(الكومبارسات وأصحاب الأدوار الثانوية يسعون دائما للوصول إلى البطولة في السينما دون جدوى.. لأن أدوار البطولة المطلقة تنتظرهم في مآسى حياتية عظيمة)
بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
مسلسل الفنانات مع ضباط ثورة يوليو لا تنتهى حلقاته، إحدى هذه الحلقات المأساوية كانت بطلتها الممثلة الرقيقة (سهير فخري).. لها روح تشع هدوءا ملائكيا.. وجه هو أيقونة جمال.
بحيرة فضية ساكنة تحفها خضرة أشجار الغابة من كل جانب.. من بين هذه الأشجار عيون ذئب ضارى، قادم من أعماق الغابة تترقبها لتنهش سعادتها وتدمى حياتها إلى نهايتها.
ولدت (سهير فخري) في القاهرة في 17 أغسطس 1943.. بدأ وقوفها أمام الكاميرا في باكورة طفولتها وهى لازالت في الخامسة من عمرها، وذلك عام 1948 مع الفنانة فاتن حمامة في فيلم (خلود).
وقد قامت فيه بدور (آمال الصغيرة).. أشيع أنها دخلت الفن عن طريق أختها الكبرى (ثريا فخرى) – دادة السينما المصرية – لكنها شائعة خاطئة.. فثريا فخرى ذات أصول لبنانية وديانة يهودية، بينما (سهير فخري) ذات أصول مصرية خالصة وديانة مسلمة.
عام 1949 شاركت الطفلة (سهير فخري) ذات الستة أعوام فيلم (ولدى) مع (كاميليا ومحمود المليجى وإسماعيل ياسين)، وقامت فيه سهير بدور الطفلة (ناهد مراد)، وحينما أصبح عمرها 8 سنوات قامت (سهير فخري) بدور الطفلة (ماجدة) في فيلم (من غير وداع.
كان لوجهها الطفولى قبولا هائلا لدى الجمهور، مما جعلها أشهر طفلة في السينما المصرية في هذا التوقيت لتتوالى مشاركتها في أفلام عديدة مثل: (حكم القوي، صورة زفاف، انا بنت مين، آمنت بالله) و غيرها.
كان آخر أفلامها كطفلة فيلم (اشهدوا يا ناس) مع شادية عام 1953 لتقرر فجأة الابتعاد عن التمثيل لمدة 13 عاما لأسباب مجهولة، لكن صديقتها برلنتى عبد الحميد استطاعت أن تقنعها لتعود فجأة مرة أخرى إلى التمثيل عام 1966 في فيلم (أجازة صيف) مع فريد شوقى و زكى رستم لتواصل نشاطها الفني مرة أخرى.
زواج (سهير فخري)
كانت (سهير فخري) أثناء هذا التوقيت قد تزوجت كزوجة ثانية لكاتب السيناريو الشهر في هذا التوقيت الكاتب (محمد كامل حسن المحامي)، وهو من عائلة فنية قانونية، الأب هو (حسن صبحي بك) هو رئيس نيابات، وفي نفس الوقت شاعر كبير كتب لأم كلثوم ست أغنيات منها (جمالك ربنا يزيده) من كلماتها:
جمالك ربنا يزيده.. ده ملك منظمه سيده
هواك يا حلو نساني.. وداد أهلي وخلاني
وصبحني رهين أمرك.. ما ليش غيرك حبيب تاني
وقلبي داب وإيه بايده.. ده ملك منظمه سيده
وكذلك شقيقه (محمود صبحي) كاتب سيناريو لعدة أفلام منها فيلم (الفتوة) لفريد شوقى و(عيلة مرزوق) وغيرها.
طغت شهرة (محمد كامل حسن) وهو لايزال طالبا في كلية الحقوق، حيث بدأ في كتابة روايات الجيب البوليسية، بالإضافة إلى ترجماته لروايات (أجاثا كريستى).
وقد تعمق في دراسة البحث الجنائى حتى أنه وهو لا يزال طالبا في السنة الأخيرة لكلية الحقوق كان قد اصدر كتابا من جزئين عن الجريمة، كما أنه بدا في كتابة مسلسلات إذاعية بوليسية.
كان رئيس الإذاعة في هذا الوقت رجلا إنجليزيا شغوفا بالقصص البوليسية – كعادة سائر الشعب الإنجليزي – فانبهر بكتابات (محمد كامل حسن)، حتى أنه تولى بنفسه ترجمة قصصه.
كما أنه كتب البرنامج الدرامى (من الجانى؟)، وقد طبقت شهرته الآفاق خاصة بعد مسلسله الاذاعى الجماهيرى (حب و إعدام)، حتى أن كلية الشرطة كانت تستدعيه – وهو لا يزال طالبا بالسنة الخيرة لكلية الحقوق – لإلقاء محاضرات عن البحث الجنائي.
كما أنه بدأ في كتابة سيناريوهات الأفلام التي بلغت 48 فيلما أخرج منها 6 أفلام من بينها فيلم (عدو المرأة) لمحمد فوزى وماجدة، و(قلبى دليلى) للثنائى (ليلى مراد و أنور وجدى).
والذى كتب لهما أيضا فيلم (عنبر)، وفيلم (تاجر الفضائح) لفريد شوقى، كما كتب من الكتب 350 كتابا من بينهم سلسلة (قصص القرآن الكريم).
الروح الرقيقة لـ (سهير فخري)
تناغمت الروح الفنية لمحمد كامل حسن مع الروح الرقيقة لـ (سهير فخري)، فتزوجا رغم أنه كان أكبر منها بـ 25 عاما.. وقد عاشا في سعادة لسنوات أنجبا خلالها طفلين.
كانت شقة الزوجية بالزمالك في نفس العمارة التي تسكن بها (برلنتى عبد الحميد) والتي تزوجها سرا (المشيرعبد الحكيم عامر).
كان الحارس الشخصى للمشير عامر الذى لا يفارقه لحظة والذى أطلق عليه (ظل المشير) هو (عبد المنعم أبو زيد)، الذى بدأت حياته في الجيش متطوعا ليرقيه عبد الحكيم عامر بعد توليه قيادة الجيش ترقيات مستمرة بلغ بها رتبة (مقدم).
ولما كانت هذه الرتبة أعلى ما يمكن أن تصل إليه رتبة الشاويش فقد أمر عبد الحكيم عامر بإحالته إلى المعاش ليعيد تعيينه مرة أخرى في وزارة الإنتاج الحربى برتبة مدير عام لينتهى به الأمر مديرا لمكتب المشير نفسه.
أثناء مصاحبة (أبو زيد) لعامر إلى بيت (برلنتى عبد الحميد) صادف (سهير فخري) ليفتتن بجمالها ويبدأ في مطاردتها.. حتى أنه كان يذهب إلى أماكن تصويرها لفيلم (إجازة صيف) حيث كانت (سهير فخري) تقوم بتصوير دورها فيه في رأس البر ليفاجئها بطلبه برغبته في الزواج منها، لتنهره وهى تجيبه أنها متزوجة بالفعل.
انطلق (عبد المنعم أبو زيد) لمقابلة زوجها (محمد كامل حسن المحامي) ليطلب منه بكل صلافة ووقاحة أن يطلق زوجته لرغبته في الزواج منها، ليثور الزوج في وجهه رافضا طلبه.
لم تمر أيام قليلة حتى كان (محمد كامل حسن) قد تم القبض عليه وإلقائه في إحدى معتقلان صلاح نصر، و قد لاقى ذلك هوى في نفس (عبد الحكيم عامر) الذى لم ينس له أنه رفض طلبه من قبل بكتابة مقالات يمجد فيها انتصارات للجيش المصرى في اليمن معتذرا عن مشاركته في خداع الشعب المصرى بقلمه.
ساور عبد الحكيم ورجاله القلق من أن يفشي (محمد حسن كامل) في معتقله بسر زواجه من (برلنتى عبد الحميد).. تفتق ذهن المحيطين به عن إطلاق إشاعة معاناته من مرض عقلى أودى به إلى إيداعه في النهاية في عنابر مستشفى المجانين بعد إثبات حالته في تقارير طبية وروشتات عثر عليها بعد هزيمة يونيو 1967.
وذلك في مكتب (عبد المنعم أبو زيد) مدير مكتب المشير.. كان إيداعه مستشفى المجانين لهدفين: الأول: أن لا يصدقه أحد مهما تحدث عن الزواج السرى للمشير، والثانى هو استخدام هذا المرض العقلى في استصدار حكم قضائى بتطليق زوجته (سهير فخري) منه بعد إجبارها على رفع قضية تطليق منه لذات السبب.
ليتم الحكم بالفعل بطلاق (سهير فخري) ليتزوجها (عبد المنعم أبو زيد) قهرا زواجا استمر لعام واحد، وقعت بعدها اشنع هزيمة عسكرية لمصر.. هزيمة يونيو.. لتعود بعدها (سهير فخري) للتمثيل مشاركة فى بطولة فيلم (الرجل الذى فقد ظله) عن قصة الكاتب (فتحى غانم).
اعتزال (سهير فخري)
بعد خروج (محمد كامل حسن) من مستشفى الأمراض العقلية تم إجباره على السفر الى الكويت ليستمر هناك سنوات عديدة ألف فيها مجموعة كبيرة من الكتب.
بعد وفاة عبد الناصر تم إبلاغ (السادات) بما حدث له ليأمر بعودته إلى مصر.. وقد توفى في أبريل 1979.
جسد الفنان (كمال أبو رية) شخصية (محمد كامل حسن) تحت اسم (عثمان المغازي) في مسلسل (سوق العصر) الذى تم عرضه عام 2001، بعد أن تناول فيه الكاتب محمد جلال عبد القوى جوانب هذه القصة.
قام (محمود ياسين) بتجسيد شخصية (عبد المنعم أبو زيد) تحت اسم (حلمى عسكر).. أما (سهير فخري) فقد قامت بتجسيد دورها الفنانة (غادة عبد الرازق) تحت اسم (شوق).
اعتزلت (سهير فخري) التمثيل بعد انتهائها من تصوير مسلسل (الخماسين) مع المخرج حمادة عبد الوهاب، وقد توفيت عام 2008 عن عمر 75 عاما لتفاجئنا الفنانة (رانيا فريد شوقى) برثائها لحماتها الفنانة (سهير فخري) كاشفة عن زواجها – الثالث – من ابنها رجل الأعمال الشهير تامر الصراف.
وقد رثت الفنانة (رانيا فريد شوقي) حماتها (سهير فخري) بدموع متلاحقة واصفة إياها بأنها كانت روحا فنية وإنسانية رقيقة خالصة.. ويصعب تكرارها.