بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
بفضل الفاطميين اختلط الاهتمام بالعبادات خلال شهر (رمضان) المبارك مع مظاهر البهجة والاحتفال، وعلى مر العصور تسللت التسلية لتصبح طقسا مصاحبا للشهر الفضيل، ومع ظهور التليفزيون صار رمضان شهرا للمسلسلات والبرامج.
وفى نهاية القرن الماضى، وبعد ظهور القنوات الفضائية أصبح شهر (رمضان) للإعلانات، فمع تحولنا الى مجتمعات استهلاكية طغت الإعلانات وصارت هى الأساس، وأصبحت ساعات الإرسال تحتوى في الغالب على إعلانات تتخللها مسلسلات وليس العكس.
بل تقاس أهمية أي مسلسل بقدر ما يجذب من إعلانات، و ليس بقيمته الفنية ومحتواه الفكري في (رمضان) أو غيره.
والحقيقة أن العامل الاقتصادى هو ما يفسر لنا ذلك، فتمويل أي قناة تليفزيونية يأتي من طريقين الأول أن تكون قناة مشفرة تعتمد على الاشتراكات والثانى أن تكون قناة مفتوحة متاحة للجميع تعتمد على الإعلانات، هذا عدا القنوات التي تدعمها حكومات أو أجهزة مخابرات.
وبالتالى صار صاحب الإعلان أقوى من صاحب القناة وتحقيق رغباته هو الأساس إلا لو تعارضت مع رغبات المشاهدين، والدليل أن شركات المشروبات الغازية العالمية مثل (كوكا كولا، وبيبسى) التي كانت تنتج كل عام أغلى الإعلانات تكلفة وتذيعها بكثافة عالية على كل القنوات لم تجرؤ هذا العام على ذلك في (رمضان).
وذلك بسبب مقاطعة الشعوب العربية لتلك الشركات لموقفها الداعم للكيان الصهيوني في حربه على غزة، الشركة الوحيدة التي في قائمة المقاطعة وأصرت على الإعلان تسببت في خسارة معنوية ضخمة للمطرب الذى قدم الإعلان.
حيث خسر ما يقرب من مليون متابع على و سائل التواصل، كما انتقدته بشدة أصوات كثيرة برغم كل المبررات التي ساقها.
وإذا أردنا معرفة القيمة المالية للإعلانات التليفزيونية فيكفى أن نعرف أن بعض منتجي المسلسلات – أيام كان عندنا منتجين قبل احتكار شركة واحدة للإنتاج الدرامى – كانوا يبيعون مسلسلاتهم للقنوات، أو يكتفوا بعرضها على بعض القنوات في مقابل نسبة من دخل الإعلانات التي تجلبها تلك المسلسلات للقناة.
وهناك شركات للدعاية والإعلان اختصرت الطريق و انتجت هي بعض البرامج كى تضع داخلها إعلاناتها.
الإعلان المباشر هو السيد
وتلك طريقة معروفة و مشهورة مأخوذة من قنوات التليفزيون الأمريكية التي كانت تنتج مسلسلات طويلة موجهة لسيدات المنازل (أسماها خبراء الإعلام بأوبرا الصابون، لأن معظم منتجيها كانوا من أصحاب الشركات المنتجة للصابون).
وعادة يتم إذاعتها صباحا وتحمل في داخلها إعلانات مباشرة وغير مباشرة، مثل أن يستخدم الممثلون نوع معين من المنظفات المنزلية طوال الوقت.
وانتقل ذلك الأسلوب الى الأفلام الأمريكية، فنرى في الفيلم نوع من السيارات يستخدمه البطل وتنقذه في اللحظات الحرجة بقوة أدائها وتفوقها على باقى أنواع السيارات، أو منتجات يستخدمها الأبطال أو ربما أماكن يرتادونها ويتم تصويرها بشكل يبرز جمالها.
أما في مصر فالإعلان المباشر هو السيد، وقليلا ما تلجأ الشركات للإعلانات غير المباشرة أو تمويل الأفلام أو المسلسلات في (رمضان) لإبراز منتجاتها، و بما أن رمضان هو شهر المشاهدات الأعلى و الأهم فنرى تركيزا شديدا للإعلان خلاله ، وسابقا كانت شركات الإعلانات تتنافس فيما بينها للحصول على دقائق ثمينة أو تشترى حق الإعلان على قناة بعينها أو خلال فترة معينة.
أما في السنوات الأخيرة فقد احتكرت شركة واحدة كل شيئ، فصارت هى المنتج الوحيد تقريبا للأعمال الدرامية في (رمضان) وتذيعها على قنوات تملكها، من خلال شركتها للإعلانات، تطبيقا لمبدأ اقتصادى لم نسمع به من قبل اسمه (زيتنا في دقيقنا).
وبنظرة خاطفة لسوق الإعلانات في (رمضان)، سنجد اختلافا هذا العام عن السنوات السابقة، فلقد أثرت الأزمة الاقتصادية على هذا السوق، كما أثرت على أسواق كثيرة، فالملاحظ هذا العام هو قلة عدد الشركات المعلنة.
فلقد توقف بعضها عن الإعلان بسبب مقاطعة منتجاتها وبعضها بسبب الأزمة الاقتصادية، فاختفت إعلانات كانت تملأ القنوات بكثافة في السنوات الماضية، مثل شركات السمن و الزيت و الصابون و المشروبات الغازية و مطاعم الوجبات الجاهزة وإعلانات السيارات.
في حين ارتفعت نسبة الإعلانات العقارية برغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة حتى تظن أن أهل مصر كلهم يعيشون في كومباوندات وعلى الساحل الشمالى، ولكن يبدو أن تلك الإعلانات ليست موجهة للمصريين حتى أن أحد الإعلانات كان باللغة الإنجليزية وبلا ترجمة !!
إعلانات (الدموع) والابتزاز
والملاحظ أيضا هذا العام تكرار نجوم الفنانين في الإعلانات، وهو ما كانت تتحاشاه شركات الإعلانات من قبل وتصر على التفرد بالفنان الذى يقدم الإعلان، ولكن تم كسر تلك القاعدة منذ عامين عندما شارك الفنان (محمد منير) في عدة إعلانات.
أما إعلانات (الدموع) وهي إعلانات المؤسسات والجمعيات الخيرية فهى الغالبة كل عام في (رمضان)، حيث تعمل تلك الإعلانات على إثارة الشفقة وتستدر الدموع وتبتزك عاطفيا في حين أن سعر الإعلان الواحد على مدى الشهر يُقدّر بالملايين.
ولكنه يدر ملايين أكبر حيث تتصارع تلك المؤسسات والجمعيات على كعكة تقدر بالمليارات كل عام، فحسب آخر الإحصائيات المتوفرة تبلغ تبرعات المصريين حوالى 10 مليار جنية سنويا، منهم 8 مليار في شهر (رمضان) وحده!
الجديد في إعلانات (رمضان) هذا العام أيضا هو اللجوء إلى أشكال غير تقليدية، فهناك إعلان يعد ملاك الوحدات السكنية بعدم دفع فروق للصيانة، وهى لقطة ذكية لأن فروق الصيانة هى وسيلة نصب كل التجمعات السكنية الجديدة، والتي خلقت مشاكل متعددة منظورة أمام المحاكم.
وهناك أيضا إعلان يعترض فيه الممثلون على المنتج، و التعليق الصوتى يقول: أن لو المنتج لايعجبك فليس هناك مشكلة، وهذا أسلوب جديد عكس أسلوب الإلحاح على جودة المنتج .
أما شركات المحمول فكل إعلاناتها قد أصابت المتعاملين معها بالإحباط، فلو تم انفاق مصاريف الدعاية على تحسين الخدمة لكان ذلك أكبر دعاية لها، ولكن لا أمل في أن يفهم المسئولين عن تلك الشركات هذا المنطق .
أما أغرب ما في إعلانات هذا العام أنها كلها أغفلت وتناست ما يحدث لأهلنا في غزة، فلم نجد إعلانا واحدا للتبرع لهم، ولم نجد جهة واحدة تعلن أنها ستخصص جزءا من إيراداتها في (رمضان) لإنقاذ أرواح تعانى من الإبادة بالقتل والتجويع، فلهم الله.