كتب: أحمد السماحي
الشعور الأول الذي يخرج به مشاهد مسلسل (مليحة) إخراج عمرو عرفه، هو الإحباط الشديد المصحوب بشيئ من الغيط! والكثير من التساؤلات!
الإحباط سببه الشحن المعنوي الذي تم شحننا به قبل عرض المسلسل من قبل (الشركة المحتكرة) للدراما المصرية التى خرج بعض المسئولين فيها على شاشات الفضائيات يتشدقون بعظمة وروعة العمل الجديد (مليحة).
ووعدونا بعمل تدور أحداثه حول فلسطين، والقضية الفلسطينية، قضية الساعة! وصدقنا كلامهم، ونمنا وحلمنا بعمل درامي مصري يقترب من الهم العربي، ويناقش القضية الأولى للعرب، والتى تدعمها مصر قيادة وشعباً.
وتوقعنا بحسن نية عمل درامي على غرار الأعمال العربية الرائعة التى شاهدناها من قبل، وتحدثت عن القضية الفلسطينية، ومحفورة في وجدننا أبرزها (التغريبة الفلسطينية) رائعة المخرج الراحل حاتم علي.
حلم تحول إلى كابوس اسمه (مليحة)
بعد أيام من اللهفة والشوق والانتظار لعرض المسلسل، وياريته ماعرض! حيث استيقظنا على كابوس إسمه (مليحة) فمن غير المعقول أبدا أن يكتب سيناريو يروي أحداثا بالصورة التى هي عليه في المسلسل!
ومن غير المعقول أن تتصرف الشخصيات، وأن تتكلم، وأن تتحرك بالصورة التى هى عليها، ومن المستحيل أن يفكر مخرج يحترم مشواره أن يصنع مسلسلا من مادة كهذه!
وأن يلجأ هذا المخرج إلى نجوم وفنانيين ليمثلوا هذا الكلام السطحي الساذج المستهلك، وأن يقف وراء الكاميرا بكل هدوء ليصور ما شاهدناه! ويقول بعلو صوته: سكوت هنصور!
حدوتة مسلسل (مليحة)
بدأ مسلسل (مليحة) بداية خفيفة لا بأس بها حول الشابة الفلسطينية (مليحة/ سيرين خاص) التي اضطرت لترك بيتها في فلسطين بصحبة عائلتها بعد أن دمر الاحتلال الإسرائيلي منازلهم في (انتفاضة الأقصى) عام 2000.
وعاشوا لسنوات في ليبيا، بينما كانوا يحلمون بالعودة إلى وطنهم، وبعد اندلاع الثورة الليبية في 2011، تضطر العائلة للنزوح مجددا إلى الحدود المصرية الليبية، ومنها إلى مصر في 2012.
لكن أوراقهم الرسمية انتهت مدة صلحيتها، لتبدأ (مليحة) رحلة شاقة للحصول على مستندات بديلة من أجل العودة إلى غزة.
وفي سياق الأحداث تتعرف (مليحة) إلى (أدهم/ دياب) الضابط بحرس الحدود المصرية، والذي يسعى لمساعدتها، والتصدي بالوقت نفسه لبعض العمليات الإرهابية.
وبجانب خط أسرة (مليحة) الفلسطينية، شاهدنا خط درامي آخر هو أسرة الضابط (أدهم)، المكونة من أمه، وأشقائه، وخاله وزوجته وأولاده.
وهذا الخط كان أضعف بكثير جدا من خط الأسرة الفلسطينية، وكان تكرار ممل لمشاهد وحوارات سبق وشهدنا مثلها عشرات المرات في السنوات الأخيرة، في المسلسلات القومية الوطنية.
والحقيقة أن (مليحة) كان أشبه بمسلسل!، فهو عبارة عن (آفان تتر)، و(تتر غنائي)! ليس أكثر من ذلك، فالجانب الدرامي في المسلسل كان ضعيفا أشبه بخيوط العنكبوت، لم يأت بجديد!
كان (مليحة) يحتاج لتعميق الخطوط الدرامية، وتعميق حوار الشخصيات، والبعد عن تيمة الضابط الطيب المحب للخير الذي يخاف على أسرته، وزملائه، ويضحي بنفسه حتى يسعد الجميع!، وتشعر أنه ملاك بجناحين!.
كما غلب على الحوار الذي كتبته المؤلفة الجديدة (رشا عزت الجزار) الركاكة والسطحية والتكرار.
(مليحة) و(الآفان تتر)
الشيئ الجيد في المسلسل كان (الآفان تتر) الذي يسبق عناوين الحلقات، والذي يتضمن حوارا بين جد وحفيده، يقص فيه الأول على مسامع الثاني قصصا من التاريخ الفلسطيني منذ أكثر من 100 عام.
ويُصاحب هذا الحكي العديد من الصور والفيديوهات الوثائقية التي استعرضت الكثير من الأحداث المهمة، وكان هذا (الآفان تتر) يمكن أن يكون أقوى لو تم الاستعانة بصوت أجمل وأعمق من صوت الفنان سامي مغاوري.
أصالة و(أصحاب الأرض)
من الأشياء الجيدة أيضا في مسلسل (مليحة) هو (التتر) الذي قامت بغنائه أصالة، والذي جاء من الفلكلور الفلسطيني، تحت عنوان (أصحاب الأرض) وهو من ألحان حسين نازك، وتوزيع موسيقي أحمد ضياء، والوتريات والأوركسترا فهد.
ويعد التتر مزيج بين الفولكلور الشامي الفلسطيني، والترويدة الفلسطينية، ومن خلاله سعت (أصالة) إلى إحياء التراث الفلسطيني، والتأكيد على تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه، ورفضه أي مخططات عكس ذلك، وأنهم رغم أي ظروف سيبقون أصحاب الارض.
وغنت (أصالة) التتر على طريقة الترويدة الفلسطينية، وهى لغة محلية استخدمت منذ سنوات طويلة لنقل الرسائل إلى المعتقلين دون أن يفهمها الاحتلال.
ومنذ قدمت (أصالة) هذا التتر أصبح حديث وسائل التواصل الإجتماعي، وترجم كلماته كثير من النشطاء، مما أزعج دولة إسرائيل، وبدأت تشن هجوما قاسيا عليه، وحاولت مرارا حذفه من على صفحات التواصل الإجتماعي.
أبطال مسلسل (مليحة)
لم يبذل أبطال (مليحة) أي مجهود، وألقوا على مسامعنا نفس الحوارات التى سمعناها من قبل في مسلسلات وطنية أخرى، وخيل لنا ونحن نشاهد المسلسل أنه يسير بقدرة الله الواحد الأحد!
ويحقق معجزة البداية والنهاية دون أن يعرف المتفرج المسكين كيف تم ذلك؟!
وإن كان الاستعانة بنجوم عرب من فلسطين مثل (سيرين خاص، رحاب الشناط، ومن لبنان ديانا رحمة، ومن الأردن أنور خليل، ومروان عايش، ومن تونس مريم الفرجاني) أضفى حيوية على الأبطال.
أما نجومنا المصريين (ميرفت أمين، ودياب، وأشرف زكي، وحنان سليمان، وأمير المصري) فلم يضيفوا أي شيئ للمسلسل غير طلتهم البهية.
مخرج مسلسل (مليحة)
عودنا (عمرو عرفة) حتى في أفلامه الضعيفة التى لا تستقيم قصتها كثيرا، أنه مخرج يعرف كيف يتلاعب بكاميراه، وكيف يوزع زواياه، وكيف يرسم كادراته، وكيف يهيئ جو مشهد ما وشروطه.
وكيف يستغل الإطار الطبيعي ويوظفه، هذا ما عرفناه عن (عمرو عرفه)، وما أحببناه لديه، ولكننا أفتقدنا كل هذا في (مليحة) باستثناء بعض المشاهد القليلة.
سؤال أخير حول (مليحة)
مسلسل (مليحة) يطرح العديد من التساؤلات أولها: من سمح بخروج هذه المهلهلات التى ظهرت لنا في صورة مسلسل خرج للنور؟!، وكيف وافق نجوم العمل على هذا الورق الردئ ؟!
وسؤال آخر وأخير: هل أحبت الشركة المنتجة للمسلسل عمل فيديو كليب لأصالة عن القضية الفلسطينية لعرضه في شهر رمضان فأحضرت أبطال (مليحة) ليكونوا (موديلز) ضمن الكليب؟!