كتب: محمد حبوشة
معروف أن المعالجة هى بناء أولى (شبه درامي) للسيناريو، بمعنى أنه توسيع وتطوير للتقديم للحدوتة، وهو مالم يكن متوفرا في سيناريو وحوار مسلسل (سر إلهي)، لكن يبقى أداء الفنانة المبدعة (روجينا) هو اللافت للانتباه، بل لعلها أنقذت المسلسل من ضعفه الواضح.
تعني المعالجة: التطوير القوى لقصة واحدة، لها محور رئيسي واحد قوى، وإن كان من الممكن تقديم قضايا جانبية وحكايات فرعية، إلا أنها تبقى تابعة للخطة الرئيسية، وخاضعة لها.
وللمعالجة ثلاث مهام: المزيد من تحديد البؤرة المقترحة للسيناريو، وتجسيد القصة، وإضفاء الإحساس العاطفي على تناول القصة، ويسير التجسيد مع زيادة تحديد البؤرة جنبا إلى جنب، والغرض من ذلك أن تدون القصة بالقدر الكافي من التفاصيل.
ولقد لفت نظري في أثناء مشاهدة مسلسل (سر إلهي) أن تجسيد شخصية (نصرة) التي لعبتها (روجينا) بحرفية شديدة، بحيث يجري الكشف عن العيوب ونقط الضعف في السناريو، ويتم علاجها بأداء قوي يقوى على تجاوز عيوب السيناريو.
إقرأ أيضا : ستهم.. دراما اجتماعية مهمة غابت عن خيال (المتحدة) للأسف!
بدت لي (روجينا) ممثلة متمكنة بإضفاء الإحساس العاطفي، وهذا أمر مختلف إلى حد ما، فقد تمكنت من خلق جو من الإثارة، والمحافظة على بقائه، بأمل أن يشعر به المشاهدون، عندما يشاهدون النسخة النهائية للمسلسل.
والسيناريو في أغلب مراحله هو خطة عمل في جوهره، مجموعة من التعليمات للممثلين ولطاقم الفنيين، تأتي بلغة وتناول واقعي، ويسمح باندفاع العاطفة وتدفقها، لأن هذه العاطفة، هى بمثابة القلب النابض للمسلسل، في صورته النهائية.
أما معالجة (أمين جمال)، فهى على النقيض، فلم تمنح الفرصة لتدوين كل هذه الأمور، حيث فشل في تسجل الحالة النفسية، وتجريب التأثيرات العاطفية، ولم ينجح في اللعب بالأحاسيس في طريقة السرد، فجاءت الأحداث عشوائية بفعل الانفعلات والعصبية.
فشل سيناريو (أمين جمال)
ولأن (أمين جمال) اعتاد على العمل في (ورش الكتابة)، فانفراده بكتابة مسلسل من الألف إلى الياء) يصعب التعرف عليه في (سر إلهي) وتمييزه في عيون المتفرجين، ومن ثم فشل في أن يقدم لقطة تأسيسية أو لإعادة التأسيس.
بحيث توضح العلاقة بين الأشخاص والخلفية، وتختلف الأمور إلى حد ما في معالجة القصة، التي تقوم عناصرها على الشخصيات والمواقف والأماكن وما إلى ذلك:
فلم يتم تأسيس الشخصيات في وجودها الجسماني، ولكنه حاول أن يؤسس صفاتها المميزة، وعلاقاتها وردود أفعالها بالنسبة لبعضها بعضا، والانطباعات المطلوب تركها على المتفرجين.
المواقف في (سر إلهي): هى أوضاع الأمور التي تجد فيها الشخصيات نفسها، في علاقة مع الفكرة الأساسية، وأحيانا تشكل هذه الأوضاع مأزق وورطات، أي مواقف تثير عواطف غير سارة، عند بعض الشخصيات، وفي أحيان أخرى لا تفعل هذا.
وأيا كان الموقف، في وقت محدد وفي مكان محدد، فمن الضروري معالجته بوضوح قاطع، ومن هنا استطاعت روجينا بأدائها الاحترافي الصعب، أن تتجاوز عيوب السيناريو وتقدم مباراة قوية في الأداء مع باقي فريق العمل التمثيلي.
على مستوى الأماكن في (سر إلهي): من الواضح أن كل قصة تمثل أحداثها في مكان واحد أو أكثر، وقد فات على الكاتب أحيانا أن يدرك أن لهذه الأماكن سماتها الشخصية، مثلما هو الحال مع الشخصيات.
وعلى ذلك كان ينبغي تحديد هذه السمات على الورق عند معالجة القصة، بوصف مناسب موجز، مع تسجيل روح البيئة الشعبية التي غلبت على أجواء مسلسل (سر إلهي).
(سر إلهي).. فيلم هندي
لم يراعي كاتب مسلسل (سر إلهي) الحالة النفسية للشخصيات الرئيسية والفرعية، مؤكدا على أنها تختلف من مشهد لآخر، بل ومن جزء داخل السيناريو إلى آخر، فقد بدأ المسلسل بمشاهد متماسكة
سرعان ما تحولت إلى فيلم هندي مع تطور الأحداث.
كما أن معالجة القصة في مسلسل (سر إلهي) لا توضح هذا العنصر الحيوي، لا تؤدى مهمتها بالكامل، ولكي يكتسب المسلسل بداية جيدة، كان يلزم تحقيق شيئين، هما الرباط والإصرار، ولكل منهما أهميته القصوى ويتضح ذلك في الآتي:
يبدأ المسلسل بمحاولة للاستحواذ على اهتمام المتفرج، ويتم ذلك من خلال استخدام الظهور التدريجي للحدث، أو الحركة، من أجل إثارة حب الاستطلاع، أو أي إحساس آخر، وبقدر كاف لدى المتفجرين لإغرائهم على الاندماج في القصة، وهى تنمو وتتطور.
ويسمى هذا الرباط في التليفزيون (المثير)، الذي يقوم بعرض أي شئ، من تورط (نصرة) في قتل (هارون)، وتطور الأحداث على نحو صحيح يصنع التشويق والإثارة من حلقة إلى أخرى.
فلم يحقق (أمين جمال) قاعدة أن (كل ما يهم أن ما يظهر يلزم أن تكون له إمكانات حدوث عواقب مؤلمة، أو مثيرة، لشخص ما، على أحد المستويات، بحيث يظل المتفرجون في توقع للتطور الدرامي، الذي سيحدث أمامهم).
كان يلزم أن يكون لكل شخصية رئيسية في (سر إلهي) قصة هدف، تهتم بأن تحققه داخل إطار الموضوع أو الفكرة الأساسية، وتبدأ القصة، عندما تتعهد شخصية (نصرة) بتحقيق الهدف، وتصر على ذلك.
مهارة وحذق (روجينا)
ربما كان هذا التناول البسيط في (سر إلهي) يبدو غريبا لأول وهلة، إلا أنه كان صالحا للعمل إلى حد ما، من خلال أداء (روجينا) إذ استخدمت بحذق ومهارة، كي تنقذ السيناريوهات الضعيفة.
ولقد هيأت (روجينا) كل الخطوات التمهيدية التي سبقت لحظة التعهد والإصرار، وتحركت شخصية (نصرة) الرئيسية خلال هذا المشهد وذاك، وخلال أحداث متنوعة هنا وهناك، وكلها بلا قصد واضح وبلا هدف من جانب كاتب السيناريو، فلا يصح أن تبنى قصة لا يكون للشخصية الرئيسية فيها هدف واضح غير الانتقام المفرط.
ومن جهة أخرى، كان من المهم عدم الدخول في الموضوع قفزا، إذا كان الحكم المتأني في صالح الدخول الهادئ، ومن الحكمة أن يبنى كل شئ تبعا لإصرار الشخصية.
فمثلا، قد نبدأ بتوضيح الموقف، والكشف أن الشخصية يمكنها أن تتخذ اتجاهين أو أكثر، وقد يبدو للشخصية أنه ضرب من الجنون أن تختار طريق الكفاح والنضال، ولكن المتفرجين يتوقعون أن تسلك (نصرة) هذا الطريق.
ويتبع ذلك أن شخصية (نصرة) في (سر إلهي) عندما تقرر أن تخوض المعركة – على الرغم من كل المصاعب – فإنها تحاول رضاء المتفجرين حتى يصل إلى قمته، كما يلاحظ أن الشخصية أحيانا تكافح لكي تحتفظ بشيء، وليس لتحصل عليه.
بين البداية والنهاية كافحت (نصرة) معتمدة على أداء معبر من جانب (روجينا) الشخصية ضد المصاعب والمشاكل، لكي تصل إلى هدفها، في سلسلة من المواجهات المتتالية، وتعني المواجهة، وحدة الصراع، التي تعرف أحيانا باسم (المشهد الدرامي).
كان ينبغي أن يكون الهدف في تخطيط المسلسل، هو تحديد سلسلة من التطورات المنطقية غير المتوقعة، تثير الاهتمام بالقدر الكافي الذي يشد المتفرجين إلى القصة، وإن كانت التجربة تدلهم على أن البطل سوف ينتصر حتما، إلا أن الطريقة التي سينتصر بها ينبغي أن تكون مفاجأة سارة، ومثيرة لهم.
ويعني كل ذلك أن جدارة شخصية (نصرة) الرئيسية وهى تواجه شرا أو معارضة متخفية، أصبحت اليوم مقبولة لتبرير اعتداءات ممكنة، على ما كان يعد بالأمس من المبادئ الأولية للأخلاقيات.
الحبكة البلهاء في (سر إلهي)
ظني أن الحبكة البلهاء في (سر إلهي) التي تضمنت شخصية أو اثنتين من الشخصيات الرئيسية، التي تتصرف كما يتصرف البلهاء، حتى يمكن للقصة أن تكتمل، وهذه هى القصص التي تتضمن أبطالا يتحدون القتلة المجرمين.
ولتجنب مثل هذه البلاهة، كان لابد أن تكون هناك تساؤلات في ذهن الكاتب، حول تصرف هذه الشخصيات بهذا الأسلوب، وهل هناك ضغط كبير عليها، بحيث يمكن، في مثل هذه الظروف، أن يتصرف شخص عادى – غير متخلف عقليا – مثل هذا التصرف؟
من المستحيل أن يكتب سيناريو، أو يصنع مسلسلا مثل (سر إلهي) دون فكرة جديدة ومبتكرة، كما لا يمكن إعداد مسلسل دون استخدام الرموز، فالرمز شئ يمثل شيئا آخر، على أساس من العلاقة أو الارتباط أو العرف أو ما إليها.
وعندما يقرر الكاتب أن يدخل رموزا معينة في السيناريو، فإنه يخاطر مخاطرة كبيرة، لأن الحيلة التي تبدو واضحة وقاطعة، قد تفقد وقعها تماما على المتفرجين، وكان من الحكمة أن يتجاهل كاتب السيناريو هذا الجانب كلية.
لأن الرموز ستظل موجودة، وليترك للمشاهدين معرفة ماذا يعني كل منها، وأفضل من هذا، أن يستخدم كاتب السيناريو رموزا رئيسية واضحة في عمله يعرفها الناس.
إن المسلسل الجيد هو ـ غالبا ـ إحساس في المقام الأول، ومهمة كاتب السيناريو في مرحلة المعالجة، أن يسجل هذا الإحساس على الورق، فيبدأ بالتأكيد، بكل وضوح، أن الدافع لكتابة شيء ما، يعني في أغلب الحالات، أن الموضوع يتضمن عنصرا مثيرا للاهتمام.
ويطبق هذا المقياس لتحقيق الإثارة، لكل مشهد من المعالجة التي تكتب، مع ضرورة تجاهل خطوط الحبكة وحيل الوصل، ويجري التساؤل ـ عادة: ما هو الذي يملكه الكاتب عن كل شخص ومكان وحدث، في كل جزء من الحوار؟
وفي ضوء ذلك تدون اللمسات المثيرة على الورق، ومنها تكتب المعالجة، ويسجل الإحساس التي تثار أثناء تنفيذ العمل، كما تسجل الأفكار بالفعل المضارع، وليس الماضي، ويبحث عن الكلمات والعبارات التي تساعد المشاهد.
كما تساعد أيضا على الإحساس، لا بالحقائق الجامدة لما يحدث فقط، بل أيضا بالحالة النفسية واللون والتوتر والروح والنغمة، ومن المهم أيضا استخدام أفعال الحركة إلى أقصى حد، وكذا الأسماء التصويرية.
(روجينا) أنقذت العمل
خلاصة القول أنه على الرغم من ضعف السيناريو والحوار لمسلسل سر إلهي، إلا أن أداء (روجينا) أنقذ العمل، حيث تجيد فعل التراجيديا، ومعروف أنه يختلف بطل (التراجيديا) عن بطل (الكوميديا)، وبين الطرفين فارق بعيد في المظهر والمشهد.
فبطلة (التراجيديا) الفنانة (روجينا) تمتلك من الخصوصية والتميز ما ليس لغيرها وعندئذ على الممثل الذي يؤدي دور هذا البطل أن يثير انتباه المشاهدين ويحرك أشجانهم ببراعة أدائه وإتقان دوره، وأن يخلط بين الخطيئة والبراءة وإظهارهما حسب الأصول والقواعد.
ولهذا سعت روجينا في (سر إلهي) إلى استخدام لغة خاصة بها، والتي هى الأساس والقاعدة والمحرض الأكبر في الدراما، فإذا أجاد الممثل دوره في الإلقاء استطاع لفت انتباه المشاهدين وإثارة عواطفهم إثارة جياشة، كما يستطيع أن يجعل الخبر العادي خبرا دراميا مثيرا يجذب المشاهدين.
(محسن منصور).. حالة خاصة
أما (محسن منصور)، فهذا ممثل يمثل حالة خاصة في (سر إلهي)، ولعله هنا – على قلة مساحة الدور – يثبت أنه من قليل من الفنانين من يتقن أدوار الشر والطيبة في آن واحد، وأن يقنعك حين يقدم شخصية الشرير أو المجرم ويبكيك حين يقدم أدوار الخير والطيبة.
وهو بحق أحد أسطوات التمثيل القادرون على الإبداع فى أى دور يقومون به سواء شر أم خير، فعلى الرغم من أنه يأتيك بملامح غليظة، ووجه عبوس، وموهبة كبيرة، وعرف طريقه إلى أدوار الشر في الدراما المصرية.
إلا أنه يحاول أن يخلط الشر بالكوميديا في معادلة مختلفة يسعى من خلالها أن يتهرب من (إكليشيه) الشر، خوفا من أن يظهر على شاشات التليفزيون بشكل نمطي يضعه في خانة واحدة.
كما يحسب حسن الأداء في مسلسل (سر إلهي) لباقي فريق العمل وعلى رأسهم (أحمد بدير، محمد ثروت، نهى عابدين، مراد مكرم، مي سليم، محمود حجازي، أحمد سلامة، يوسف الأسدي، مريم أشرف زكي في ثاني تجاربها)، لكن جاء أداء (رنا رئيس) نمطيا يخلو من إضافة حقيقية، غير الشحتفة التي عهدناها عليها.
وللحقيقة: اجتهد المخرج (رؤوف عبد العزيز) في أن ينقذ المسلسل من خلال تركيزه على وجوه الممثلين، ونجح في إظهار تعبيراتهم الحية والموحية، لكن الحوار لم يساعده، لأنه كان سطحيا مباشرا لا يخدم الحبكة الدرامية.