* فهد بلان: قمت بعمل انقلاب في شكل ومضمون الأغنية والمطرب
* القاهرة هى الختم الجمركي الفني للفنان، وعبدالحليم حافظ هو من قدمني للجمهور المصري
* الباعة الجائلين في القاهرة كانوا يروجون لبضاعتهم بأغنياتي
* ما يحدث في الأغنية العربية استعمار غربي لهويتنا العربية، التجديد مطلوب ولكن التغريب والتقليد مرفوض، فلنجدد من داخل هويتنا
بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري
مازلنا مع حوار الأعلامية الكبيرة أمينة صبري، رئيس إذاعة (صوت العرب) السابق، مع مطرب الرجولة (فهد بلان)، الذي فتح قلبه لها، ودار الحوار في مزرعته في جبل السويداء في سوريا.
وفي الجزء الأول حدثتنا أستاذتنا الكبيرة عن كواليس الحوار، وكيف أتي إليّها (فهد بلان) عن طريق الأمن الوطني، فقد كان يعيش في بلدته بالسويداء، يشرف علي زراعته هناك، ومبتعدا عن الفن.
وفجأة أتي إليه الأمن وطلبوا منه أن يأتي معهم إلي دمشق ولم يعرف السبب، فتصور أنه مقبوض عليه، لكنه فوجئ بإذاعة صوت العرب!.
وفي الحوار عرفنا أسرار عن طفولة (فهد بلان) المعذبة، وذهابه مع والدته إلى الأردن بعد زواج والده، وعمله ككورس في الإذاعة السورية، ومدى استفادته من هذه الفترة.
والآن تعالى بنا عزيزي القارئ نسترجع الجزء الثاني من حوار سيدة صوت العرب، (أمينة صبري) مع المطرب رائع الصوت (فهد بلان) الذي أحيينا يوم الجمعة الماضي ذكرى عيد ميلاده الموافق 22 مارس، فإلى نص الحوار:
* الانقلاب الذي أحدثته في الغناء بطريقتك المميزة على المسرح والباهرة أيضا هل واجه حروب وعوائق فنية حسدا وغيرة من الآخرين؟
** (فهد بلان): طبعا حوربت كثيرا، ولكن الجمهور اللبناني كان يعطيني دفعات من التشجيع ينسيني كل الحروب التى كنت أتعرض لها من أعداء النجاح، والحاسدين والحاقدين.
* قدمت أثناء غنائك عرضا مميزا بالرقص وهز الكتف وتحريك المنديل فهل كان ذلك متعمدا منك أم تلقائي؟
** (فهد بلان): هذه الأشياء التى أفعلها كانت وليدة اللحظة على المسرح، ولم اتعمدها، فأنا عندما أغني أترك نفسي علي طبيعتها أرقص، وأتحرك، وأعبر بكل حواسي الصوتية والجسدية.
* إذن عشت نجاحا كبيرا وشهرة وأموال وحياة رغدة؟
** بالتأكيد، ولكن كان ينقصني (الختم الجمركي الفني)!
* ماذا تعني بالختم الجمركي؟ الفني؟
** (فهد بلان): أعني به ختم القاهرة الفني، فالقاهرة وجمهور مصر هو الختم الجمركي لكل فنان، ولكن لم أكن أدري كيف أحصل عليه.
* ولكنك حصلت عليه فماهي الحكاية؟ وكيف حصلت عليه؟
** (فهد بلان): كانت صدفة جميلة، فقد جاء الإذاعي الشهير جلال معوض صاحب حفلات (أضواء المدينة) لعمل حفلة بدمشق، وكان معه مجموعة من النجوم منهم عبدالحليم حافظ.
وتعرفت عليهم، وطلبوا مني أن أشارك في حفل (أضوء المدينة) بجامعة القاهرة، وطرت فرحا، وبالفعل حضرت للقاهرة.
وقدمني للجمهور بكلمات رقيقة ومخلصة المطرب العظيم صاحب الخلق الرقيق عبدالحليم حافظ.
وكنت في غاية الخوف والارتباك لأن الجمهور المصري لم يتعود على الغناء الشامي، ومرت عليّ الدقائق الأولي كالدهر لم أكن أشعر بنفسي!.
وبعد أن فوقت من هذه الدقائق، فوجئت بالجمهور المصري العظيم بالآلاف أمامي، وكاميرات التليفزيون، والإذاعة، وكنت متهيبا، ولكني فوجئت بجمهور عظيم عظيم كاد يطير بي فرحا.
ووقف الجمهور يصفق ويتمايل معي، وامتزجت القاعة كلها مهللة وفرحة، والجمهور يشجعني حتى الإداريين والموظفين والموسيقيين اندمجوا اندماجا مذهلا.
وكانت ليلة لا تنسى، وفوجئت بعد ذلك وأنا أتجول في شوارع القاهرة الحبيبة أن الباعة الجائلين كانوا ينادون علي بضاعتهم بأغنياتي.
لم أصدق نفسي وودت أن أقبل كل الناس في مصر الذين رفعوني لعنان السماء.
* تجربتك مع الملحن (عبدالفتاح سكر) تجربة مهمة في حياتك الفنية فهل كانت لديكما رؤية مختلفة وخاصة أردتم أن تقدموها للغناء؟
** (فهد بلان): أنا وعبدالفتاح روح واحدة، ورؤية واحدة للفن، فعندما يلحن أشعر بأنني أنا الذي لحنت هذه الأغنية، وعندما أغني يشعر هو أنه الذي يغني.
والحمد لله صنعنا نجاحا كبيرا سويا، كما أنني لا أنسي تجربتي مع الملحن العظيم (سيد مكاوي) فقد فهم صوتي وأعطاني ألحانا جميلة جدا، وكذلك الملحن محمود الشريف.
* بعد نجاحك المدوي في القاهرة هل نقلت نشاطك وحياتك للقاهرة؟ أم ظللت في بيروت أو دمشق؟
** (فهد بلان): عشت في القاهرة ثماني سنوات، وكنت أذهب للغناء في كل البلدان، وأرجع للقاهرة، وكنت قد تزوجت من الفنانة العظيمة (مريم فخر الدين) وأحببنا بعض كثيرا، ولكن ظروف عائلية وقتها لم تسمح باستمرار هذه الزيجة.
* استغل المنتجون شهرتك الكبيرة، وانتجوا لك أفلاما سينمائية، ولكن أري أنك لم تنجح في السينما مثل نجاحك في الغناء فاحكي لنا عند هذه التجربة؟
** (فهد بلان): الحقيقة أنا ليس لي علاقة بالتمثيل رغم أنني قدمت حوالي 13 فيلما، وكما ذكرتي فالمنتجون والمخرجون استغلوا شهرتي لعمل أفلام!.
وأعتقد أنني لم أكن ثقيل الظل كممثل، وتوجد بعض الأفلام التي نجحت مثل فيلم (القاهرون) بطولتي مع سميرة توفيق وأيضا (عقد اللؤلؤ) مع دريد لحام نجح جدا.
وظل هذا الفيلم يعرض في سينما لبنان لمدة عام، وعموما التمثيل ليس مهنتي وكانت تجربة مفيدة وعدت.
وهل فعلا أنك بعد أن نلت هذه الشهرة، وجنيت أموالا طائلة وعشت حياة صاخبة، ودخلت تجارب حياتية مليئة باللهو والمتعة، وخسرت الكثر مما جنيت فقررت أن تتفرغ لأعمالك التجارية الزراعية؟ ماذا حدث؟ ولماذا؟
** (فهد بلان): معك حق، لقد تعبت كثيرا في مشواري الفني، ونجحت كثيرا، وكسبت أموالا كثيرة، وانفقت الكثير من الأموال، فقررت أن أخذ استراحة محارب.
وأنا صاحب أسرة كبيرة مكونة من خمس أولاد، وكان عليّ أن أرعاهم، ولهذا قررت أن أشتري هذه المزرعة الجميلة في بلدتي، بجانب أن الفلاحة لها جذورها في شخصيتي.
فنحن في الأصل فلاحون فقررت أن أذرع العنب، واللوز، والمشمش، وفواكه أخري، وقررت أن أعيش وسط الفواكه والزرع والطبيعة في مزرعتي الجميلة في جبل السويداء.
وأصبحت خبيرا في فن الزراعة والفلاحة، وهو أيضا فن جميل، وأنا أعيش حياة هادئة جميلة وسط أسرتي، وأغني أحيانا في بعض المناسبات، فالفن هو أجمل ما في الحياة ونستطيع أن نتمتع به في أي مكان، وأي زمان.
* إذن دعني اسألك عن حال الأغنية الآن وهل تستمتع إلي الغناء الحديث؟
** (فهد بلان): أنا حزين لحال الأغنية الآن، فالأغنية العربية وصلت إلي عنان السماء بالعظماء مثل: (سيد درويش، وعبدالوهاب، والسنباطي، والقصبجي، وزكريا أحمد، والرحابنة وعبدالفتاح سكر، وسهيل عرفه)، وغيرهم.
أما الآن فللأسف الشديد قليلا ما أجد فنا حقيقيا، لا تذوق للكلمة، ولا للحن، كما لو كان الهدف من الغناء هو الرقص!.
هذا استعمار غربي لهويتنا العربية، التجديد مطلوب ولكن التغريب والتقليد مرفوض، فلنجدد من داخل هويتنا، فنحن لنا أصالة وتاريخ في الفن.
أعطيك مثلا للتجديد المطلوب من داخل هويتنا فمثلا العظيم محمد القصبجي الذي جدد وطور في الموسيقي تحدث عنه الشرق والغرب.
فمثلا أغنية (أنا قلبي دليلي) التى لحنها للرائعة ليلى مراد، كانت فتحا كبيرا في الغناء العربي، والموسيقار محمد عبدالوهاب حلق بالغناء العربي إلي آفاق كبيرة جدا.
وسيد درويش أخرج الغناء العربي من عباءة الغناء العثماني التركي، وأعطي للغناء العربي هويته الحقيقية بالموسيقي التعبيرية.
هذا هو التطور والحداثة المطلوبة، وليس المسخ الذي نراه الآن، وأنا أري أن الجمهور لا ذنب له، ولكن المشكلة في تردي الثقافة العامة، والمشكلة في من يقدم هذا اللون الغنائي الغريب علنا.
يعني مثلا عندما تقدم دار الأوبرا مهرجان (الموسيقي العربية) نجد الجمهور معظمه شباب، إذن لا ذنب للجمهور إنما الذنب على الفنانين الذين لابد أن يرتقوا بفنهم أكثر حتي لا نفقد إنسانيتنا وهويتنا، فحرام ما يحدث الآن.
وصمت (فهد بلان) وسرح بحزن على حال الغناء وبذكاء شديد أدرك أنه المضيف، ونحن ضيوف عليه، وعليه واجب الضيافة.
فعرض علينا أن نتجول معه في مزرعته الزاهرة، ومشينا وسط أعراش العنب، واللوز والفاكهة والخضرة الجميلة وهو يغني لنا.
ونحن نستمتع بغنائه وسط الجمال والخضرة والماء.. وآثرت أن أتركه يعيش وسط هذا الجمال والهدوء والسكينة والمحبة.