في (يوم المسرح العالمي).. الكاتب النرويجي جون فوس يقول: (الفن هو السلام)
كتب: أحمد السماحي
اليوم الأربعاء 27 مارس يحتفل الفنانون من كل أنحاء العالم بـ (يوم المسرح العالمي) – World Theatre Day، حيث تقام جملة من الأنشطة والاحتفاليات الخاصة بهذه المناسبة.
وقد جرى العرف منذ عام 1962 أن يتم اختيار شخصية إبداعية ومسرحية لكتابة كلمة خاصة في (يوم المسرح العالمي) تلقى في اليوم ذاته.
ويتم تعميمها على جميع المؤسسات المسرحية في العالم، وفي العام الماضي كتبت الكلمة سيدة المسرح العربي سميحة أيوب.
وهذا العام كلّفت الهيئة الدولية للمسرح ( I.T.I) الكاتب المسرحي النرويجي (جون فوس)، صاحب نوبل للآداب للسنة الماضية بكتابة رسالة 2024، وسيلقيها (جون فوس) في مدينة (لانج فانج) في الصين.
و(جون فوس) هو كاتب مسرحي وروائي وشاعر ومترجم و كاتب قصص للأطفال، له أسلوب استثنائي يتميز بالبساطة و العمق العاطفي.
وتُعتبر مسرحياته هى الأكثر حضورا في مسارح العالم الآن، و قد تُرجمت لأكثر من خمسين لغة.
و يمكن اعتبار (فوس) امتدادا لمواطنه الكاتب المسرحي (هنريك إبسن) رائد الواقعية الذي عاش في القرن التاسع عشر.
وقد حصل (شهريار النجوم) على نسخة من الكلمة التى ألقاها (فوس) في (يوم المسرح العالمي)، وجاءت تحت عنوان (الفن هو السلام)، والتى ترجمها الى العربية، الفنان المسرحي التونسي ( أنور الشعافي).
جون فوس: الفن هو السلام
يقول (جون فوس) في كلمته بمناسبة (يوم المسرح العالمي): (كل شخص هو متفرّد، وفي نفس الوقت يشبه أي شخص آخر.
إن تفرّد الشخصية والمظهر الخارجي يمكن أن يشاهدا بشكل واضح، هذا صحيح، لكن يوجد أيضا شيء ما داخل كل شخص يميّزه لوحده، فقط لهذا الشخص.
يمكن أن نسميها نفس أو روح، أو نحن لا نحتاج لوصفها بالكلمات، ولكن رغم اختلافنا جميعًا عن بعضنا البعض فإننا متشابهون أيضًا.
الناس من كل أنحاء العالم متشابهون بشكل أساسي مهما كانت اللغة التي يتحدثون بها أو لون بشرتهم أو شعرهم، قد يكون هذا بمثابة مفارقة، أننا متشابهون تمامًا ومختلفون تمامًا في نفس الوقت!.
ربما يكون الإنسان متناقضًا بشكل جوهري، في هذه الفجوة بين الجسد والروح، بين ما هو أرضي وجوهري وما يتجاوز الحدود المادية الراسخة.
لكن الفن، الفن الجيّد، ينجح بطريقته المُعجِزة في الجمع بين الفريد تمامًا وما هو كوني، نعم، فهو يتيح لنا أن نفهم ما هو المختلف، الفريد والغريب.
يمكن للفن أن يُفهم بشكل كوني فيخترق بذلك الحدود وكل مناطق العالم و الدول، و هكذا فهو لا يجمع بين الصفات الخاصة بكل فرد فحسب.
بل أيضًا وبمعنى آخر الخصائص الفردية التي تشترك فيها مجموعة من الناس، الأمم مثلا، والفن لا يجعلها كلها متماثلة.
بل بالعكس فهو يبرز اختلافها نعم، كل ما هو غريب في كل فن جيد يحتوي على وجه التحديد على الغريب الذي لا نستطيع فهمه تمامًا.
ومع ذلك نفهمه في نفس الوقت بطريقة ما، هل يمكن القول أن كل ما هو غامض يبهرنا أو يدفعنا إلى ما هو أبعد من حدودنا؟، وبذلك يخلق السمو الذي يجب أن يحتويه الفن في حد ذاته ويقودنا إليه.
الحرب ضد جوهر الفن
لا أعرف طريقة أفضل للجمع بين الأضداد، هذا بالتحديد على عكس الصراعات العنيفة التي نراها غالبا في العالم في محاولاتها التدميرية.
والتي تسعى لإبادة كل ما هو غريب، فريد ومختلف غالبًا، عند استخدامنا أكثر الاختراعات اللإنسانية التي قدمتها لها التكنولوجيا، يتحول هذا الإستخدام إلى إرهاب، إلى حرب.
فالناس لديهم أيضا جانب حيواني مدفوعين بالغريزة، لذلك فإن الآخر، الغريب، لا يعتبر غريبا وساحرا فحسب، بل كتهديد لوجودهم.
إن المتفرد والمختلف لا يظل كذلك بل يتحول إلى هوية جمعية يعتبر فيها المختلف تهديدا يجب التحكم فيه.
وما يعتبر من الخارج اختلافا مثل الذي بين مختلف الديانات أو الأيديولوجيات أوالسياسات يصبح شيئًا يجب القضاء عليه.
الحرب هى صراع ضد ما يكمن في أعماقنا، ضد ما هو متفرّد وهو أيضًا صراع ضد الفن، ضد جوهر كل فن.
لقد اخترتُ أن أتحدث هنا عن الفن بشكل عام، وليس عن الفن المسرحي على وجه الخصوص، لأن كل فن جيّد – كما قلت – يدور في عمقه حول نفس الشيء.
ويتعلق الأمر بضمان أن يصبح ما هو متفرد تمامًا، ومتميزً تمامًا ببعد كوني، نحن نجمع بين المتفرّد الكوني في تعبيره الفني.
الأمر بسيط تماما، تتعارض الحرب والفن كما تتعارض الحرب والسلام).
جون فوس في سطور
وعن جون فوس يقول الفنان المسرحي التونسي (أنور الشعافي): يصنّف النقاد مسرحيات (فوس) في جمالية ما بعد الدراما وكذلك رواياته في ما بعد الحداثة لاستخدامها غير التقليدي لتركيب الجملة، وهو يمزج بين المحلّي والتقنيات الحداثية.
وقد اكتسب شهرة عالمية ككاتب مسرحي بداية من مسرحيته (شخص ما سوف يأتي) التي أصدرها سنة 1996 عن زوجين اشتريا منزلًا قديمًا في مكان منعزل قرب البحر هربًا من العالم.
وفي أحد الأيام يقتحم عالمهم حفيد المالك السابق للمنزل فكان حضوره مؤلما للزوجين القلقين بشأن عزلتهما، وهذا كشف هشاشة العلاقة بينهما.
هذه المسرحية هى مثال مهم على الكتابة المتفردة لهذا للكاتب وتتميز بالتكرار المستمر، وبمفرداتها المحدودة.
أما مسرحية (الإبن) والتى نشرها في عام 1997 فقد اشتهرت باختزالها الجذري للغة، وتعبيرها العميق عن المشاعر الإنسانية.
وتحكي عن عجوزين يعيشان في عزلة ينتظران عودة إبنهما وهي تتناول مفهوم الأسرة الذي بدأ يتلاشي في كل المجتمعات.
فقد غادر الابن القرية تاركًا والديه ثم يعود بعد إنتظار، شخصيات المسرحية باردة، مجردة من كل المشاعر.
في كتابات (فوس) المسرحية نجد آثار (بيكيت) لكن بعبث الآن، وهو غير عبث خمسينات القرن الماضي، و تتعمق أعماله في جوهر الحالة الإنسانية.
فتتناول موضوعات مثل عدم اليقين والقلق والحب والفشل ويتميز بكشفه العميق لمواقف الحياة اليومية، وضعف التجارب الإنسانية.
وغالبًا ما يترك في أعماله الكلمات أوالأفعال غير مكتملة، مما يخلق شعورًا بالتوتر الدائم في مواضيعه، كما في مسرحيتيه (يوم في الصيف) و(فتاة شابة على الأريكة).
يوم المسرح العالمي
من المعروف أن (يوم المسرح العالمي) بدأت مراسم الاحتفال به عام 1962، وذلك بهدف الترويج للفن المسرحي في جميع أنحاء العالم، وتسليط الضوء على قيمة هذا الفن.
فضلًا عن تمكين المجتمعات المسرحية من الترويج لأعمالهم علی نطاق واسع حتی یدرك صناع القرار قیمة ھذه النماذج الفنية من أجل دعمها، كما يهدف إلى التمتع بهذا الفن في حد ذاته.