بقلم: محمود حسونة
(أعلى نسبة مشاهدة).. سيد مفاجآت الدراما الرمضانية، عندما تم الإعلان عن خريطة الدراما، استبعد كثيرون هذا المسلسل من قائمة أولوياتهم، بعد أن اختاروا حسب أسماء الأبطال وموروث كل منهم الدرامي.
ومع انطلاق السباق لفت (أعلى نسبة مشاهدة) الأنظار، وتصدر التريند بشكل شبه متواصل طوال النصف الأول، وفي ذات الوقت سقطت مسلسلات يلعب بطولتها أصحاب باع في النجومية والتاريخ الدرامي.
لتفرض هذه المتغيرات على كثيرين تغيير قائمة الأولويات وحذف أعمال كبار ووضع (أعلى نسبة مشاهدة) في المقدمة، بعد أن احتل المقدمة مشاهدة وإبداعاً، إخراجاً وتمثيلاً وتأليفاً، صدقاً وواقعيةً.
الصدق الفني هو الطريق الممهد للوصول إلى قلوب الجمهور، وهو الذي يجبر من لا يشاهد أن يشاهد، وخصوصاً أننا في موسم المعروض فيه كثير جداً ووقت الناس ضيق جداً.
فمن يقتنص من وقته مساحة ليشاهد فيها مسلسلاً يريده الأفضل والأصدق، ولو ضل الطريق في البداية يغيره ليسقط من حساباته ويضيف إليها ما يشاء، فالكل يريد أن يشاهد عملاً صادقاً في طرحه، يناقش قضية حقيقية وحيوية، ويقدمها في إطار جذاب ومشوق ولا يخلو من الإثارة.
وهو ما وجده البعض في (أعلى نسبة مشاهدة)، وبالتعبير عن إعجابهم جذب المشاهدون بعضهم البعض حتى حقق (أعلى نسبة مشاهدة) أعلى نسبة مشاهدة.
الموضوع يمسنا جميعاً، بعضنا اكتفى به وسيلة تسلية وتضييع وقت وبعضنا توغل فيه واتخذه مهنة ووسيلة للكسب السريع، وحاول إغواء آخرين به سواء عن وعي أو جهل.
انحرف به بعض الشباب والفتيات عن الطريق السليم حتى وجدوا أنفسهم مذنبين في حق المجتمع ومتهمين أمام القضاء، الموضوع هو موضوع الغرق في عالم السوشيال ميديا وخصوصاً (التيك توك)، والذي اتخذته بعضهن وسيلة للشهرة، وبعضهن وسيلة للحصول على المال بأقل جهد.
انتصار ومحمد محمود
وهو ما فرض التورط في جرائم مجتمعية يعاقب عليها القانون، وبعضهن لازلن خلف الأسوار يقضين العقوبة.
مسلسل (أعلى نسبة مشاهدة) تدور أحداثه حول أسرة مصرية في أدنى درجات الطبقة المتوسطة، تعاني الفقر والعوز والمهانة، الأب (محمد محمود) خطاط، ولكنه بلا عمل دائم يضمن له مصدراً للدخل، والأم ( انتصار) ممنوعة من العمل ولكن تحت ضغط الحاجة تعمل في البيوت خلسة من دون معرفة الزوج.
لديهم ثلاث بنات، الكبرى وتدعى آمال (فرح يوسف) متزوجة من شاب انتهازي (إسلام إبراهيم) يسعى للكسب بأي وسيلة متاحة، بما في ذلك ابتزاز النساء، والوسطى طالبة في معهد وتدعى شيماء وتجسدها (سلمى أبو ضيف)، طيبة القلب فاقدة الثقة في نفسها وترى أنها محدودة الذكاء.
الصغرى تلميذة في مدرسة ثانوية وتلقب بـ (نسمة الكاريزما)، وتلعبها ليلى أحمد زاهر، مهووسة بالشهرة والثراء، تقنع شيماء بعمل فيديو مشترك من دون علم الأسرة وتنشره على التيك توك فيحقق نسب مشاهدة عالية بسبب صدق وخفة ظل وبساطة الوسطى.
تنهال عليها العروض، ويكثر الساعون للاستفادة منها، الكل يريد استغلالها بطريقته، لكن نتيجة سذاجتها تنفضح وتنفضح معها العائلة، وتتورط في جرائم اتجار بالبشر وتتم محاكمتها وسجنها.
معظم أبطال (أعلى نسبة مشاهدة) يعيشون بوجهين، وجه أمام المجتمع، ووجه خفي يسعون من خلاله لتجاوز أزماتهم وتحقيق طموحاتهم وتحسين مستوى معيشتهم، فالازدواجية لا تكون فقط في من يعانون نفسياً.
ولكنها أيضاً في من يعانون اجتماعياً واقتصادياً وأحياناً تكون ضرورة تفرضها ظروف الحياة، ودائماً ما تكون الطريق لارتكاب الخطايا في حق الذات وفي حق الأهل من دون وعي ولا إدراك.
شهادة ميلاد (سلمى أبو ضيف)
مؤلفة المسلسل (سمر طاهر) قدمت لنا نماذج من واقعنا، بشر يعيشون بيننا يعانون العوز والحاجة، ويداسون بالأقدام، ويتعامل معهم البعض على أنهم كائنات مخلوقة لكي يستغلها الأقوياء والأغنياء، حياتهم مستحلة وسمعتهم مهانة وقيمهم مستباحة.
والمخرجة (ياسمين أحمد كامل) نجحت في أن تتجاوز الكبار في تسكينها للشخصيات واختيارها لكل دور الأنسب، وفِي إدارتها للممثلين وباختيارها مواقع التصوير.
اختارت أن يكون مسلسلها حي مثل القضية التي تعالجها، صورت في بيوت حقيقية وشوارع نرتادها واتخذت من المارة الطبيعيين كومبارساً لتصل إلى أقصى درجات الصدق الفني.
(أعلى نسبة مشاهدة)، جاء بمثابة شهادة ميلاد نجمة جديدة هى (سلمى أبو ضيف) التي استطاعت أن تستخرج طاقتها الإبداعية في شخصية (شيماء)، بطيبتها وسذاجتها ووجعها وخطاياها.
جسدتها ببساطة تشبه الشخصية من دون ماكياج وباختيار واع للملابس وبمحاكاة حقيقية لبنات الأحياء الشعبية لهجة وتعبيراً جسدياً وتقمصاً بكل أدوات التعبير المتاحة.
ولم تكن (انتصار) في دور الأم أقل من (أبو ضيف)، قدمت أماً موجودة في معظم بيوت الأحياء الشعبية ملبساً وكلاماً وهماً ووجعاً على بناتها وحرصاً على مشاركة زوجها الهم والمسؤولية.
أما (محمد محمود) فرغم أنه أبدع في أدوار مختلفة خلال السنوات الماضية إلا أنه تفوق على نفسه، وبعد أن أضحكنا في معظم أعماله أبكانا في هذ المسلسل.
ولعل التي زادتها وبالغت بعض الشيء في الأداء كانت ليلى أحمد زاهر، أما (فرح يوسف، وإسلام إبراهيم) فقد أضافا إلى رصيدهما نقاطاً جديدة، و(إنعام سالوسة) فقد كان وجودها بمثابة فاكهة المسلسل.
(أعلى نسبة مشاهدة)، لم يكن مجرد رقم يتزاحم مع غيره في رمضان، ولكنه كان العمل الذي أراده صناعه مختلفاً بما يضمن تفوقه، مضموناً وتمثيلاً وإخراجاً.
واجهنا بمخاطر عالم الانترنت، وحذر أولادنا من السير في هذا العالم من دون وعي، ودق جرس الإنذار من إمكانية ارتكاب أحدهم أو إحداهن جريمة من دون أن يعلم أو رغماً عنه.
mahmoudhassouna2020@gmail.com