في ذكرى (أحمد زكي) نكشف سر إصرار (سعاد حسني) على المشاركة في (ناصر 56)
كتب: أحمد السماحي
أحيينا أمس الأربعاء الذكرى التاسعة عشر لرحيل الأسطورة (أحمد زكي)، الذي أبدع وتفرد في كل ما قدمه من أفلام ومسلسلات، وقدم شخصيات متناقضة تماما عن بعضها، وقدمها بشكل مذهل أكد أنه فلتة من فلتات العصر في مجال التمثيل.
وبهذه المناسبة نتوقف عند كواليس واحد من أهم وأشهر أفلامه، وهو (ناصر 56) تأليف المبدع محفوظ عبدالرحمن، وإخراج الرائع محمد فاضل.
ولقد تعرض فيلم (ناصر 56) للعديد من الصعوبات والعقبات، وواجه صناعه ما لا طاقة بشر على احتماله من مشاكل وإتهامات، لدرجة حرق وإتلاف عدد من المشاهد الهامة من الفيلم.
مما دفع بمخرج الفيلم محمد فاضل إلى تحرير محضر بقسم البوليس في محاولة منه لكشف الفاعل المجهول الذي حاول إغتيال الفيلم.
وأثناء ذلك وبالتحديد في أغسطس عام 1994 أي منذ 30 عاما، صرح الكاتب الكبير (محفوظ عبدالرحمن) مؤلف الفيلم بكواليس (ناصر 56) مع الزميل والكاتب الصحفي الراحل مجدي الطيب في مجلة (فن).
وبمناسبة الذكرى التاسعة عشر لرحيل رئيس جمهورية التمثيل في مصر المحروسة (أحمد زكي)، نعيد نشر هذه الكواليس لأهميتها الشديدة.
حيث قال الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن: بدأ مشروع الفيلم بفكرة أن نتناول مسيرة عدد من الشخصيات التى قدمت لمصر والمنطقة العربية إنجازا بارزا.
وبالفعل اخترنا أسماء مثل: (رفاعة الطهطاوي، علي مبارك، سامي البارودي) وغيرها، ولكن نظرا لكثرة الشخصيات المختارة كنا نقوم بعمل تصفية بين الحين والآخر.
واستقر الأمر عند ستين شخصا، ثم ثلاثين، وأخيرا عشرين، وفي كل مرة كنا نفاجأ بأن اسم جمال عبدالناصر يفرض نفسه علينا.
حماس الفنان (أحمد زكي)
وهكذا وقع الاختيار بالإجماع على أن يتصدر المشروع، خصوصا بعدما تحمسنا جميعا لهذا، وعلى رأسنا الفنان (أحمد زكي).
ويضيف محفوظ: وهكذا أثرت أن أتخلى عن فكرتي التى أردت من خلالها إنجاز المشروع في سلسلة من الرموز حسب دورها التاريخي.
وهي الفكرة التى استهدفت تعريف المشاهد بتاريخ مصر عبر استعراض الدور الكبير لتلك الشخصيات.
في الوقت نفسه كان التفكير أن يقدم المشروع تحت اسم (أيام في حياتهم)، ولكننا أحسسنا أن من الصعوبة بمكان تقديم الشخصية كاملة في حلقة واحدة.
ولهذا كان الحل أن نختار لحظة أو فترة أو يوما من سيرة حياة الشخصية الحضارية المعاصرة، بحيث تعطي صورة أقرب لحقيقتها وواقعها وأيضا لمنجزها الكبير.
وعن الأسباب التى دعته لاختيار لحظة تأميم جمال عبدالناصر لقناة السويس قال: عندما استقر الأمر على اختيار جمال عبدالناصر فكرنا على الفورولم نتردد في اختيار حدث تأميم قناة السويس.
لأنه حدث هام في تاريخ الشخصية، والمنطقة والعالم يلخص بالفعل شخصية جمال عبدالناصر عبر أكثر من ناحية، فمن خلال قرار التأميم الذي أعلنه بشجاعة فائقة تغيرت مفاهيم كثيرة في المنطقة والعالم.
وبفضله أصبح لمصر والعالم الثالث مكان واعتبار بين دول العالم الكبرى، ومن ثم تغير حجم الدور الذي كانت تمثله مصر مثلما تأكدت زعامة عبدالناصر التاريخية.
وهنا أود التأكيد على أننا باختيار لحظة قرار التأميم موضوعا لفيلمنا، فإننا لا نتحدث عن يوم بعينه في حياة عبدالناصر بل نستعرض أحداث ما يقرب من مائة يوم.
وهى الأيام التى سبقت اتخاذه للقراء بدءا من سحب تمويل بناء السد العالي، وانتهاء بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بحيث قدمنا استعراضا كاملا للأحداث التى مهدت لإتخاذ القرار ثم الترتيبات التي واكبته، والدوي العالمي الذي أحدثه.
وكان من نتيجته المباشرة اعلان الحرب على مصر في 26 أكتوبر 1956، وهي الحرب التى واجهتها مصر بشجاعة، وخرج منها عبدالناصر منتصرا سياسيا.
ولست في حاجة بالطبع للتأكيد على أن اختيارنا لهذه اللحظة كان متعمدا من زواية آخرى لتعريف جيل الشباب بحقيقة ما حدث في تلك الأونة، خصوصا أن الإدارة الأجنبية لقناة السويس كانت تمثل دولة داخل الدولة آنذاك.
الدكتور مصطفى الحفناوي
ولم يكن لمصري مهما علا شأنه أن يتدخل في سياستها أو مراقبة تصرفاتها، ومن هنا كان قرار التأميم عملا وطنيا من الطراز الأول كما كان حلما يرواد الكثيرين.
ولا أحد يجسر على مجرد تحقيقه بدليل أن الدكتور مصطفى الحفناوي، الذي أفنى حياته في الدعوة لتأميم قناة السويس استهول جرأة جمال عبدالناصر، وحاول مرارا مراجعته قبل اتخاذ القرار.
وأكد الراحل محفوظ عبدالرحمن أنه كان متوقعا أن عملا عن عبدالناصر لن يمر بسهولة لاعتبارات كثيرة لعل من بينها الصراع المتوقع نشوبه بين المتحزبين لعبدالناصر، والمناهضين له.
فكل طرف منهما يقدم أدلته وأسانيده، للوقوف مع إنتاج الفيلم أو نسف فكرته، ومحاولة التقليل من أهميته.
وقا : وعلى صعيد أخر فمن المؤكد أن شخصية معاصرة كعبدالناصر سوف تكون أقرب لذاكرة الناس من الشخصيات التاريخية الموغلة في القدم.
ومن ثم فإن كل من عرف عنه شيئا كان يحاول أن يراجعني في الموضوع بكل ما يعنيه هذا من صعوبة، ولكنني ايقنت أن هذا يدخل في طبيعة الأشياء ويحدث حتى في الأفلام العادية.
فما بالك ونحن نتعرض لمشروع كبير كهذا، من هنا فإنني لا أستطيع الزعم بأن ثمة أطرافا بعينها ناهضت التجربة، ولكن الجغرافيا العامة تؤكد لنا أن فيلما كهذا كان لابد من أن يواجه بمثل ما حدث.
وعن أسباب اختيار (أحمد زكي)، وهل تدخل في السيناريو قال محفوظ عبدالرحمن: (أحمد زكي) كان مشاركا في المشروع منذ اللحظة الأولى.
ورغم ذلك لم يفكر (أحمد زكي) أبدا بأن يتدخل في طريقة رسم الشخصية أو إضافة مشهد لرغبة ما في نفسه، بل أن العكس كان صحيحا، فقد كان يدرك بوعي شديد، أن مثل هذه التجارب تتطلب أن يطوع الممثل نفسه للشخصية وليس العكس، مثلما يحدث في الأخرى.
(أحمد زكي) يعايش الشخصية
وبدوره بذل جهدا خارقا لتوثيق الشخصية، سواء في طريقة الحديث أو النظرة أو الصوت أو غيرها، ومن قبل أن انتهي من كتابة السيناريو كان (أحمد زكي) حريصا على التفرغ لمعايشة الشخصية.
سواء من خلال الأشرطة المسموعة أو المرئية المتاحة عن عبدالناصر والتى تسجل خطبه وجولاته وجانبا من حياته.
ونفي (محفوظ عبدالرحمن)، أن يكون كتب شخصية السيدة (تحية) عقيلة الرئيس عبدالناصر لإفراد مساحة درامية للفنانة (فردوس عبدالحميد)، وقال: شخصية السيدة (تحية) لم تكتب إرضاءا لأحد!.
وكانت هناك ضرورة لكتابتها، ولما اقتنعت بهذا كان حذري كبيرا لحظة الكتابة بعدما علمت أن أسرة الزعيم عبدالناصر أعلنت رفضها تزكية أحد الأفلام، لأن كاتبه ومخرجه أظهر السيدة (تحية) حرم الرئيس بصورة لم يرتاحوا إليها.
من هنا كان الحذر في التعامل مع الشخصية، غير أن موقف الأسرة كان مختلفا هذه المرة، حيث سجلوا استنكارهم لإلغاء الشخصية، وأظهروا اعتزازا بالدور المهم الذي لعبته في حياة جمال عبدالناصر.
والحقيقة أن موقفهم هذا شجعني على كتابة الدور في حدود واقعية جدا، لم يكن مقصودا من خلالها أن تجسده ممثلة كبيرة أو صغيرة، حيث لم يتجاوز العشرة مشاهد، بقدر ما أردته تأكيدا لجانب انساني في حياة عبدالناصر.
وعن ما تردد بأن الدور كتب لسعاد حسني في الأساس، قال محفوظ عبدالرحمن: ليس صحيحا، وحقيقة ما حدث بالضبط أن الترشيح الأول كان من نصيب (فردوس عبدالحميد).
وذلك لما عرف عنها من التزام أخلاقي وتطابق نفساني وشكلي مع الشخصية الواقعية، خصوصا أن شخصية كهذه كانت تتطلب وجود ممثلة بينها وبين الجمهور قدر من الإحترام ومساحة من المهابة تدعوه لتصديقها، والتجاوب معها.
غير أن مشاكل إدارية أدت بالفنانة فردوس عبدالحميد إلى تقديم اعتذارها عن القيام بالدور، وسجلت موقفها هذا على صفحات جريدة قومية.
فما كان من الفنانة (سعاد حسني) سوى أن بادرت، وفي فجر اليوم الذي تلى نشر الأعتذار بالاتصال بي، وأبدت رغبتها واستعدادها من دون قيد أو شرط للقيام بالدور.
وعندما فعلت ذلك لم تشترط حتى أن تقرأ السيناريو لإصرارها على الظهور في الفيلم بأية صورة، لأن أهمية الدور عادة لا تنبع من حجمه أو مساحته على الشاشة بل تكمن في علاقته بالموضوع وحجم التأثير في الأحداث.
ورغم هذا الموقف الكريم منها فإن المشاكل الإدراية كانت قد انتهت وأزيلت بالفعل أسباب الخلاف وكان من الطبيعي أن يعود الدور لصاحبته فردوس عبدالحميد.