بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
أدركت خلال مشوار طويل وتعامل مع مبدعين وحقيقيين وعظماء في معظم المجالات الفنية أن (النجاح) هو نتاج مقومات ومجهود وتفاني وإخلاص، وقد يتأخر أحياناً ويضرب أحياناً، ولكن غالباً ما ينتصر الحقيقيون وأصحاب المواهب والقدرات.
كيف يأتي الرجل المناسب في المكان المناسب فيضع اسمه في لوحة الكبار الحقيقيين وأصبح ذلك واضحاً الآن بالرغم افتقاد الكثيرين للموضعية وقفزت مهارت كائنات لبلابية لديها قدرة علي التواجد الدائم.
وتفرض نفسها بمهارة يفتقدها كثيرون من أصحاب الوعي والكبرياء والكرامة، وتكون النتيجة الرجل غير المناسب في المكان والموقع الهام.
تذكرت ذلك في أثناء عودتي من افتتاح المؤتمرالعلمي الثالث للنقد الفني بأكاديمية الفنون، فقد كان الافتتاح رائعاً في حضور معالي وزيرة الثقافه د. نفين الكيلاني بحضورعميدة المعهد العالي للنقد الفني المبدعة دكتورة رانيا يحيى، مع عمداء وأساتذة الأكاديمية العظماء وحشد من رجال الثقافة والتنوير.
احتفالية التقيت خلالها بعظماء في معظم مناحي الإبداع و (النجاح)، وشاهدت اهتماماً واضحاً من كوادر الأكاديمية ومعهم المبدعه د. رانيا يحيى، وجلست بعض الوقت في مكتبها وشاهدت مدى الحماس والنشاط والاهتمام بكل التفاصيل من جماليات المكان واللوحات والديكور والنظافه والالتزام والدقة في احترام الوقت.
وجلست أتابع كيف تتعامل العميدة مع الأساتذة والدكاترة والفنيين والعمال، مهارة واعية اكتسبت منها الولاء والاهتمام والنتيجه الكل يعمل بنشاط مغلف بحب واهتمام أصبح جلياً أمام الحضور، وشعرت به معالي الوزيره بنت ذات المكان.
والتي أدركت ببصيرة واعية مدى إخلاص العميدة د. رانيا وتحدثت في كلمة مختصرة عن أهمية الأكاديمية ودورها في صناعة المواهب في كل المجالات، ومنها النقد وكل مفردات الإبداع.
إنشاء أكاديمية الفنون العريقة
أعرف قيمة وأهمية النقد للحركة الفنية المصرية والتي كانت أهميتها منذ إنشاء أكاديمية الفنون العريقة عام 1959، ومن قبلها كانت الدولة قد أنشأت عدة معاهد عالية للفنون كان أولها معهد الفنون المسرحيه 1935 مركز صناعة المبدعين.
وقدمت معظم النجوم في كل مناحي الإبداع من ممثلين ومخرجين وكتاب هم من جعل مصر يطلق عليها هوليود الشرق منذ إقامة معهد الفنون المسرحية.
لقد كان للنقد دوراً جوهريا منيراً للإبداع ونجومه فكان لدينا أسماء لامعة أنارت وساعدت على ازدهار وتجليات الإبداع، فظهرت أعمال تقدم للمشاهد قيماً مضافة، منها قيم الولاء والانتماء وتصحح مسارات الإبداع و(النجاح).
فكان لدينا ومازال عظماء النقاد أمثال (د. عبد المنعم تليمة، عبد القادر القط، د. جابر عصفور، جليل البنداري، د. علي الراعي، د. صلاح فضل، كمال الملاخ، غالي شكري، د. سمير سرحان، أحمد الحضري، علي أبو شادي، كمال رمزي، أحمد صالح، د. وليد سيف، سمير فريد، وسامي السلاموني، يوسف شريف رزق الله).
ولنا أن نتذكر ماذا قدمت السينما والدراما في زمن هؤلاء، وكانت النتائج للمبدعين شاهدة على أعظم فترات السينما والمسرح المصري، بل والأوبرا، فقد كانت تقدم أعمالاً نفتخر بها حتي الآن، وخصوصاً مرحلة إدارة القدير سليمان بك نجيب.
وكان جمهور الأوبرا يأتي من كل الجنسيات عربية وأجنبية، وقدمت أعمالاً نموذجا في (النجاح) نفتخر بها حتى الآن، وعند عودتي في طريقي تذكرت أهمية الفرز والاختيار للمناصب.
فمنذ نعومة أظافري في الستينيات تابعت ماذا فعل (وجيه أباظة) حين جاء إلى محافظة البحيرة، وكيف أحدث النهضة الفنية والثقافية في المحافظة، وظهر ذلك جلياً في كل النواحي وخصوصاً الفنية.
فنالت فرقة البحيرة للفنون الشعبية أعلى درجات التميز، ومثلت مصر في معظم مهرجانات العالم، وكيف ازدهر المسرح وقدمت عروض لكبار المخرجين والكتاب أمثال (فتوح نشاطي، وعبد الرحيم الزرقاني، وكمال يس).
وشاهدنا أعمالاً لعبدالله الطوخي وكبار الكتاب، فقد كانت لوجيه أباظة معرفة وإدراكاً لدور الفنون في تنمية الوعي والانتماء فخرج من دمنهور مبدعون أمثال (محمود الحديني، عبد الوهاب المسيري، محمد نوح، منير الوسيمي، محمد غنيم، محمود الجندي وعبد العزيز مخيون).
معنى النجوميه و(النجاح)
وطوال الطريق الطويل أخذت أتذكر شخوص أدركت منها معنى النجوميه و(النجاح) ومعظمهم لا يتحدث كثيراً، ومنهم من يدرك قيم (النجاح) وشهوة التألق، ولا يكون الهدف الأول هو المال أو الشهرة، إنما فقط في المرتبة الأولي (النجاح) وأن يحفر اسمه مع الحقيقيين.
وأتذكر العظيم دكتور (مجدي يعقوب) بعد لقب سير من ملكة بريطانيا وأعلى أوسمة التكريم من أعظم جامعات العالم، ومن رؤساء دول منهم عبد الناصر والحبيب بورقيبة والملك حسين ومازال يقدم المزيد من المجهود في معهد القلب في أسوان.
إنه فقط البحث عن النجاح والرضا ثم أمثله أخرى تعاملت معها مثل (نجيب محفوظ، عمر الشريف، يوسف شاهين)، ثم (محمد صبحي) واهتمامه بالمسرح وقيمة ما يقدمه، واختيار ما يقدم قيمة مضافه للمشاهد، ثم أسامة عكاشه في الدراما، و(يحي حقي ونجيب محفوظ) ثم ابن نجريج (محمد صلاح).
تلك أمثله من آلاف الشخصيات تعاملت معها، وأدركت لماذا تألقت وكتبت أسماءها بحروف من دهب، وهنا يحضرني سؤال حتمي: هل لم يعاني هؤلاء من بعض محاولات لتشويه مسيرتهم؟
والإجابة: أكيد حدث للبعض منهم فدائما الطبيعة البشرية والمنافسه أحياناً ثم أعداء (النجاح) مرات، ولكن الحقيقة تنتصر والبقاء للحقيقيين مهما حاول البعض.
دكتور رانيا يحيى، بنت أكادمية الفنون والفنانة المبدعة لآلة الفلوت واهتمامها بالمؤتمر ومعهد النقد نابع من يقين بأهمية النقد للحركه الفنيه والابداع، فبدونه لا تجويد ولا إضافات ولا تجريب وتنوير للمبدع ليخرج عن الثابت الجامد التقليدي. وتتجلى معالم الإبداع الموسيقي ومعها قدرتها على الإدارة كعميدة لمعهد أعرف دوره لتخريج كوادر مهمة ومؤثرة لازدهار الحركة الفنية.. إنها مصر الثرية بمحبيها ومبدعيها.. مصر تنطلق وتستحق.