابتدائية.
وكانت تتمني أن تصبح مطربة، ولعلنا نذكر صوتها الرخيم في نطق الكلمات والجمل في الأفلام، وأيضا أغنياتها في الأفلام لاسيما أمام محمد عبد الوهاب في (رصاصة في القلب).
راقية إبراهيم وجريتا جاربو
قبل أن نتحدث عن جميلتنا (راقية إبراهيم)، فلا بد من عقد مقارنة أخري بين النجمتين (راقية إبراهيم)، و(جريتا جاربو)، فقد لعب الزمن في فترة قصيرة في إظهار حد الجمال الفائق لكل منهما.
فالممثلة السويدية التي سافرت إلي هوليوود بدت أكثر جمالا مع الزمن، ولاشك أن (راقية إبراهيم) في أفلامها التالية كانت أكثر جمالا بشكل ملحوظ، مما كانت عليه في افلامها الأولي.
(راقية إبراهيم) و(سلامة في خير)
ظهرت (راقية إبراهيم) للمرة الأولي في السينما، عام 1937، في ثلاثة أفلام هى: (ليلي بنت الصحراء) لمكتشفتها بهيجة حافظ، و(الحل الأخير) إخراج عبد الفتاح حسن، و(سلامة في خير) لنيازي مصطفي.
وفي الفيلم الأخير كانت هى الفتاة الأجنبية التي تبهر بجمالها الضيف الأجنبي، لكن هذا الجمال الفائق لم يشد انتبهه، ووقع في حب السكرتيرة البسيطة الأكثر أريحية.
في هذا الفيلم التقت (راقية إبراهيم) بمهندس الصوت (مصطفي والي) وتزوجت منه دون ضجة تذكر، وليست لدينا معلومات عن حياتهما الزوجية، ولا متي انفصلا!.
لكنها في فيلم (سلامة في خير) يتصدر اسمها الممثلات النساء، وهى هنا إبنة أسرة ميسورة اجتماعيا يدفعها أبوها للتقرب من الأمير.
وأول ظهور لها حين تسأل موظف الاستقبال عن شخص يسأل عنها من الأسكندرية، لاتشد الانتباه كثيرا، لكن يبدو قوامها الرشيق وهى ترتدي الدانتيلا السوداء.
وقد جسدت (راقية إبراهيم) في الفيلم دور (جيهان) ابنة (رستم باشا) السفير ورجل الدولة، التى تقيم معه في الفندق الضخم الذي نزل به الأمير (قندهار) وحاشيته.
وتبدو فتاة مهتمة بجمالها وتطلب الكوافير، وتضع المكياج الراقي بدون أي تكليف، وترتدي ماكان يقال عنه في تلك الآونة (شابونيز) وهى ملابس تكشف كتفيها.
وندرك منذ اللحظة الأولي أنها لاتضع حمالة صدر، ورغم كل ذلك فان أمير (قندهار) الحقيقي يدعو وصيفتها (نادية هانم) التي قابلها في الطريق الصحراوي إلى الحفل الذي أقامه.
مما يضايق (جيهان) وتسعي لحضور الحفل عن طريق الوصيفة، وليست هناك مفاضلة بين الممثلة التي جسدت دور (ناهد هانم/ روحية خالد) وبين (راقية إبراهيم!).
لكن لاشك أن الأخيرة قد فازت بالنجومية فيما بعد، وتوارت (روحية خالد) بشكل ملحوظ.
وبالنظر إلي (راقية إبراهيم) في هذا الفيلم فقد كانت في الثامنة عشر من عمرها، ولكنها تبدو مليئة بالأنوثة رغم أنها كشفت عن موهبة تمثيلية متواضعة.
وهى تتلقي القرط الذهبي كهدية أرسلت إلى وصيفتها، وتحاول التقرب والتملق من الأمير وهى تشكره، وتردد بشكل مصطنع: (ياطول عذابي من بعد فراقك، شوف السعادة لما تهل بافرح ازاي).
وعلى كل فإن (راقية إبراهيم) لم تختبر جيدا هنا الا من خلال أناقتها وحرصها علي تبديل الملابس الكثيرة أكثر من مرة، وعلى كل فان السينما منحتها أدوارا تتناسب مع مستوي جمالها.
الاعتماد على الجمال والشياكة تكرر بعد ذلك في كافة أدوارها عدا دور الفلاحة (زينب) في الفيلم الذي يحمل الاسم نفسه.
عريس من استنبول
وقد بدا الجمال والشياكة والأرستقراطية واضحين في فيلم (عريس من استنبول)، وهو من أوائل الأدوار الكوميدية ليوسف وهبي في فيلم قام بإخرجه، وشارك في كتابته عن المسرحية الفرنسية (زواج فيجارو).
و(راقية إبراهيم) هنا إبنة أسرة تركية ثرية يعيش بعض افرادها في مصر، والآخرون في تركيا، وقد جاء من استنبول ابن خالها (محسن) كي يتزوج من (سميرة أرطرغرل).
وهو الشاب العابث الذي لايرغب في أن يقيده الزواج، لكنه مضطر الي ذلك بناء علي الحاح وتهديد من جده!
تبدو (سميرة) هنا فتاة بالغة الجمال، تعيش كأي فتاة عصرية، وترغب أيضا أن تكون حرة لاتتزوج ولاتعلم أن الشاب الذي جاء لخطبتها قد تنكر في زي سائقه!
وجعل السائق يتصرف علي أنه السيد، وكانت (سميرة) قد تخفت في شخصية الخادمة، أي أنه قد حدث تبادل ألادوار، وكانت هناك فرصة للسيد أن يحب فتاة من طبقته.
وبالتحديد ابنة عمته، وصارت الفرصة أمام السائق أن يقع في غرام الخادمة، وهذا النوع من الحكايات المضحكة لايؤمن بالمرة بالفوارق الاجتماعية.
وقد كانت هناك فرصة أن تؤدي (راقية إبراهيم) دور الفتاة العصرية التي يتم تحولها عن طريق الحب، تهتم الكاميرا بتصوير وجهها، والتركيز على أناقتها، حتي وإن تلفعت برداء الخادمات!
وهنا ندرك مدي السخرية من الجميع، ونري كيف يتصرف أبناء الطبقات المتباعدة عند الوقوع في الحب بما يؤكد أن الإنسان هو الإنسان.
(راقية إبراهيم).. بنت ذوات
في عام 1942عاد الثنائي نفسه (يوسف وهبي، وراقية إبراهيم) للعمل معا من جديد، وسيتكرر اللقاء أكثر من مرة فيما بعد.
وهذه المرة في فيلم (بنت ذوات)، وهو فيلم عن صراع الطبقات، وأن الفقراء سيظلون يحملون هذه التسمية حتى وان صار (إبراهيم) من الأثرياء، بعد أن قام الباشا بتربيته هو واخته.
وصار مهندسا كبيرا، وأحب إبنة الباشا التي ظلت تعامله على أنه ابن الخولي، حتي بعد انحدار الحال بالأب الباشا.
وبعد الزواج يشعر (إبراهيم) أن امرأته تعامله بما لا يليق بثروته، بل بأصله الذي جاء منه، لكن مع الوقت يتعرض (إبراهيم) لمحنة اقتصادية عقب أن يندلع الحريق في مصنعه.
وهنا يكتشف أن زوجته باعت حليها من أجله، في الوقت الذي خصص مبلغا كبيرا من أجل أن يضمن لها حياتها في حالة الانفصال.
وفي هذا الفيلم نري أن السن يعمل في خدمة صاحبته (راقية إبراهيم)، فهى صاحبة الجمال الهادئ، فكأن الجمال والرومانسية، والثراء ثلاثة أضلاع تكمل مثلث مستقر.
وأن علي المرء أن يختار صاحبة المال والحسب والجمال، في الوقت نفسه فإن أخته التي جسدتها (ليلي فوزي) تثبت أن الجمال يترعرع في كل الطبقات، لكنه في حاجة الي الثروة لاظهاره!.
رصاصة في القلب
في عام 1944 بدت (راقية إبراهيم) في قمة تألقها وهى تقوم بدور (فيفي) أمام (محمد عبد الوهاب) في فيلم (رصاصة في القلب) من إخراج (محمد كريم) الذي أخرج لها أغلب أفلامها التالية.
وقد بدا أن (عبد الوهاب) قد أشع إليها من جاذبيته، ما جعل جمالها كأنثي يتجسد بشكل واضح، وهو الشاب المديون، النزق، الذي يراها للمرة الأولي عند محل جروبي.
وهى تتناول (الجيلاتي) فتأثر قلبه دون أن يعرف أنها خطيبة صديقه، ويحدث أن يتقابلا أكثر من مرة، ويجمعهما دويتو غنائي شهير وهو (حكيم عيون) فتتفجر بالأنوثة، وهى تعبر عن شعورها بوجع الأسنان.
وبدت (راقية إبراهيم) هنا في أحسن حالاتها، وتبدو مليئة بالغنج والدلال، وتتكلم عينيهاها الجميلتان مع شفتيها.
كما أنها كأنثي تبدو في القامة نفسها لحبيبها (محسن) الذي تقع في غرامه بالتدريج، ويكفي أن نقول أنها البطلة الأكثر جاذبية التي وقفت أمام عبد الوهاب.
ومتفوقة على المطربة (رجاء عبده) التي كانت في تلك الفترة في أحسن حالاتها، وتتمتع بخفة ظل، وحيوية عالية.
إلا أن (راقية إبراهيم) تبدو مناسبة للغاية مع دور البنت الأرستقراطية العصرية التي تتناول الآيس كريم في محل (جروبي) كما تبدو بالغة الأناقة مع البساطة، وفي أقل درجات من المكياج.
الأسبوع القادم نستكمل حكاية (راقية إبراهيم)