كتب: محمد حبوشة
أثبت مسلسل (مسار إجباري) أن الدراما التلفزيونية تعد وسيلة من وسائل نقل التجارب الإنسانية وتقديم أفكار ورؤية للحياة، کما تعد من الأشكال المفضلة التي تنجذب اليها الشرائح المختلفة من المجتمع.
ومن هنا أكد (مسار إجباري) على أن الدراما التلفزيونية لاتنعزل کفن عن بقية الفنون من حيث الدور الذي تلعبه في لفت انتباه الجمهور إلى التفاصيل المهمة في الحياة المحيطة بها.
فقد حاول المسلسل تجسيد الواقع بأقرب صورة وقدم للمشاهد ما هو جديد على الصعيد الاجتماعي والفكري، کما عد قوة لا يستهان بها في تشكيل مدرکات الجمهور فيما يتصل بالشخصيات والمؤسسات والرموز الثقافية.
وذلك حين مكن هذا المسلسل الجمهور من أن يروا على الطبيعة صور واقعية لحياة الشعوب، کما أنها تبني صور متراکمة في أذهانهم مما يجعلهم يربطون بين الصورة المقدمة في الدراما وبين الواقع الذي يدور حولهم.
انجذب الجمهور إلى الدراما الاجتماعية (مسار إجباري)، حيث نجد أن هناك العديد من المسلسلات التي تتناول صورة العائلة تحتل النصيب الأعظم من الاهتمام والمتابعة الجماهيرية.
إقرأ أيضا : نجوم الشهر الكريم الذين أضاءوا أيامنا في (رمضان)، وحفروا أسماءهم من نور
فنري العديد من الأعمال الدرامية تقدم أنماط مختلفة للواقع الفعلي للحياة الاجتماعية للأسرة، فهناك من وقع في فخ المبالغة في تقديم الحياة الأسرية لجذب الإثارة والتشويق.
وهناك من تفادي هذا الفخ والمبالغة مثل (مسار إجباري)، حين حاول تقديم محتوي درامي شديد الواقعية يعبر عن الواقع الحقيقي للأسرة وما تمر به من أزمات وضغوطات حياتية في ظل الوقت الراهن، وربما هذا ساهم في جعل العمل الدرامي أکثر واقعية وأکثر قربا للمشاهد مما سهل عليه تقبلها.
واستطاعت دراما (مسار إجباري) أن تكون منافسا قويا في عملية التشكيل للأفكار والتجسيد لها والتعبير عنها من خلال العناصر الأساسية للصورة التلفزيونية، وهى الضوء واللون والصوت والموسيقي وحرکة الکاميرا وزوايا التصوير والمونتاج.
(مسار إجباري).. مشاهدة ممتعة
هذا کله جعل المشاهدة ممتعة للدراما التلفزيونية (مسار إجباري)، وبدون ملل، مما زاد في إمكانية إنشاء أعمال إبداعية تلفزيونية تحفل بجمالياتها وقوة التعبير الخاصة بها.
ولهذا شكلت الصورة الدرامية في (مسار إجباري) معطى جماليا وأهمية في بناء العمل الدرامي، حيث اكتسبت الدراما قيمة جمالية ودرامية إلى جانب قيمتها التعبيرية، حيث تتمثل أهمية الصورة الدرامية في الطريقة التي تفرض علينا نوع من الانتباه للمعني الذي تعرضه، وفي الطريقة التي نجعنا نتفاعل مع ذلك المعني ونتأثر به.
فالصورة المرئية في (مسار إجباري) تحمل معان في داخلها تمثل خطابا مستقل يتم التعبير عن هذه المعاني والدلالات بطرق مختلفة عن أساليب اللغة اللفظية السائدة في نظيراتها من الدراما الاجتماعية.
فنجد أن الصورة هنا في (مسار إجباري) يمكن أن تحتوي على عدد من المعاني، إذا بمقدور الإضاءة وحجم اللقطات وزوايا التصوير وتبديل اللقطات أن يمنح للأشياء المعروضة علي الشاشة معان إضافية من خلال الأحداث المشوقة للغاية.
ومن منطلق أهمية الصورة التلفزيونية يمكننا القول أننا في (مسار إجباري) تتجاوز مرحلة التساؤل عن مدي فاعلية التلفزيون کوسيلة إعلامية ومؤثرة، ولكن أصبحنا نهتم بدراسة أفضل الأساليب المستخدمة في التلفزيون لتحقيق الهدف المطلوب والدراما کغيرها من وسائل الاتصال التي تستخدم الصورة.
ولها أيضا الوسائل والتقنيات والأليات التي تسهم في إيصال الرسالة بطريقة مؤثرة وفعالة كما جاءت أحداث (مسار إجباري) في تفاعله مع الواقع الأليم.
ونجح الإخراج التلفزيوني لنادين خان في (مسار إجباري) في أن يستخدم کافه تقنياته لصياغه النص الدرامي المكتوب علي الورق الي واقع مرئي ومسموع، بل ومؤثر وقوي علي المشهد الدرامي.
وذلك عن طريق استغلال النواحي الفنية والتقنية والإدارية والهندسية وغير ذلك، متمثلة في (أحجام اللقطات – زوايا التصوير – حرکة الكاميرا – التنقل بين اللقطات – الاضاءة – الملابس والديكور الموسيقي) بناءا علي الرؤية الفنية والاخراجية للمخرجة المبدعة (نادين خان).
(مسار إجباري).. اجتماعي مشوق
يأتي مسلسل (مسار إجباري) في إطار اجتماعي كوميدي مشوق، ليروي لنا قصة فريدة من نوعها عن الشقيقين (حسين وعلي) اللذين كانا يجهلان حقيقة أنهما ابنان لأب واحد.
ثم تأخذنا الأحداث في رحلة ممتعة مليئة بالمفاجآت والتحولات الدرامية، حيث يضطر الشابان إلى التعايش معا تحت سقف واحد بعد وفاة والدهما.
الشابان من منطقة شعبية، يمثلان طرفي نقيض في كل شيء تقريبا؛ فالأول طالب جامعي، والآخر عامل ميكانيكي، لكن الحياة تخبئ لهما مفاجأة لم يكونا يتوقعانها أبدا، واضطرا للتعاون معا رغم رفضهما فكرة أن يكونا أخوين.
(مسار إجباري) كعمل اجتماعي إنساني، يلامس هموم الناس ويشاركهم تفاصيل حياتهم اليومية، حيث يجسد (أحمد داش وعصام عمر) دور شابين يواجان العديد من التحديات في حياتهما، ويجبرا على اتخاذ قرارات صعبة تغير مسار حياتهما بشكل جذري.
وربما يرجع نجاح (مسار إجباري) لأن الورق ممتع، والشخصيات بها تحولات مختلفة ولا تسير على نهج واحد، وهذه النوعية من الشخصيات تكون ممتعة للممثل والمشاهد فى الوقت نفسه، لأنه لا يشعر بالملل ويكون لديه حالة ترقب مستمرة لتطور تلك الشخصية وما سيحدث لها.
كما أن نوعية المسلسل تنتمى إلى الدراما الاجتماعية الأسرية، وهو اختيار موفق للغاية من أجل الموسم الرمضانى، لأن الدراما الاجتماعية مرآة للواقع ويرى الجمهور نفسه خلالها.
وقد لفت نظري أداء الفنانة الكبيرة (صابرين) التي يملؤها الشغف وحب الحياة، تتألق فى أدوار متجددة، وإن ابتعدت قليلا عن الشاشة تعود تارة أخرى بأعمال قوية تترك بصمتها لدى الجمهور.
(صابرين) هى الورقة الرابحة
كانت (صابرين) هى الورقة الرابحة التى يراهن عليها صناع الدراما فى إحداث الفارق وكسب مزيد من شرائح المشاهدين.
وتعود (صابرين) هذه المرة إلى دراما رمضان 2024، في (مسار إجباري) بتركيبة درامية جديدة إذ تقدم شخصية أم تتحول حياتها وتنقلب رأسا على عقب بعدما تصطدم بمفاجأة غير متوقعة تغير مسار حياتها.
معرف أن (صابرين) اعتمدت منذ دخولها الفن صغيرة في أدائها على الرشاقة والحيوية في الإلقاء السليم، فضلا عن الإيقاع السريع والتنوع الصوتي، والنكات والمفارقة الكوميدية اللفظية والحركية، وتدريبات حركية وأكروباتية راقصة.
وتنوعت في محاولات العزف والغناء طبقا لمواصفات الشخصية، فالخدم عندها على سبيل المثال يستخدمون أدوات المطبخ والمنزل للعزف، والعشاق يستخدمون أدوات رقيقة وبسيطة، كما بدا في أدائها العذب.
وهكذا اعتادت النحمة (صابرين) الارتجال الحر لمشاهد من الحياة اليومية في لعب الأدوار عبر الارتجال الجسدي والانفعالي كما جاء في (مسار إجباري)، من خلال ارتجال فكر دون حوار، والارتجال المركب فردي، وجماعي، والأخير تبدو فيه بارعتها وهى ترتجل كلمات وجمل وانفعالات، والباقون يجسدون الحركة والانفعالات.
(بسمة) المتميزة في الأداء
(بسمة)، معلوم أن مكونات الممثلة المتميزة (بسمة) في الأداء تتوزع بين المرونة الجسدية والصوت المعبر والحركة والتعبير والخيال والإحساس بالصدق في تقديم الشخصية لخلق صورة مؤثرة كي تستطيع تحصيل التأثير الناجح على المتلقي.
فعندما قدمت (بسمة) أداءا متماسكا في (مسار إجباري) لابد وأن تكون هناك تجربة مستقاة من دراسة عميقة للشخصية تجعلها تتفهم كل مفاهيم التمثيل ونظرياته، وحتى تستطيع أن تقدم دورها بمساعدة المخرج الناجح بعناصر مؤثرة ومثيرة.
وهذ تحقق تماما في (مسار إجباري) من خلال معرفته لأبعاد الشخصية وتحليلها كالبعد الطبيعي والنفسي والاجتماعي، ومن ثم لابد أن يتمتع أداءها بمهارة مقنعة للمتلقي، ولابد أن يعرف الممثل الشخصية التي يحاول أن يقوم بها أو يحققها على شاشة التلفزيون كدأب (بسمة) مع كل الشخصيات التي تقدمها.
رشدي الشامي.. عملاق الأداء
يبدو الصدق أكثر وضوحا في أداء (رشدي الشامي) من خلال (مسار إجباري) عبر طريقته التي تبعد تماما عن الانفعال الزائد عن الحد أو الاستغراق في هذا الانفعال، سواء كان زائفا أم حقيقيا.
ولقد بدا لي أن المهم دائما عند (رشدي الشامي) هو ما يقترن بالإحساس، ويرتبط بأفكار وتعبيرات جسدية وصور، وهذه الصور تحتاج إلى أن تنمو بالتفاصيل وتصبح أكثر ثراء، لكن ذلك شريطة يكون الممثل مسيطرا على صوته وجسده.
ولايفوت (رشدي الشامي) ملاحظة أهمية تكامل الممثل جسدا، وعقلا، وروحا، ووجوب امتلاك الممثل المقدرة والتمكين والتحريك والتأثير.
وفوق كل ذلك لابد من الاعتراف بأن يكون التمثيل مسعى روحانيا يتطلب سموا روحيا، بالإضافة إلى كونه مجموعة من المهارات، وظني أن التمثيل في حالة (رشدي الشامي) تمثل سموا روحيا منقطع النظير في جيله من الممثلين.
يعرف (رشدي الشامي) أن الإنسان الذي يعاني شعور الغضب أن يضم قبضته ويرفع حاجبيه، لكن ماذا تفعل في هذه الحالة عيناه فمه، كتفاه، رجلاه وجذعه؟، ذلك لأن العضلات كلها عنده تشارك بشكل صادق وصحيح.
ويستطيع التعبير بهذا الفعل عن شعور الغضب، ولكن بشرط أن تعيش قدماه هذه اللحظة، فاذا كذبت رجلاه أو أي عضو من جسده، فإن المتفرج لن يدق يديه أو أي عضو فيه.
(أحمد داش) موهبة تلقائية
(أحمد داش)، أكد على موهبته التلقائية في (مسار إجباري)، رغم صغر سنه، إلا أنه حقق نجاحا كبيرا في عالم الفن، كما قدم شهرة لطفل لم يسبق لها مثيل، فهو موهوب ومحب للتمثيل وقادر على الظهور أمام الكاميرات بأداء قوي ومؤثر.
واستطاع في وقت قصير جدا أن يحصل على أدوار بطولة مع أكبر النجوم في الوسط الفني، وهذه الموهبة كانت ستظل مختفية عن الأنظار، ولكن المخرجة (نادين خان) اكتشفت موهبته، واستطاعت توظيفها في مكانها الصحيح.
حتى أصبح (أحمد داش) بمثابة طوفان قوى احتل الدراما المصرية، وتفوق على كل نجوم جيله، ورغم صغر سنه إلا إنه استطاع أن يصبح بطلا ونجم شباك سريعا، ما يشير له بمستقبل باهر بمجال التمثيل بعدما لفت له الأنظار إليه.
(عصام عمر).. موهبة استثنائية
(عصام عمر)، هو الآخر صاحب موهبة استثنائية ظهرت في (مسار إجباري) ربما تؤهله لأن يكون رقما بارزا في الدراما المصرية خلال السنوات المقبلة، في حال تقدم بذات السرعة التي يتقدم بها من عمل لآخر.
فخطوة بعد أخرى يؤكد (عصام عمر) للجميع أنه يملك قدرات فنية كبيرة، سيكون لها شأن كبير فى المستقبل القريب، وهو ما بدا لنا مع كل ظهور له استطاع من خلاله ترك بصمة مميزة تصبح محور حديث المتابعين للعمل.
مايؤكد أنه نجم شاب استطاع أن يتخطى كافة العقبات مع بداية نضجه الذي سجل حضورا قويا في قلب الدراما هذا العام تحديد، في مسلسلي (بالطو، وحالة خاصة)، تضاف إلى رصيده الفني الذي يشير إلى قدرات مكتملة لممثل أصبح الآن على طريق النجومية.
وأخيرا لابد لي من القول بأن مسلسل (مسار إجباري) فسر لنا الكيفية التي تصور من خلالها الدراما التلفزيونية العلاقات التفاعلية والاجتماعية بين أفراد الأسرة المصرية المقدمة في المسلسلات التلفزيونية المصرية.
متمثلة في العلاقات الاجتماعية التي تجمع أفراد الأسرة المصرية بمحيطهم الاجتماعي وأيضا التعرف على طبيعة القيم التي تقدمها المسلسلات التلفزيونية المصرية، ومعرفة نوع وطبيعة العلاقات الأسرية المقدمة في المسلسلات المصرية.
كما مكننا (مسار إجباري) من التعرف على السمات الخاصة بالروابط الأسرية، وأيضا التعرف على طبيعة السمات الإيجابية والسلبية للعلاقات الأسرية في المسلسلات التليفزيونية، وكذلك التعرف على مدى واقعية المضمون المقدم للعلاقات الأسرية في المسلسلات التليفزيونية على الرغم من تكلفته البسيطة جدا.