(قاسم وجدي) يغضب محمد كريم، وينتقد فيلم (الوردة البيضاء) لمحمد عبدالوهاب
كتب: أحمد السماحي
يوم الجمعة الموافق 5 رمضان سنة 1352، الموافق 22 ديسمبر سنة 1933، نشرت مجلة (الصباح) في عددها الذي زينته الفنانة روحية خالد، نقد سينمائي بقلم الريجسير الشهير قاسم وجدي لأول أفلام محمد عبدالوهاب (الوردة البيضاء).
نشر (قاسم وجدي) والذي كان يعمل في هذه الفترة ناقدا وصحفيا في (الصباح)، هذا النقد على جزئين، في الجزء الأول تناول القصة والإخراج.
ويبدو أن نقده عن القصة والإخراج أغضب منه مخرج الفيلم (محمد كريم)، فلم يرد عليه، ولكن رد عليه الفنان سليمان نجيب، والفنان محمد عبدالقدوس.
غضب محمد كريم
فقال: قاسم وجدي: تفضل بالرد على ملاحظاتي عن فيلم (الوردة البيضاء) الأستاذ سليمان نجيب أحد مؤلفي حوار الفيلم، وكذلك الأستاذ عبدالقدوس أحد ممثلي الفيلم.
أما الأستاذ (محمد كريم) فلم يرد إلى الآن، وهذه نتيجة أغتبط لها وأعزي بها نفسي عن الإتهامات التى أراد أن يلصقها بي السادة الذين أثق أنهم أول من يستبعد صحة ما اتهموني به.
على أنه من حق نفسي على ومن حق القراء علي أن أطلب من حضرات من اتهموني بسوء النية فيما كتبت، أن يثبتوا صحة التهمة، أطلب هذا في تحد وبصوت عال.
إقرأ أيضا : ماذا حدث لـ (عبدالوهاب) في لبنان ودمشق أثناء عرض (الوردة البيضاء)؟!
ولا أطلبه عن ملاحظاتي في فيلم (الوردة البيضاء) فقط، بل أطلبه عن كل ما كتبت، فإذا استطاعوا أن يثبتوا تهمتهم فلهم حينئذ أن يقولوا عني ما شاءوا.
أما أن يتهموني وينقصهم الدليل – مهما صغر شأنه – لتأييد الاتهام فهذا ما لم أقبل به ولا يقبل به أحد، المسألة لا تحتمل كل هذا التأويل، لقد أبديت ملاحظات بقدر ما وصل اليه علمي.
فأما أن تكون في محلها؟ فلا محل إذا لإتهامي، أو لا تكون في محلها فأكون مغرضا أو جاهلا؟ أترك الحكم للقراء الأعزاء.
محمد عبدالقدوس
وكلمتي الآن عن التمثيل والممثلين في فيلم (الوردة البيضاء)، فمن أكبر ما وفق فيه الأستاذ (كريم) اختيار ممثلي هذه الرواية، وممثلاتها، وممثليها، ولا أريد أن أكون قاسيا مع فتاة ناشئة منهم هي الآنسة سميرة خلوصي.
من أكبر حسنات فيلم (الوردة البيضاء)، في رأيي أنها أظهرتنا على شخصيات سينمائية في مصر تستطيع أن نفاخر بها أكبر الشخصيات الأجنبية في السينما.
ولم يكن يداخلني الشك مطلقا في نجاح (محمد عبدالقدوس) كممثل سينمائي نجاحا يتعادل مع نجاحه كممثل مسرحي متفوق، ولكني أخوف ما كنت أخافه عليه عدم تفهم كلامه في السينما الناطقة.
وذلك لأنه من الممثلين القلائل في مصر الذين لايعنون بالإلقاء عنايتهم بالتعبير بالإشارات، فهو يعتمد على تعبير وجهه واتساق اشاراته وحركاته مع المواقف التى يؤديها أكثر مما يعتمد على الإلقاء.
والذي كثيرا ما يخرج بالممثل عن دائرة التمثيل إلى دائرة الخطابة، ولكن عبدالقدوس أزال هذا الخوف من نفسي وجعلني أتفهم الأغلبية الساحقة من كلمات دوره.
إقرأ أيضا : في ذكرى ميلاد (محمد عبدالوهاب) .. تعرف على سر تغييره بطلة (الوردة البيضاء) !
أما إشاراته وتعابير وجهه ويديه فكانت كلها واضحة جلية، ولم يكن فيها ما يشعرك بالتمثيل، وانما كانت كلها حياة طبيعية لا ترى فيها أثرا من آثار التكلف أو التصنع الذي يعد أكبر عيوب غالبية ممثلينا.
وقد يجد غيري فيما سبق ما يكفي للتعبير عن اعجابه بقدرة عبدالقدوس كممثل سينمائي نابغ يقف جنبا إلى جنب مع كبار الممثلين السينمائيين النوابغ في أوروبا وأميركا ليساهم بأوفى نصيب في بناء نهضة الفيلم المصري.
ولا يقنعني من (عبدالقدوس) أن أراه فردا من أفراد رواية أيا كانت فإن كفاءته تكفل له أن يكون بطلا لروايات مستقلة تحمل اسمه، كـ (لوريل) الممثل المعروف زميل (هاردي).
ولا أحب أن أتولى بنفسي مهمة وضع (عبدالقدوس) في نفس صف (لوريل) حتى أتقي ألسنة من يحلو لهم اتهام الناس بالتحيز.
ولكني أطلب من كل من يشك في صحة كلامي أن يحفظ في ذاكرته تمثيل (عبدالقدوس) لدور باشكاتب الدايرة في (الوردة البيضاء) ثم يستعيد ذكرياته عنه عندما يشاهد فيلما لـ (لوريل) فسيجد أن المشابهة بينهما قريبة.
وحينئذ يحق له أن يفخر بمصرية (عبدالقدوس)، ويطالبه معي بالاستقالة من وظيفته الحكومية التى لم يخلق لها، ليخدم الشاشة المصرية البيضاء، فإن في مصر من يعوضنا عنه في الوظيفة.
الأستاذ محمد عبدالوهاب
كان يتحتم علي أن أبدأ الحديث عن الممثلين في (الوردة البيضاء)، بالحديث عن الأستاذ محمد عبدالوهاب على اعتبار أنه الممثل الأول للفيلم، ولكن عذري في هذا يرجع رأسا لقدرة عبدالقدوس.
وأنا حين أتكلم عن عبدالوهاب كممثل سينمائي أضع نصب عيني أنه يشتغل لأول مرة في السينما، وأنه مغني قبل كل شيئ، وليس ممثلا، وليس لنا أن نطلب منه أن يكون ممثلا.
حسبنا منه أن يكون طبيعيا في دوره، وعلينا أن نحكم على نجاحه من هذه الدائرة، هل كان طبيعيا؟، لقد كان كذلك في كثير من مواقفه، ولكن الطبيعة خانته في بعض المواقف، فبدا في شيئ من الكلفة أظهرها موقف الغناء.
وهو ممسك بـ (الوردة البيضاء) لا طبيعة مطلقا في هذا الموقف، وفيما عدا هذا الموقف وبعض المواقف الأخرى كموقف البحث عن حبات العقد في الحديقة فقد بدا من تمثيله أنه كان تلميذا مطيعا للمخرج.
ولكن لماذا كان يتعمد تعمدا ظاهرا أن يرسل يديه دائما على جنبيه فلا يحركها؟، ثم لماذا لم يبك وهو يرسل أنشودته الحزينة (ضحيت غرامي عشان هناكي).
قليل من الدموع تنهمر من عينه أثناء الغناء كانت تكفل انهمار الدموع من كل عين شهدت الفيلم.
الأستاذ سليمان نجيب
الطبيعية هى ما يمتاز بها الأستاذ (سليمان نجيب) على المسرح، وقد لازمته في السينما، لقد كان الأب الحنون الطيب في تمثيله، ولكنه كان الأخ الأكبر أو الزوج الصغير المدلل في مظهره لماذا لم يكبر من سنه؟
أيظن الأستاذ (سليمان) أنه يستطيع في سنه أن يكون زوجا لدولت أبيض، وأبا لسميرة خلوصي؟، على أن الأستاذ (سليمان) وفق غاية التوفيق وشهد له الجميع بالتفوق والطبيعة في التمثيل.
السيدة دولت أبيض
أكون ظالما إذا لم أسرع في الحديث عن (دولت أبيض) في دور زوجة الأب، ماذا أقول عنها؟ غير أنها وفقت تماما.
الأستاذ زكي رستم
ثاني الظاهرين في فيلم (الوردة البيضاء) بعد (عبد القدوس) الأستاذ (زكي رستم)، فقد كان متقنا لدوره إلى حد أثار الكراهية له في نفوس المشاهدين، وأكثر مواقفه نجاحا موقفه الطبيعي في مغازلة جارته.
ولعل ابتسامته التى لم تفارق شفتيه من أول الفيلم إلى نهايته إلا في موقف المشاجرة مع جلال كانت من أكبر المظاهر على نجاحه في تمثيل الرجل المستهتر بكل شيئ.
ولكن لي إلى صديقي (زكي رستم) كلمة، بدأت حياتك في الفيلم بتمثيل دور الرجل المكروه ومازلت تمثله إلى الآن.
ألم تشعر بحاجتك إلى تغيير هذه الشخصية؟، لقد حكم بنجاحك في تمثيل شخصية المكروه، وينقصك الحكم عليك في شخصية المحبوب؟!
وملاحظة على الهامش: كان يزيد من كراهيتك في النفوس أن تضع شاربا فقد كنت في مظهرك الطبيعي، وليس فيه ما يبغضنا فيك، ولولا قوة تمثيلك لأحببناك، وانهارت منك شخصية الدور.
على الرغم مني يا صديقي (توفيق المردنلي) أنا لا أستطيع الحديث عنك في دور (الشيخ متولي) هو دور أصغر منك في الكفاءة، فلا تلومني إذا أنا أغفلته، لقد عملت فيه كل ما يمكن عمله، ولو كان الدور أكبر مما هو لعملت أكثر.
الآنسة سميرة خلوصي
أتردد كثيرا والله في الحديث عن (سميرة خلوصي)، إذا أطلقت لقلمي العنان، عدوني هداما ولصقوا بي القسوة وهي أبغض الصفات إلى نفسي.
وإذا التمست لك العذر في ظهورك لأول مرة على الشاشة وجدتني مندفعا على الرغم مني إلى المخرج اسائله لائما ايه لاسناد هذا الدور إليك.
لا أحب أن تفهمي من هذا ما قد يتبادر إلى ذهنك من فشل يبعث اليأس في نفسك من مواصلة العمل في السينما لا والله، لقد نجحت ولكن كسميرة لا كرجاء.
استطاعت (سميرة) أن توفق، ولكن خانها التوفيق فلم تصل لرجاء وبقيت شخصية (رجاء) بطلة الرواية مختفية عن الأنظار لم نرها إلا في موقف واحد هو موقف مغازلتها لجلال في مكتب الدائرة.
لا تيأسي لقد بدأت بدور البطولة وكان يجب ألا تبدأي به حتى يوصلك إليه المران الطويل، فواصلي جهدك فالمران والتعليم كفيلان بإيصالك إلى ما تصبو اليه نفسك، فالمواهب متوفرة ولكن هو المران الذي ينقصك.
على الإجمال أهنئك وأرجو لك في المرة المقبلة توفيق تجدين فيه العزاء الكافي عن هذه المرة الأولى، وإلى الملتقى في الفيلم المقبل!