بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
فرحنا ونحن نرى سيف عنتر بن شداد يطيح برأس (محمود فرج) من فوق جسده الهائل، بعد أن خطف (عبلة) و هو يجرها في إذلال بالحبال خلف حصانه في دور الجحجاح الشباح.
وكرهنا (محمود فرج) في دور عصفور رجل العصابة الضخم في فيلم (الرجل الثاني) وهو يخرج من جيب بذلته شاكوشا (شايف أنا جايب لك ايه علشان أكسر بيه الجبس و بعدين أكسر دماغك.. شاكوش حلو.. تسمح .. بعد اذنك؟).
لينهال بالشاكوش على الساق الملفوفة في الجبس للرجل الطيب الذى شاهدنا (عصفور)، في مشهد سابق يفتعل معه مشاجرة واستفزازات تنتهى بكسر قدمه ليتم لفها في الجبس وإيداع المجوهرات المهربة بداخل لفائفة.
و ضحكنا على (محمود فرج) في شماتة في دور (مجانص) بعد أن أوشى بسمعة عند الشاويش (عطية) بأنه سارق لحلة الشوربة والتي هى في أصلها ماء غسيل المواعين ليمسك الشاويش بسمعة متلبسا (شوربة أصلى عايمه على وشها البهاريز).
لكن (سمعة) ينكر أنها شوربة.. يطلب الشاويش من (مجانص) أن يتذوق الشوربة فنتابع كل علامات الاشمئزاز وهو يشرب منها.. يسأله الشاويش: (هيه .. شوربه دى ولا مش شوربة؟.
ليرد (مجانص) بقوة وتأكيد و قرف: شوربة يا فندم.
كنا نخشى ظهور(محمود فرج) في دور البلطجى في صراع في النيل وهو يدبر المؤامرات لعمر الشريف.
و كنا نستعيذ من ظهور (محمود فرج) شبه عاريا عفريتا ماردا يخرج من الفانوس الصدئ الصغير بينما صدى صوته يتردد في جنبات غرفة (مصطفى) الخائف تحت السرير مرددا: (عفركوش ابن برتكوش.. من الجن الأخضر).
كذلك تابعنا (محمود فرج) في دور (نور مساعد الأمير عز الدين في فيلم أمير الدهاء مع فريد شوقى وتوفيق الدقن.
شر (محمود فرج)
كان شر (محمود فرج) يصل إلى قمة العنف وإلى قمة الكوميديا أيضا، مثل دوره في البلطجى (ميمو تابع) البلطجى الكبير (عبد التواب النمساوي) في فيلم (أنا وهو وهى) لفؤاد المهندس.
بلغ عدد الأفلام التي شارك فيها (محمود فرج) ما يزيد عن الـ 100 فيلم، بالإضافة إلى مشاركته في العديد من المسلسلات التليفزيونية المميزة منها دور (وحشي) قاتل حمزة عم الرسول – ص – في مسلسل (محمد رسول الإنسانية).
كما شارك في مسلسل (لا اله إلا الله).. قام بدور النجاشى في مسلسل (الكعبة المشرفة)، و قد بلغ من تنوع الأدوار التي يقوم بها أن شارك في (فوازير رمضان) عام 1987، (فوازير كريما – فاطيما – حليمة)، مع شريهان والمخرج (فهمى عبد الحميد).
ولد (محمود فرج) في الإسكندرية عام 1933 لأسرة متوسطة الحال، لكنها أسرة محبة للرياضة و العلم .. أحب الرياضة منذ طفولته وعشق الملاكمة حتى أصبح احد أبطالها في مصر، وبالمناسبة أسريا فإن (محمود فرج) هو عم المصارع الإعلامى كابتن ممدوح فرج.
حصل (محمود فر) على بكالوريوس من كلية تربية رياضية، وأيضا بكالوريوس من كلية تجارة، بالإضافة إلى دراسته في (معهد الخدمة الاجتماعية) لينتهى به مشوار الدراسة إلى تخرجه من (معهد الفنون المسرحية)، حتى أنه قام بالمشاركة في عدة مسرحيات لشكسبير على خشبة المسرح.
كانت شهرته في مجال الملاكمة هى سبب ولوجه أبواب السينما، حينما تم الاستعانة به في بدايته في مشهد واحد من فيلم (أيامنا الحلوة) لعبد الحليم حافظ، حيث شارك في مباراة مفتعلة مدفوعة الأجر مع (أحمد رمزي) على سطوح العمارة ليجذب أنظار فتاته إليه.. كان دور (محمود فرج) هو (شكرى الملاكم).
استعان به المخرجون في أدوار الشر، لكنه بقدرته وذكائه لم يقع في فخ الشر المطلق فقط، وإنما سعى لأن يؤدي الشر بكل ألوان الطيف.. الشر المطلق.. الشر الكوميدى.. الشر الجميل.. والشر المنفر.
(محمود فرج) في دور (حنظلة)
وحتى الشر المفتعل كما كان في دور (حنظلة) في فيلم (فجر الإسلام) مع (محمود مرسي) في اللقطة الشهيرة التي كان يشارك فيها المسلمين في تحطيم الأصنام ليصيح فجأة: (شلت يدى)!
وحينما تطلعت إليه أبصار الكفار في شماتة حرك يديه في الهواء ساخرا وهو يضحك: (إنها سليمة)!
شارك (محمود فرج) أيضا في فيلم إيطالي مشترك بعنوان (ابن كيلوباترا) عام 1962 مع يحيى شاهين و شكرى سرحان.
كان (محمود فرج) منذ تخرجه من كلية التجارة وهو يعمل بشركة الكهرباء إلى جانب التمثيل.. وقد تخرج وكيلا للوزارة .. كان اعتماده على معاشه لايغطى نفقات علاجه من مرض السكرى الذى هاجم جسده فجأة.. ليفقد معه إحدى عينيه وبتر إحدى قدميه.
حتى انه عجز في النهاية عن تسديد فاتورة الماء لصاحبة البيت الذى يسكن فيه، مما جعلها تسيئ إليه لتنهار حالته النفسية.. فقد أصبح من بطل ملاكمة وممثل شهير مجرد شيخ ضعيف تهزأ به امرأة.
كما أنه عانى من اختلاف القيم التي تربى عليها، ووصول المجتمع إلى درك أسفل من الأخلاقيات التي لم يعتد عليها.. تراكمت كل هذه الأحزان بداخله، فلم تتمكن الروح من معايشة هذا الكم البغيض في نفس الجسد لتفارقه إلى ربها يوم 5/7/2009.