بقلم: محمد حبوشة
أعرف جيدا أن البحث عن الاختلاف والرغبة في التجديد أحد التحديات التي تواجه الفنانة السورية (جومانا مراد)، إذ تحرص دائما على انتقاء الأدوار بعناية، لتخوض مع كل عمل تجسده رحلة جديدة في الشكل والأداء.
فقد برعت جومانا خلال السنوات الأربع الماضية في اختيار أدوارها في مسلسلات (خيانة عهد، عام 2020، زي القمر – 2021، بابا المجال – 2023، وتصورنا أنها بلغت الذروة في مسلسلها الرماضي العام الماضي (عملة نادرة).
لكن (جومانا مراد) عادت هذا العام بقدرات أدائية أكبر على اجتياز الأصعب في مسلسل (عتبات البهجة)، ويبدو واضحا من خلال أداء (جومانا) أن مراحل بحث وتحضير استغرقتها للخروج بشخصية (نعناعة) بعيدة عن الشكل النمطي الشعبي.
وحتى لا تقع في فخ التكرار إذ سبق لها تجسيد دور السيدة الشعبية، لكنها تطرقت إلى التحديات التي واجهتها لخروجها بشكل جديد ومختلف، بالإضافة إلى مشاركة أجيال مختلفة في المسلسل.
بالتأكيد، فإن أحد العوامل المميزة التي دفعت (جومانا مراد) لخوض هذه التجربة إذ جسدت شخصية لم أتطرق إليها من قبل من حيث تفاصيلها وتحولاتها سواء في الحزن والفرح والقوة، وهو ما يؤكد سعيها إلى الاختلاف وتجسيد دور جديد في أي عمل تشارك فيه.
بالإضافة إلى أنها أردت أن تسجل في أرشيفها الفني التعاون مع الفنان الكبير يحيى الفخراني، بجانب عامل الإخراج فكان مهما بالنسبة لي ووجود المخرج الكبير مجدي أبو عميرة، في عمل من معالجة الكاتب مدحت العدل، فكل هذه عناصر ودوافع قوية وناجحة تحمس أي ممثل على خوض التجربة.
(نعناعة) في (عتبات البهجة)
صحيح أن شخصية (نعنانة) التي جسدتها (جومانا مراد) شعبية بالمقام الأول والأخير، وسبق لها تجسيد العديد من الأدوار الشعبية مثل (مراسي) في (بابا المجال) و(نهلة) في (كباريه)، لكن شخصية (نعناعة) في (عتبات البهجة) تختلف في تفاصيلها وملامحها.
فعلى حد قولها: هي سيدة شعبية، لكن تحولاتها وتطوراتها وتفاصيلها مختلفة، وكنت حريصة على تجسيدها بشكل لا يتلامس مع أي شخصية شعبية لي، وخصوصًا شخصية (مراسي) التي علقت في أذهان الجمهور وتفاعلوا معها.
لكن كيف تغلبت على تجنب هذا التشابه؟
تقول (جومانا مراد): الحقيقة أنني كنت أعيش حالة من التحدي والقلق في أثناء تجسيد هذه الشخصية، لذا حرصت على التركيز والتدقيق في تفاصيل (نعناعة) والمذاكرة الجيدة لها، وفهم تطوراتها ودوافعها، وحركاتها ونظراتها حتى طبقة صوتها.
بدت لنا (جومانا مراد) في شخصية (نعنانة) تبحث عن قوت يومها، لكنها لا تنحني وتظهر أمام الجميع أنها قوية رغم أن بداخلها ضعف، وهذه الشخصية تتماس مع شخصيات كثيرة تعيش بيننا، لذا كان فهمها سهلا عليها، وأجتهدت في تجسيدها بشكلها المناسب.
بجانب إضافة (جومانا مراد) بعض اللمسات في مظهر الشخصية التي أضافتها، ومن ثم حظيت بردود الفعل الإيجابية على الشخصية، فالجمهور أحب شخصيتها وخفة ظلها، وتعاطف معها أيضًا.
من كرسى المذيعة إلى عرش النجومية، نجحت (جومانا مراد) فى حفر اسمها وحجز مكانتها فى الصفوف الأولى لنجمات جيلها بموهبتها وسعيها المستمر نحو التطور والاختلاف والمثابرة حتى تحقق ما تتمناه.
وها هى الفنانة (جومانا مراد)، شاركت فى الموسم الرمضانى الحالى من خلال مسلسل (عتبات البهجة) والذي يحمل خلاله نسائم المحبة والسعادة والبهجة بنكهة كوميدية شبابية خاصة.
(جومانا مراد) ودور الفتاة الشعبية
بالفعل، قدمت (جومانا مراد) دور الفتاة الشعبية أكثر من مرة، ولكنها هذه المرة حاولت التغيير بتفاصيل شخصية (نعنانة) والتجديد بها حتى لا تكرر نفسها أمام الجمهور.
جاءت (نعناعة) فتاة شعبية، والمعتاد أن تكون محجبة ولكن بطريقة تشبه المناطق الشعبية التى تعتمد على الاحتشام أكثر، إلى جانب العباءة وهو الشكل الذى ظهرت به نعناعة وساعدها فى ذلك ستايلست المسلسل مايا حداد.
هذا إلى جانب تفاصيل الشخصية التى برعت في الانتقال معها بين لحظات القوة والضعف فى داخلها خاصة مع الظروف الصعبة التى تعيشها مع شقيقتها (فلة) وزوجها، فى تحد كبير بحياتها.
استطاعت (جومانا مراد) تحويل (نعنانة) إلى شخصية حقيقية من لحم ودم يتفاعل معها الجمهور، وعايشت الشخصية التى تجسدها حتى صدقها الجمهور، وجاءت (نعناعة) قوية لأنها تبحث عن قوت يومها ولا بد أن تكون صلبة حتى وإن كانت ضعيفة من داخلها وتواجه صراعات داخلية.
كانت (جومانا مراد) فاكهة (عتبات البهجة)، ولفت عددا من الجمهور بموهبتها، خاصة أن دورها مختلف كثيرا عن الأدوار الشعبية التي قدمتها سابقا في أعمالها مثل (مراسي) في (بابا المجال) أو دورها في فيلم (الفرح)، فضلا عن اتقانها للهجة المصرية بشكل جيد.
معروف أن (جومانا مراد) تحب لعب دور الفتاة الشعبية، ولهذا تحمست لشخصية (نعناعة)، فالعمل – من وجهة نظرها – اجتماعي عصري يبحث عن السعادة بمفهوم مختلف وبسيط، و(نعناعة) بسيطة وقوية ولديها أمل لذا وافقت على تقديمها بعد القراءة الأولى.
وقد ساعد (جومانة مراد) أن المسلسل يتميز بالبساطة والعمق في الوقت نفسه، وبالطبع فكرة وجود كل هذه الأسماء المهمة في عمل واحد هو إضافة، الفنان يحيي الفخراني هو حلم لأي أحد العمل معه وشرف كبير.
وكذلك الكاتب (إبراهيم عبدالمجيد) الذي قرأت روايته المأخوذ منها المسلسل وأعجبت بها بشدة، وبالطبع الدكتور (مدحت العدل) ومعالجته الدرامية الجميلة، والمخرج مجدي أبوعميرة الذي يتسم بالهدوء والاتزان، ويعرف كل ما يريده، وهذا شيء مريح للغاية، وأعتقد أنه أظهرها بشكل مختلف عن أدوارها السابقة.
(جومانا مراد) تتقن توصيل روح الدور
أثبتت (جومانا مراد) أنها من نوع الممثلين الذين يمكن توصيل روح الدور على جناح جودة الأداء من خلال تسجيد رائع لشخصيات من لحم دائم كما جاء في أعمالها خاصة في الدراما التليفزيونية.
ومن ثم شكلت النجمة السورية (جومانا مراد) علامة فارقة بالأدوار التي جسدتها في جميع الأعمال التي شاركت بها على الشاشة التلفزيونية المصرية رغم قلتها بسبب انتقائيتها (المدروسة جدا).
وقد تلونت بلعب (المختلف) غير النمطي، في مثل هذا النوع من الأعمال (التقليدية)، فهى لم تركن إلى الأداء الخارجي السائد فيها، بل غاصت عميقا في استخدام جميع أدوات الممثل المبدع من الباطن إلى الظاهر.
(جومانا مراد) نجمة سورية من طراز خاص، دوما ما تخطف الأنظار بإطلالتها الرقيقة الراقية، التنوع سمة رئيسية في شخصياتها الدرامية على الشاشة، والتي جعلتها الأقرب للقلوب في الوطن العربي من خلال أدوراها الفنية المتنوعة والتي تتخطى الـ 52 عملا.
(جومانا نواف فهد مراد)، ولدت بمحافظة السويداء في سوريا، حصلت على شهادة الثانوية من دولة الإمارات العربية المتحدة في دبي، حصلت على شهادة في الأدب الإنجليزي من جامعة دمشق، كما حصلت علي شهادة في الدراما والتمثيل من مركزArt Actor Center في لندن.
جاءت بداية علاقة الفنانة (جومانا مراد) بالفن من خلال العمل كمذيعة في (تلفزيون عجمان)، لكن توقف البرنامج الذي كانت تقدمه، ودخلت المجال الفني عن طريق أصدقاءها الذين عرفوها بالمخرج (نجدت أنزور).
اتجهت (جومانا مراد) إلى التمثيل بعد أن شجعها المخرج (نجدت أنزور) الذي تزوجها فيما بعد على خوض التجربة، لتقدم أول أدوارها الفنية علي شاشة التلفزيون عام 1998 من خلال مسلسل (بقايا صور)، بينما أول أدوارها السينمائية فيلم (شعبان الفارس)
استطاعت الفنانة (جومانا مراد) تحقيق شهرة وانتشار واسع على المستوى العربي، خاصة عقب انتقالها إلى مصر ومشاركتها في العديد من الأعمال الفنية المصرية.
(جومانا مراد) والسينما في مصر
قدمت (جومانا مراد) الكثير من الأعمال التلفزيونية والسينمائية في مصر وسوريا، ومن أبرز أعمالها السينمائية (حياة أو موت، الشياطين، لحظات أنوثة، كباريه، الفرح).
بينما من أبرز أعمالها التلفزيونية أربع مسلسلات تاريخية سورية من إخراج (نجدت أنزور) وهم: (رمح النار، البواسل، البحث عن صلاح الدين،المسلوب.
ومسلسل الدراما التاريخية المصرية – سورية المشتركة من إخراج أحمد صقر (الطارق)، والمسلسل الاجتماعي المصري من إخراج مجدي أحمد علي (الحب موتا)، والمسلسل المصري الاجتماعي من إخراج عمر عبد العزيز (الشارد)، و(قلب حبيبة)، وهو مسلسل اجتماعي مصري من إخراج خيري بشارة
شاركت (جومانا مراد) في مسلسل (نيران البوادي)، وهو مسلسل أردني كويتي بدوي اجتماعي من إخراج محمد عايش، و(باب الحارة – 2008 الجزء 3-4، و(سيرة الحب)، وهو مسلسل اجتماعي سوري، والمسلسل السوري الدرامي (وصمة عار) من إخراج ناجي طعمة.
كما قامت بالتمثيل كعارضة (موديل) مع الفنان هاني شاكر في فيديو كليب أغنية (هو أنا أنسى) في عام 2009، وإلى جانب العمل بالتمثيل اتجهت (جومانا مراد) إلى الإنتاج الفني، فهي صاحبة شركة (جومانا انترناشونال) للإنتاج السينمائي والتليفزيوني والتوزيع.
وقامت بإنتاج عدد من أعمالها الفنية منها (الخيط الأبيض) مسلسل سوري دراما اجتماعية ، إخراج هيثم حقي و(انتقام الوردة)، وهو مسلسل درامي إخراج محمد رجب و(هيك تجوزنا) وهو مسلسل سوري اجتماعي – كوميدي إخراج عمار رضوان، وهذه المسلسلات تعتبر من بين أهم أعمالها في التلفزيون.
وشاركت (جومانا مراد) في بعض الأفلام السينمائية مثل (حياة أو موت)، وهو فيلم سوري روائي قصير، بالإضافة إلى الأفلام المصرية الروائية الطويلة وهي: (كباريه،الشياطين، شعبان الفارس، لحظات أنوثة، الفرح)، كما أدت بطولة المسلسل (مطلوب رجال) إلى جانب عدد كبير من النجوم العرب.
(جومان مراد) تتحدث التركية
وشاركت (جومانا مراد) في بطولة مسلسل (مدرسة الحب) الجزء الثالث عام 2017، والذي يشهد عودتها إلى الدراما التليفزيونية والتمثيل بعد غياب حوالى 4 سنوات، أي منذ زواجها في 2013.
وجسدت (جومانا مراد) في المسلسل شخصية امرأة عربية تقع في حب رجل تركي وهو الممثل التركي (مراد يلدرم)، ولأول مرة تتحدث (جومان مراد) باللهجة التركية في المسلسل.
شاركت (جومانا مراد) عام 2020 في مسلسل (مدرسة الحب – الجزء الثاني والثالث)، فضلا عن مسلسلات (سكر زيادة، خيانة عهد، زي القمر، بابا المجال، أما آخر أعمالها لعام 2024 كان (عتبات البهجة) مع العملاق يحيى الفخراني.
نالت الفنانة (جومانا مراد) العديد من الجوائز والأوسمة خلال مشوارها الفني حيث حصلت علي جائزة أحسن ممثلة دور ثان خلال حفل مهرجان جمعية الفيلم السينمائي في دورته الـ 35 عن دورها في فيلم (كباريه) عام 2008، كما حصلت على جائزة الأوسكار الذهبي من مهرجان art السادس عن أدائها المتميز في نفس الفيلم.
وحصلت على (جائزة الإبداع) بتكريم خاص من جامعة الدول العربية من السيد عمرو موسى، وكُرمت من لجنة صناعة السينما في سورية.
كما حصلت (جومانا مراد) على جائزة أحسن ممثلة عن فيلم الشياطين من الاستفتاء الجماهيري في الإذاعة، حصلت على أفضل ممثلة من موقع بص وطل على الإنترنت.
وأيضا كرمت من بيت الكويت للأعمال الوطنية، وحصلت على تكريم من اتحاد المنتجين العرب للأعمال التليفزيونية، وحصلت على تكريم عن فيلم (كباريه) من نادي سموحة بالأسكندرية.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنانة (جومانا مراد)، تلك الممثلة الاستثنائية في جدلية منقطعة النظير، حيث جسدت الواقع بشفافيته وبساطته وصراحته، وجراء جرأتها في التناول أدينت واتهمت بخدش الحياء.
وهى في ذات الوقت تلك الفتاة التي تبقى في كل حالاتها الفنية والإنسانية تفيض أنوثة وقوة معا، ومن ثم تميز أي عمل تشارك فيه لأدائها الرائع وتفانيها في تقمص الأدوار التي تؤديها.. متعها الله بالصحة والعافية لتمتعنا أكثر بأعمالها الدرامية ذات الجودة العالية.
