بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
خلال شهر رمضان المعظم تناولت هنا بعض مظاهر (الدراما الرمضانية) مثل الاحتفالات والتسلية، وإطعام الصائمين منذ عصر الفاطميين إلى عصر وسائل التواصل الاجتماعى.
وكان من المفترض استكمال الكتابة عن (الدراما الرمضانية)، ولكن للأسف لم أستطع أن أخط حرفا، فلست محترفا للكتابة، وإنما أمارسها بروح الهاوى الذى يستهويه أو يستفزه أمرٌ ما فيكتب عنه، بعكس الكاتب المحترف الذى يستطيع أن يكتب تحت أى ظرف وفي أى موضوع.
واستمرارى في كتابة المقالات على مدار خمس سنوات في هذا الموقع نابع من حب واحترام وتقدير للمسئولين عنه، وليس عن حب للكتابة وخاصة في مجال نقد (الدراما الرمضانية)، وعندما صارحت صديقى الكاتب الكبير (محمد حبوشة) عن أننى لا أجد ما يستفزنى للكتابة إذا به يضحك قائلا: كل هذا الفشل الدرامى ولا تجد ما تكتب عنه؟
فكرت في الأمر طويلا، و بعدها اكتشفت أن حالة من الاكتئاب قد أصابتنى من جراء (الدراما الرمضانية) الذى قدمتها (الشركة المحتكرة) للإنتاج الإعلامى، فبرغم أعمال قليلة للغاية كانت جيدة إلا أن موسم (الدراما الرمضانية) بشكل عام يعتبر سيئا.
وهذا ليس حكما متعسفا ولا متسرعا، فمن هم في مثل سنى يتوقعون من (الدراما الرمضانية) المصرية أعمالا في مستوى (ليالى الحلمية، أو رأفت الهجان، أو أبنائى الأعزاء شكرا، أو بوابة الحلوانى أو.. أو..)، الأمثلة كثيرة.
لا أنكر أن هناك إضاءات قليلة، ولكنها لم تصل إلى حد الإبهار الذى كنا نعيشه في زمن مضى، والغريب أن الجميع صامت أو فرض عليه الصمت، ولعل السبب هو ما كشفه لنا الكاتب الصحي (محمد شمروخ) في مقاله الرائع (رئيس مباحث الدراما) الذى نشره على هذا الموقع.
قائمة بتعليمات غير مكتوبة
حيث قال بأسلوب ساخر أن هناك قائمة بتعليمات غير مكتوبة على رأسها التحذير شديد اللهجة من انتقاد أي مسلسلات من إنتاج (الشركة المحتكرة) للدراما.
ومن الطبيعى أن يتم ذلك في الجرائد والمواقع التابعة لنفس الشركة – التي تحتكر إلى جانب الدراما مجال الإعلانات وتمتلك بعض الصحف والمواقع – و لكن الغريب أن تمتد سطوتها الى الصحف الحكومية أيضا التي من لمفترض يملكها الشعب!
ولكن يبدو أن هناك متبرعين بالتنفيذ الدقيق لهذه التعليمات من باب أن يثبتوا ولاءهم و يكونوا ملكيين أكثر من الملك.
غالبية الصحف والمواقع صمتت عن نقد (الدراما الرمضانية) برغم أن هذا العام زاد احباطنا عن سنوات مضت، فلقد كان لدينا أمل كبير في أن تنقذنا المسلسلات القصيرة (15 حلقة) من فخ المط والتطويل والثرثرة الفارغة.
و لكن للأسف لم تستطع معظم المسلسلات أن تنجح نجاحا كبيرا كما كانت مسلسلات الزمن الماضى.
لا ننكر أن (الدراما الرمضانية) اليوم تفوقت على مسلسلات ذلك الزمن في صناعة صورة بصرية مبهرة بسبب التقدم التكنولوجى في وسائل التصوير والمونتاج، كان أفضل تجلى لذلك في مسلسل (جودر).
حيث استطاع فريق العمل (مدير التصوير ومصمم الديكور ومصمم الجرافيك والمونتير ومصحح الألوان والمخرج والأداء التمثيلي أحيانا) في خلق صورة تليق بمسلسل يعتمد على الخيال وتستحق الإشادة والتقدير وحازت إعجاب الجميع.
وأثبت المخرج الشاب اسلام خيرى إسمه في سجل كبار المخرجين، ولكن عكر صفو تلك الصورة الرائعة المتميزة استلهام بعض (الكادرات) من مسلسلات أجنبية، ووجود هنات لم تكن واجبة الحدوث، مثل عدم التنسيق بين مهندس الديكور ومصمم الملابس.
حيث كان هناك في بعض الحلقات (تقارب) في لون (ملابس الملك) مع القماش الذى يغطى كرسى العرش.
بل حدث تطابق في إحدى الحلقات وكأن الملك يتبع أسلوب (شعبان عبد الرحيم) في التطابق بين ملابسه وأقمشة المفروشات، كذلك عاب المسلسل عدم العناية بالتفاصيل مثلما حدث في ماكياج الفنان الكبير (أحمد بدير)، الذى خرج من الماء في أحد المشاهد وشعره مبتل ومنسدل على وجهه (لكى يخفوا وجه البديل الذى أدى المشهد).
ثم أكمل (بدير) المشهد وشعره (أو الباروكة) منسقة ومهندمة لم يلمسها الماء!، وعلى مستوى التمثيل كانت هناك الكثير من الملاحظات، خاصة وأن جميع الممثلين لم يكونوا (على موجة واحدة لا من حيث أسلوب الأداء أو من حيث الجودة.
(الحشاشين) يثير الكثير من التساؤلات
أيضا تميزت الصورة بشكل كبير في مسلسل (الحشاشين) – الذى يقال أنه المسلسل الأكثر تكلفة في تاريخ الدراما المصرية – ولكن المسلسل نفسه يثير الكثير من التساؤلات والملاحظات ليس على المستوى الفني وحده، ولكن على المستوى التاريخى و السياسى و الإجتماعى و الدينى.
برغم أن الكاتب الكبير (عبد الرحيم كمال) حاول أن ينجو بنفسه عن أي نقد عندما كتب عنوانا فرعيا في المقدمة (أباطيل وأبطال من وحى التاريخ)، فتخيل أنه بإقراره بأن المسلسل ليس تاريخيا وإنما من وحى التاريخ، أنه لن يُحاسب عن الوقائع التاريخية.
واعتمد أيضا أن تاريخ (وليس مذهب) حسن الصباح، قد اندثر بحريق قلعته ومعظم تراثه، فظن أن له الحق في تقديم صورته المتخيلة عن ذلك الرجل، ولكن حتى هذه الصورة المتخيلة تستحق نقاشا طويلا ومتعمقا، ربما نقدمها ذات يوم بعد أن تهدأ حالة الهجوم والهجوم المضاد الدائرة حول المسلسل حاليا.
ويشترك مع مسلسل الحشاشين في إثارة الإشكاليات مسلسل (مليحة)، الذى يتناول في ثناياه القضية الفلسطينية، فبطلة الأحداث والتي يحمل المسلسل اسمها تركت الأرض المحتلة بعد أحداث الانتفاضة وتحاول العودة إليها.
ولكن هل حقق المسلسل الهدف منه خاصة في ظل الظروف الحالية؟، هل يعتبر إضافة للقضية الفلسطينية أم خصم منها؟، تحتاج الإجابة أيضا إلى مقال منفصل لأن النوايا الحسنة لا تصنع مسلسلا جيدا – للأسف – خاصة في القضايا الكبرى.
وأيضا تناول قضايا سياسية في عمل فنى لابد أن ينبع من وعى سياسي يحرص على إرسال رسائل صحيحة للمشاهد لا تسيئ للقضية التي يحملها عن غير قصد أو عن سوء فهم.
مسلسلات (الأكشن) معادة ومكررة
وكما هى العادة كانت مسلسلات (الأكشن)، مثل (بيت الرفاعى وحق عرب والمعلم) معادة ومكررة ومنحوتة من أعمال سابقة، ولا يخجل نجومها من ذلك بل يصرون على الظهور في أجمل صورة (وطظ في المظهر الخارجي للشخصية).
فنجد بطلها يخرج لنا من تحت يد الكوافير في كل مشهد حتى لو كان مشهد مطاردة أو خناق، وسواء كان يعمل في سوق سمك أم يعمل في (أوتيل 7 نجوم)، المهم أن يلمع ويظل صاحب بريق على الشاشة.
ولم تحمل تلك المسلسلات من خير ولم تضف لرصيد أبطالها باستثناء (أحمد رزق) الذى حفر لنفسه طريقا جديدا بعيدا عن الكوميديا، وهشام عطوة الذى تأخر اكتشافه كممثل جيد زمنا طويلا بسبب المناصب.
وعلى مستوى الأعمال الاجتماعية تميز مسلسل (بدون سابق انذار)، بتقديم موضوع جديد عن مفاجأة زوجين باكتشاف أن طفلهما ليس ابنهما الحقيقى، مستعينا في ذلك بالوسائل الحديثة في الطب من خلال دراما مصنوعة بدقة، لكنها في المجمل لم تصل الى الرواج المطلوب أو تحقيق مستوى يليق بأصحابها، أما مسلسل (صدفة) الذى تم تصنيفه على أنه مسلسل اجتماعى فلا تعليق.
وفي مجال الكوميديا استطاع مسلسل (بابا جه)، أن يرسم الضحكة على وجوه المشاهدين فجزاه الله عنا كل خير، فلقد خفف عنا موسم الفشل الدرامى هذا العام الذى قادته بكل جرأة (الشركة المحتكرة)، ونكتفى بهذا القدر من الحديث عملا بالمثل القائل: بيك هم وللا أزيدك؟