سمراء النيل (إيمان) التى رفضت الإقامة في ألمانيا بسبب الضغط الإسرائيلي على العرب
كتب: أحمد السماحي
تمثل النجمة المعتزلة (إيمان) الشهيرة بسمراء النيل التى نحتفل هذه الأيام بعيد ميلادها الـ 86، نمطا من الرومانسية يقترب من المزاج العام للجماهير.
فهي كانت تتمتع باللون الأسمر، وشعر أسمر فاحما وناعما، وصوتا دافئا وعميقا، ونظرات بها حزن محبب، لا تخفيه سعادة عابرة أو ضحكات عالية.
امتلكت (إيمان) وجها شديد الجاذبية، وكان وجهها البسيط يمنح الكادر السينمائي القدر المطلوب من الجمال، وكان الجمهور خاصة من الشباب يزين غرف نومه بصورها التى كانت المجلات الفنية تهديها لقرائها.
ففي الفترة التى مكثتها في السينما والتى تقترب من الـ 7 سنوات بداية من عام 1954 وحتى عام 1961، كانت (إيمان) فتاة أحلام الشباب المصري والعربي.
(ليلى هلال ياسين) وعهد الهوى
اكتشف (إيمان) المطرب الكبير فريد الأطرش عام 1953 واستبدل اسمها من (ليلى هلال ياسين) إلى (إيمان)، وقدمها معه في أول أفلامها (عهد الهوى) عام 1954، سيناريو وحوار علي الزرقاني، إخراج أحمد بدرخان.
ولم يقتصر على تقديمها للشاشة فقط، ولكنه زوجها من شقيقه فؤاد الأطرش.
حليم جعل منها أيقونة الرومانسية
في عام 1955 شاركت (إيمان) العندليب الأسمر (عبدالحليم حافظ) فيلمه (أيام وليالي) قصة وسيناريو وإخراج بركات، وحوار يوسف جوهر.
وفي هذا الفيلم غنى لها العندليب الأسمر أكثر من أغنية رومانسية جعلت منها أيقونة للعاطفة والرومانسية، وهذه الأغنيات هي:
أنا لك على طول خليك ليا، خد عين منى و طل عليا
وخد الاتنين و اسأل فيا، من اول يوم راح منى النوم.
كما غنى لها أيضا (علشانك يا قمر) والتى يقول مطلعها :
عشانك يا قمر، أطلع لك القمر
مادام هواك آمر، أطاوعك يا قمر
باحبك، باحبك، باحبك، باحبك، يا قمر
رسخ فيلم (أيام وليالي) وجود (إيمان) في السينما، وجعل منها نجمة جماهيرية مفضلة خاصة عند الشباب الذين وجدوا فيها فتاة أحلامهم الجديدة.
إيمان وكبار نجوم السينما
انطلقت سمراء النيل في السينما فقدمت بعد هذا الفيلم عدة أفلام سينمائية أخرى مثل (قصة حبي، صوت من الماضي، علموني الحب، أنا بريئة، قلب في الظلام، لحن السعادة، حب في حب، وحياة وأمل).
وكان آخر أفلامها المصرية (مخلب القط)، ومن خلال هذه الأفلام تقاسمت البطولة مع مجموعة من كبار نجوم السينما نذكر منهم (أحمد رمزي، رشدي أباظة، أحمد مظهر، سعد عبدالوهاب، محرم فؤاد) وغيرهم.
وساعد (إيمان) على نجاحها في السينما امتلاكها القدرة على التأثير، وفرض أسلوبها الخاص الهادئ الرصين في التمثيل، ومن خلال هذا الأسلوب كسبت حب وعطف الجمهور.
إيمان وألمانيا والزواج
شاركت إيمان عام 1959 في فيلم ألماني بعنوان (روميل ينادى القاهرة)، وجسدت من خلاله شخصية الراقصة (حكمت فهمي) وتم تكريمها على هذا الدور في أحد المهرجانات.
واعتبرها النقاد واحدة من أفضل الممثلات في العالم، كما شاركت في فيلم ألماني آخر بعنوان (الفتاة الرفيعة) الذي حقق أيضاً نجاحاً كبيراً.
وفي عام 1960، وأثناء وجودها في ألمانيا لحضور العرض الخاص لفيلمها الأول تعرفت عن طريق منتج الفيلم وزوجته على زوجها المهندس الألماني (ماكس شيلدين).
وارتبطا في عام 1962، وكان شرطه الوحيد عليها هو أن تعتزل التمثيل وتتفرغ تمامًا لمنزلها وحياتها الجديدة والانتقال معه إلى ألمانيا والاستقرار هناك، ووافقت على طلبه.
أثمر زواج (إيمان وماكس) عن ثلاثة أبناء، لدى كل منهما اسم مصري وآخر ألماني، فالكبرى تدعى (ليلى) بينما اسمها الأجنبي هو (كاثرين)، والأوسط (هلال) واسمه الأجنبي (توماس).
أما الأصغر فيدعى (ماكس)، وتقيم (إيمان) حاليا معهم ومع زوجها في النمسا منذ عام 1994.
(إيمان) والضغط الإسرائيلي
في 26 أغسطس من عام 1972 انطلقت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في (ميونيخ) بألمانيا، والتي ارتبطت ذكراها بالمآسي بدلا من الإنجازات الرياضية.
فقد شهدت مقتل 11 إسرائيليا بعد أن أخذهم أعضاء جماعة فلسطينية مسلحة (أيلول الأسود) كرهائن في 5 سبتمبرمن ذلك العام، وتم قتل اثنين من هؤلاء الرهائن.
ما حدث دفع السلطات الألمانية تحت الضغط الإسرائيلي إلى مطاردة العرب، وطردهم خارج ألمانيا الغربية.
وكان من جراء هذه المطاردة أن وضع البوليس الألماني عيونه على البيوت التى كان العرب يترددون عليها ولهم فيها أصدقاء، بل أن البوليس الألماني استدعى أصحاب هذه البيوت وأخذ عليهم التعهدات.
وحذرهم من استضافة العرب مهما كانت الصلة التى تربطهم، من هذه البيوت قصر المليونير (ماكس شيلدين) وزوجته المصرية (إيمان)، وكان قصرهما هو مقصد كل زائر عربي لمدينة (ميونيخ) الحزينة.
بل إن (إيمان) كانت إذا سمعت بنزول مصري أو أي عربي بالمدينة دفعت زوجها للاتصال به، وتقديم كل المساعدات التى يكون في حاجة إليها.
أحست (إيمان) بالاختناق
ويقول الذين زاروها في ألمانيا الغربية في هذه الفترة ــ وحسب ما جاء في مجلة الكواكب ــ أن المليونير (ماكس) كان يبدو عليه الارتياح إذا زاره ضيف مصري لأنه يعرف جيدا أن (إيمان) تسعد بهذه الزيارة.
لكن تغير الحال بعد أحداث ميونيخ والتعهد الذي أخذه (ماكس) زوج (إيمان)، بعدم استضافة أي عربي في قصره أو إتاحة الفرصة لأي عربي للاتصال به.
وأحست (إيمان) بالاختناق جعلها تحس بالغربة لأول مرة، وبدأت تصرح بما تشعر به للمقربيين منها، وبعض وسائل الإعلام، مما أزعج السلطات الألمانية وأيضا الإسرائيلية.
وحاول الزوج إرضاء أم أولاده وأن يقنع السلطات في ميونيخ بأن كلام زوجته نابع من حبها لبلدها مصر، وحرصها على أبناء شعبها العربي، وأن الذين يزورونه من العرب أو المصريين إما رجال أعمال أو طلبه يدرسون في ألمانيا.
وكلاهما سواء رجال الأعمال أو الطلبة بعيدا عن المنظمات الفدائية، ولكن كل محاولات الزوج باءت بالفشل، مما اضطر (إيمان) إلى أن تطلب من زوجها أن يسمح لها بالسفر إلى القاهرة للإقامة مع أسرتها حتى ترتاح أعصابها، لأنها لا يمكن أن تعيش في بلد يضهد كل عربي.
وهكذا أثبتت إيمان أن الدم العربي يحمل بين خلاياه الحنان والإخلاص والوفاء لكل ما هو عربي.