بقلم: بهاء الدين يوسف
شدني حوار أجراه الفنان (باسم سمرة)، واستمتعت لفقرات منه على مواقع التواصل حول ظاهرة آخذة في التغول في الوسط الفني في السنوات الأخيرة، وهي اقحام (أولاد الفنانين) بنفوذ أهلهم دون أن يمروا بالطبع عبر القنوات الطبيعية للظهور الفني، مثل الالتحاق بالمعاهد المتخصصة في تعلم التمثيل والإخراج والكتابة وما إلى ذلك.
أضم صوتي إلى صوت أو صرخة الموهوب باسم سمرة خصوصا أن ظاهرة (أولاد الفنانين) بدأت في التوحش في الفترة الماضية، وظهرت بشكل مؤسف في دراما رمضان الحالية.
وهو أمر غريب على مجتمع كان رفضه لوراثة جمال مبارك حكم مصر من والده الراحل حسني مبارك أحد المحفزات الكبيرة لخروجه في ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ضد نظام مبارك حتى أجبر الرئيس على التنحي.
قد يقول قائل أن ظاهرة (أولاد الفنانين) ليست مقتصرة على الفن فقط بل بدأت تنتشر في الرياضة كذلك، وهناك عشرات اللاعبين الشباب حاليا في فرق كبرى مثل الأهلي والزمالك من ابناء اللاعبين السابقين.
بل أن بعضهم يتم اختياره للمنتخبات الوطنية، وهناك واقعة حدثت قبل فترة عن منتخب للفئات السنية حفل بأولاد اللاعبين السابقين.
كذلك فإن ظاهرة (أولاد الفنانين) منتشرة ومنذ عقود في أوساط أخرى مثل القضاء الذي يمتلئ بأولاد القضاة حتى لو كان بعضهم لم يحصل على التقدير الفائق في دراسته الذي يشترط القانون الحصول عليه كأحد مسوغات التعيين في السلك القضائي.
كما أن الفكرة نفسها منتشرة في العديد من المهن الأخرى، فالطبيب يجبر أولاده على تعلم الطب حتى يتسلموا منه أعماله سواء كانت عيادة أو مستشفى، والمحامي كذلك يدفع ابنه لدراسة الحقوق حتى يكمل مسيرته والصحفي يدفع أولاده دفعا للعمل في الإعلام للاستفادة من نفوذ والده أو والدته في نفس المجال.
وغني عن القول إن كثيرين من المسؤولين بدأوا يستعينون بأولادهم كمقدمة لإسناد مناصب رسمية لهم.
فكرة (أولاد الفنانين) فاشلة
يقيني الكامل بأن فكرة (أولاد الفنانين) فاشلة وتخل بمبدأ التكافؤ الاجتماعي بين كل أفراد المجتمع، فإن لها تبعات سيئة على كل مجال، خصوصا إذا كان الأولاد غير مؤهلين للعمل الذي سيرثونه عن والدهم، سواء كان القضاء في مشاكل وحوائج الناس أو علاجهم أو الكتابة عنهم في وسائل الإعلام.
لكن مشكلة (أولاد الفنانين) تتفاقم أكثر حين تكون الوراثة في أعمال تحتاج إلى مواهب خاصة ولا تقف فقط عند حدود التعلم مثل الفن بالتأكيد، ففي حالة عدم امتلاك الأبناء للموهبة لن تكون الأزمة فقط مقتصرة على عدم استمرارهم في المجال الفني، ولكنها سوف تمتد بالتأكيد للتأثير على جودة الأعمال الفنية المنتجة.
كيف سيكون هذا التأثير؟!، لأنه أمام كل ابن من أبناء الفنانين اقتحم المجال بنفوذ والديه، هناك شخص موهوب تم استبعاده، ولم يحصل على فرصة في عرض موهبته، وبمرور الوقت سنجد أننا أمام مجتمع فني عائلي تتحكم فيه العلاقات الشخصية وربما (الشللية)، وهو مجتمع طارد للكفاءات والمواهب الحقيقية.
ما كشف عنه (باسم سمرة)
فأي جودة وأي تأثير يمكن أن ننتظره من مجتمع فني بهذه التركيبة؟!، بالتأكيد الإجابة معروفة خصوصا في ضوء ما كشف عنه (باسم سمرة) في حواره الجرئ، أن هناك مئات الشباب الموهوب في مختلف محافظات مصر لم يجد فرصة واحدة للتعبير عن موهبته أو للظهور في وسط يهيمن عليه (أبناء الفنانين).
كذلك هناك عشرات الأمثلة (ولا داعي لذكر أسماء بعينها) على حالات لـ (أولاد الفنانين) اقتحموا المجال الفني (بالعافية)، لكنهم لم يستمروا لافتقاد اغلبهم الموهبة اللازمة، أو لموت الوالد أو الوالدة الذي كان يفرضهم فرضا في أعماله الفنية.
حتى أن البعض منهم كان ينتج أعمالا درامية من ماله الخاص فقط للمساعدة في حصول أبنه او أبنته على نجومية فنية لا يستحقها.
يحلو لنا من وقت لآخر التغني بأمجاد مصر الفنية في عصور سابقة، لكننا لا نتوقف كما ينبغى لنا أن نفعل عند بعض الحقائق التي صنعت جودة الفن في تلك العصور مثل غياب ثقافة التوريث عند الأجيال السابقة.
فلم نكن نسمع عن أن عمر الشريف أو أحمد رمزي أو نور الشريف وغيرهم من كبار الفنانين كانوا يفرضون اولادهم في أعمالهم الفنية، ولهذا كانت هناك فرصا حقيقية لأصحاب المواهب لدخول المجال الفني والتألق فيه.
أخشى مع تفشي ظاهرة التوريث الفني في مصر أن نصل الى مرحلة نجد فيها فنانين يمثلون ويغنون بالعافية بنفس منطق الفنان فريد شوقي في شخصية (حسن أبو الروس) تاجر المخدرات في رائعة نجيب محفوظ (بداية ونهاية).
حينما كان يدندن باغنية (والله زمان زمان والله) بصوته الأجش، وعندما اعترض أحد المستمعين كان نصيبه نطحة معتبرة من المغني البلطجي.