بقلم: محمود حسونة
قبل الدخول في التفاصيل السلبية لمسلسل (نعمة الأفوكاتو) لابد لي من القول: أن الموهبة تحتاج إلى من يوظفها بشكل سليم، والذكاء يحتاج إلى من يحسن استغلاله فيما ينفع الناس ويسهل الحياة.
الموهبة والذكاء نعمتان من الخالق عز وجل لا يُحسِن البعض استخدامهما، والعالم فيه مَن رفعتهم مواهبهم إلى المجد وفيه من حاصرتهم الموهبة وأخذتهم إلى الفلتان والغرور، شطحوا معها وحلقوا بعيداً عن المعقول والمنطقي والواقعي ليسقطوا في القاع.
وفي العالم من استغلوا ذكاءهم وقدموا ما يفيد البشرية ويضيف إلى الرصيد الإنساني، وفيه من استغلوا ذكاءهم في تقديم ما يخصم من الرصيد الانساني ويهدم القيم ويسهّل القتل والإبادة وارتكاب الخطايا.
لدينا الكثير من المواهب الفنية التي سقطت في الطريق بسبب عجزها أحياناً وأنانيتها أحياناً، ولدينا الكثير من المواهب التي بلغت القمة وجلست وتربعت عليها سواء في التمثيل أو الإخراج أو التأليف أو غير ذلك من عناصر الإبداع الفني.
إقرأ أيضا : بجملة (يا بنت الكلب).. أبكى (كمال أبو رية) الجمهور في (نعمة الأفوكاتو)!
(محمد سامي) مخرج مسلسل (نعمة الأفوكاتو) موهوب في الإخراج، أثبت قدرته على تقديم خلطة درامية يلتف حولها الناس، صانع جيد للإثارة والتشويق، ورغم ذلك أصبح كتاباً مفتوحاً أمام الجمهور.
فبمجرد أن يتعرف الناس على شخصيات أعماله يتوقعون تفاصيلها اللاحقة وهو ما يقضي على مهاراته في صناعة التشويق، أما البطل عنده فملامحه معروفة، بطل شعبي جدع، ابن بلد شهم، يعيش لأجل المحيطين به.
لا يخطئ في حق أصحابه، يعطي من قلبه لمن يحبهم ولا ينتظر منهم مقابلاً حتى يكتشف خيانتهم أو كراهيتهم له أو تآمرهم عليه، لينقلب من بطل معطاء إلى منتقم جبار لا يرحم.
(مي عمر) بملامح محمد رمضان
كان البطل عند (محمد سامي) دائماً رجل، وفي هذا الموسم جعله امرأة، امرأة بملامح الرجال وسلوكياتهم؛ في مسلسل (نعمة الافوكاتو) شاهدنا (مي عمر) بملامح محمد رمضان في (الأسطورة، البرنس، جعفر العمدة).
أربعة أعمال جذبت الجمهور وخصوصاً الطبقات الشعبية، العدد أربعة والجوهر واحد مع تغيير في الأسماء والمهن وطبيعة العلاقة التي تربط البطل بباقي المشاركين.
فالبطل عند (محمد سامي) هو المحور، هو الشمس التي تدور حولها الكواكب، يتساوى في ذلك (جعفر العمدة) مع (ناصر الدسوقي) مع (رمضان البرنس) مع (نعمة سعيد أبو علب)، بطل يلتف حوله الجميع.
الكل نال من خيره وإحسانه ولكن البعض جحد وتآمر وتربص والبعض أوفى وأحب وقدر؛ بطل أعطى ولكنه لا يقبل بالنكران ولا يرضى بالجحود ولا يتنازل عن الانتقام من الجاحدين، لديه لكل فعل رد فعل يفوقه في المقدار.
وأساليب الانتقام عند (محمد سامي) متشابهة بصرف النظر عن ما إذا كان بطله ميكانيكي سيارات أو كبير في منطقته أو محامي.
(نعمة الأفوكاتو) محامية شاطرة، الأولى على دفعتها كل سنوات الدراسة بالحقوق حسب تأكيدات المسلسل عدة مرات، تفوقت على أساتذتها في الجامعة وفي المهنة وفي الحياة، وممن تفوقت عليهم والدها وهو في ذات الوقت مثلها الأعلى.
تتخذ من مقهى شعبي مقراً لمكتبها تدرس فيه القضايا وتلتقي الزبائن، يقصدها رجل أعمال ويعرض عليها 10 ملايين جنيه حال نجاحها في تبرئة ابنه الوحيد من قضية يتهم فيها.
تكسب القضية وتحصل على الملايين العشرة، تعطي والدها والمحيطين بها منهم اثنين، وتعطي زوجها الفاشل الذي تنفق هى عليه منذ زواجهما منهم ثمانية بدعوى كسبه قضية قديمة.
الفلوس تغيره وتصيبه بالغرور وتدفعه للزواج بغيرها، تذهب إليهما وتثور عليهما، تقتلها زوجته الثانية ويأخذا جثتها سوياً ويدفناها، لم تمت بل دخلت في غيبوبة، ثم عادت لترى عزاءها بنفسها وتقرر الانتقام من الزوج المخادع وزوجته الجديدة.
رحلة الانتقام بها الكثير من الخطط والتفاصيل التي توحي للمشاهد أنه أمام امرأة خارقة القدرات والذكاء وتحريك البشر وفق إرادتها، بل هي شمشونة النساء التي تخطط وحدها ولا تطلع أقرب الناس على خططها.
نعمة الأفوكاتو) عمل ناجح جماهيرياً
وتتخذ منهم أدوات للمساعدة في التنفيذ، تتفنن في اللعب بزوجها وضرتها، وباعتبارها خارقة تظهر لهما في بيتهما وتحاصرهما رعباً وإذلالاً بشكل يخلو من أي منطق.
(محمد سامي) قدم نعمة الأفوكاتو) عملاً ناجحاً جماهيرياً ضمنه التوليفة التي تستهوي الحالمين ببطل شعبي يقهر الظلم وينتقم من الخائن ويتلاعب بمشاعر الموجوعين من أقرب الناس.
وهى توليفة جربها في (الأسطورة والبرنس) وتفوق بها في (جعفر العمدة)، وأصبحت مضمونة بالنسبة له، واتخذها وسيلة أنسب لتقديم زوجته (مي عمر) نجمة ومنافس في الموسم الدرامي الأهم.
ومي بدورها انتهزت الفرصة واستخرجت ما بداخلها من طاقة فنية لتصيب الهدف وتحقق المبتغى وتخرج رابحاً أكبر، ورغم النجاح فإن (نعمة الأفوكاتو) التي شارك في كتابتها مع (محمد سامي) السيناريست (مهاب طارق) ليكررا سوياً تجربة (جعفر العمدة).
ولكنها تجربة خالية من ما ينفع الناس وما يمكث في العقول، ومليئة بالزبد الذي يذهب جفاءً ولا يترك أثراً في الوجدان الجمعي، بل ويكرس للاعتماد على النفس في الانتقام واسترداد الحق بعيداً عن القنوات الشرعية.
وعندما يصدر كل ذلك من سيدة مهمتها الدفاع عن الحق وإعلاء القانون على الجميع فإنها تأتي بمثابة دعوة لعدم الاعتراف بالقانون وسيلة لنصرة وإنصاف المظلوم.
(محمد سامي) كرر نفسه مخرجاً وكاتباً، و(مي عمر) ارتقت درجات في سلم النجومية، و(أحمد زاهر) في دور (صلاح) لا يختلف عنه في (فتحي البرنس) وغيره، وسلوى عثمان واصلت النواح.
بينما تألق (كمال أبو رية وعماد زيادة)، أما وجود (لبنى ونس، وولاء الشريف وأروى جودة) فلم يكن أكثر من مجرد حضور في العمل.
(نعمة الأفوكاتو) مسلسل تشاهده ولا تتقبل مضمونه، تستمتع به مؤقتاً ولا تريد أن تتذكر أحداثه، تتلهف عيناك لمتابعته ويرفضه عقلك ما دمت تبحث عن منطق للأشياء وعن رسالة الفن.
mahmoudhassouna2020@gmail.com