كتب: محمد حبوشة
تستحق الفنانة (غادة عبد الرازق) لقب (المرأة القوية) بجدارة، فكم من امرأة تمنت لو كانت (غادة)، بسبب قوتها وتمردها الدائم وقوة شخصيتها وذكائها وكونها شخصية قيادية، لكن على مايبدو أن لدغة العقرب في بداية مسلسل (صيد العقارب) أطفأت موهبتها وأصابتها في مقتل!
من خلال الشخصيات التي قدمتها (غادة عبد الرازق) عبر مسيرتها الفنية، كان يتضح وضوح الشمس أن ملامحها الحادة والجميلة في نفس الوقت تجذب لها مثل هذه الأدوار التي يراها الكثير من السيدات متنفسا لهم وكأنهم يتمنوا في بعض المواقف التي تقدمها (غادة) في أعمالها لو أنهم مكانها ويقوم بنفس فعلها.
ولاشك أن (غادة عبد الرازق) هى نجمة من العيار الثقيل، وكأنها قد ولدت لتكون نجمة، نعم؛ ففي وسط كل الفنانات من جيلها استطاعت أن تحلق بعيدا واختارت لنفسها شكلا مختلفا وبعيدا عن زملائها لتخرج من المنافسة معهم.
ولكن المفارقة هنا أن (غادة عبد الرازق) وقعت في عدة أخطاء بعدما لدغها العقرب في مسلسلها (صيد العقارب)، والغريب أنها ذكرت أكثر من مرة بأن دورها في هذا المسلسل هو أقوى أدوراها على الإطلاق، وظني أنها وقعت في المحظور بسبب ثقتها الزائدة عن اللازم.
نعم ثقة زائدة عن اللازم، فقد فشلت تماما في مسلسل (صيد العقارب) الذي أعتبره من أضعف أدوارها على الإطلاق، فهى هنا لاتمثل، بل تفتقد إلى فعل التقمص الذي اعتدناه في كثير من مسلسلاتها الرمضانية الرائعة.
ظني أن (غادة عبد الرازق افتقدت في مسلسل (صيد العقارب) بريق نجوميتها وهى المعروفة بأنها تملك طيفا واسعا من الانفعالات وإدراك عمق كل منها وعلاقتها بالشخصية التي تؤديها ما جعلها ممثلة من العيار الثقيل.
قدرة (غادة) على (التعري العاطفي)
عرفت (غادة عبد الرازق) التي يمكن باستطاعتها أن تفاجأ الجمهور بردود فعلها وعدم قدرة المشاهد على التنبؤ بما ستقوم به من حركات وإيماءات لاتشبه أحدا غيرها، فهى على حد اعتقادي (سيدة الأداء المصري) بلامنازع بامتلاكها أصعب المهارات المتوقعة من الممثل.
والمقصود بها القدرة على الانكشاف العاطفي أو كما يسميه البعض (التعري العاطفي) الذي يعني استعداد الممثل لعرض مشاعره الإنسانية بشكلها الحقيقي في موقف درامي ما ضمن القصة التي يمثلها.
إذ يكمن سبب ضعف الأداء لدى العديد من الأشخاص في هذه النقطة، على عكس (غادة عبد الرازق) التي تعرف كيف تتحكم في لغة جسدها بطريقة احترافية تمنحها القدرة على التألق والتفوق في تقمص مختلف الشخصيات التي تجسدها ببراعة فائقة.
صدمتني (غادة عبد الرزق) بأدائها المفتعل في (صيد العقارب) والذي اعتمد على الفذلكة، على مستوى الحركة والسكون والملابس غير المناسبة للشخصية، وكأنها عمدت فقط لاستعرض أزيائها الفخمة إلى حد الاسمئزاز، فضلا عن قصة مهلهلة تفتقد للحبكة الدرامية.
(غادة عبد الرازق)، كما لاحظت من خلال مشاهدتي المتأنية لمجمل أعمالها، كانت لا تلجأ أبدا إلى تزييف ردود فعلها واختلاق مشاعر غير حقيقية وتقديمها للجمهور، فهى تدرك جيدا أن مثل تلك التصرفات تضع حاجزا بين الشخصية التي يؤديها والمشاهد، عوضا عن التأثير به وسحبه إلى عالم القصة.
وها هى في (صيد العقارب) لجأت إلى تأدية دورها وفقا لمزاجها الخاص، وثقتها الزائدة في نفسها، وفي هذا كانت تجبر نفسها على تمثيل انفعالات الشخصية بطريقة مزيفة، رغم أن هذا ما يميز الممثل المخضرم عن الممثل الصاعد.
إذ يساعد تراكم الخبرة لدى الممثل القديم بزيادة ثقته بعمله، حتى إن أخطأ في بعض الأماكن أو تعرض للمعوقات في أثناء العمل، على عكس الممثل الصاعد الذي يمكن لأي مطب صغير أن يوقعه بالارتباك.
الصوت أداة رئيسية عند (غادة)
مما لاشك فيه أن البشر يملكون طيفا واسعا من الأصوات التي يمكن إصدارها من الحنجرة، ولكننا نستخدم عددا محدودا جدا منها، ولكن في حالة (غادة عبد الرازق) فإنها كممثلة محترفة للغاية تعمل على تدريب حنجرتها ولسانها على أداء أكبر عدد ممكن من هذه الأصوات.
خصوصا أن الصوت أداة رئيسية في مهنة التمثيل، وبالتالي القدرة على التحكم بالصوت تعني القدرة على ضبط إيقاع كلمات النص بما يناسب اللحظة الدرامية لكل منها، ولعل واحدا من أهم الأسباب التي تدفع الممثلين إلى تصنع أدوارهم عوضا عن تقمصها بشكل جيد.
تمثيلهم الدور كما يرونه من دون تطبيق أي من نظريات التمثيل، وأشهرها نظرية Stanislavsky، وهى نظرية تحتوي على مجموعة من التقنيات التي تساعد الممثل على الانتقال بوعيه إلى الشخصية التي يؤديها.
وبالتالي تفعيل أفكار وأحاسيس وانفعالات الشخصية عوضا عن مشاعره الشخصية، تماما كما تفعل غادة عبد الرازق في كل أدوارها، لكنها في درور (عايدة ضرغام) فشلت تماما في تجسيد الشخصية بتون واحد يجنح نحو (الزعيق) وهذا لايتوازي أبدا مع موهبتها الكبيرة.
فقد اعتادت (غادة عبد الرازق) استخدام تكنيكا خاصا بها عند الشروع في الدخول للبلاتوه من خلال خطوات استكشافية لمعالم الشخصية، وإضفاء نوع من المهارة الحرفية العلمية الواجب اتباعها قبل الظهور على الشاشة.
ويبدو أنها لم تتعرف على الفكرة الأساسية من خلال قراءة نص (صيد العقارب) بتمعن، وأن تتعمق بقراءة الحوار وأن تستشف ماخلف السطور من معاني تجسد عمق وجوهر معنى شخصية (عايدة ضرغام)، والمستتر ماخلف الكلمة، أي ماخلف السطور، لأن (الكلمة) هنا قد تتاثر بأجواء الفعل والحدث ويعني باطنها غير ما يعنيه ظاهرها.
غير أنها لم تسطع أن تعطي لها معاني ودلالات غير ماتحملها صورة حروفها، فكان ينبغي عليها إيجاد العلاقة مابينها ومابين الشخصيات الأخرى بموجب ماتمليه عليها شخصيتها وفق تحليل شخصيته وإيجاد الأبعاد الثلاثه (البعد الطبيعي، البعد النفسي، البعد الاجتماعي).
(غادة عبدالرازق) تلك النجمة التى سحرتنا بطلتها الجميلة عبر شخصيات عديدة قدمتها في السينما والتلفزيون، وقوة موهبتها الطاغية، التى تمتلك ابتسامة غامضة تضئ وجهها، وتنير كافة الظلمات المتراكمة القابعة في أعماقها.
هى نفسها (غادة) صاحبة الألف وجه والتى تتجمع خصالها كلها في ابتسامة حارة، ونظرة حزينة والتصاقا حميما بنا وبأحلامنا ومشاعرنا المكبوتة ورؤانا الصغيرة، وآمالنا التى تقودنا أحيانا عكس الريح.
ماذا فعلت هذه الموهوبة الصارخة؟
والسؤال الذي بدر إلى ذهني بعد مشاهدة 24 حلقة من مسلسل (صيد العقارب) على مضض: ماذا فعلت هذه الموهوبة الصارخة بالإبداع الحقيقي حتى لا نراها بهذا الأداء المفتعل في مسلسل هزيل يخلو من مضمون حقيقي غير القوة والجبروت؟!
أيضا ماذا فعلت (غادة عبد الرازق) بنا وبنفسها، بعد فك الحجر الذي طال موهبتها ومنعها من الوصول إلى جمهورها العريض في الشارع المصري طويلا؟، صحيح أنها موجودة بقوة لكن من خلال فضائية عربية وليست مصرية!، لكن جاء أدائها للأسف بعد فترة إقصاء متعمد باهتا إلى حد كبير.
أسئلة حارة حارقة نطرحها على أنفسنا من جديد لأن (غادة عبد الرازق) ليست مجرد نجمة أحببناها، لكن لأنها موهبة متفجرة أسعدتنا طوال السنوات الماضية، ومازالت بهذه الموهبة التى منحها لها الله سبحانه وتعالى واختصها بها عن سواها.
ورغم أن الساحة تضج بأنصاف وأرباع المواهب التي لاترقى إلى التعلق بزيل فستان (غادة عبد الرازق)، التي تعد أهم وأنضج ممثلات هذا الزمن على مستوى تكنيك الأداء والحركة والتجسيد بكامل المشاعر المتدفقة وبكل جوارحها.
فقط كانت (غادة عبد الرازق) تحتاج لورق جيد يبرز قدراتها كممثلة مصرية، فعلى غير (صيد العقارب) برعت في العديد من الأعمال الدرامية التي تشكل علامات بارزة في الفن المصري الحديث.
دائما ما كانت (غادة عبد الرازق) تجيد في أدائها بألعاب تمثيلية احترافية تضعها فى مصاف النجوم الأوائل، وهى بالتأكيد فى كل مسلسل تدخله كانت تحرص على عناصر التشويق والغموض والإثارة، مثل الكثير من أعمالها السابقة.
وذلك من خلال وجود لغز فى المسلسل يخلق حالة من التفاعل الإيجابى مع الناس والجمهور، فكما هو مؤكد فإن الحيرة والقلق يزيد من المتابعة وانتظار الحلقات بفارغ الصبر، فضلا عن ذلك فإنه يصنع حالة من التخيلات والتخمينات والأحاديث عن العمل.
هذا ما تحبه (غادة عبد الرازق)
هذا ما تحبه (غادة)، وتعتبره نوعا من أنواع النجاح، لأن العمل موجه إلى جمهور، وما دام هذا الجمهور تفاعل مع المسلسل على هذا النحو، فهو دليل على قدرة المسلسل الفائقة فى جذب انتباه المشاهد، وهو على العكس تماما في تجربتها (صيد العقارب).
كنت أتوقع أن (غادة عبد الرازق) وبعد عدة تجارب منها من كان ناجحا ومنها من لم توفق فيه، أن تعود لنا من جديد في الموسم الرمضاني بمسلسل من أقوي مسلسلات رمضان وهو (صيد العقارب) الذي أظن أنه كان ينتظره الكثيرون غيري، لكن خابت آمالنا جميعا.
نعم كنا ننتظر ماذا ستقدم لنا (غادة عبد الرازق) من جديد يساهم في عودة بريقها وتألقها، وكان يبدو من البرومو أنها ستقدم موضوعا جديدا، بشخصيتها القوية التي اعتدنا عليها، قائلة: (أنا مش هرحم حد).
جملة تحمل معاني كثيرة قالتها (غادة عبد الرازق) خلال الإعلان التشويقي للمسلسل، ما كان ينبئ بأننا سنغوص في صراعات جديدة تواجه غادة في (صيد العقارب)، لكن للأسف أصيبت (غادة) بلدغة عقرب الإفلاس الذي نال من أدائها الخرافي المعهودة عليه.