كتب: محمد حبوشة
منذ سنوات طويلة، عرفت النجم السوري (تيم حسن) كنحم كبير مشهود له بالكفاءة، فهو يعرف كيف يوسع لنفسه أماكن مختلفة عن الجميع، لدرجة بات فيها علامة مسجلة على اعتبار أنه وصل إلى المآلات التي تستحقها موهبته.
فضلا عن (الكاريزما) اللافتة التي تميزه عن غيره، لدرجة أنه بالمفهوم التسويقي لم يعد أحد يتمكن من منافسته محليا، على الأقل من ناحية الحضور والنجومية، واجتراح مكانة متفردة له وحده.
حتى أن بعض نجوم الدراما السورية المكرسين، والمترفين بالموهبة إلى جانب الأنا العالية والاعتداد، لا يخفون سعادتهم المطلقة إذا أتيح لأحدهم أن يقاسمه دور البطولة في مسلسل ما.
رغم معرفتهم سلفا أن أسماءهم ستكون وراء نجم العمل (تيم حسن) الذي يتسلح بجماهيرية طاغية، و(اسم بياع)، وشركة إنتاج كبرى تخضع لوجهات نظره، وكل ذلك لا يعد جديدا على ممثل يعرف كيف يشد البساط نحوه عندما يكون واقفا في مكانه الصحيح.
طبعا الحديث هنا بعيدا عن حمى الأداء البراني الذي اعتمده (تيم حسن) في سلسلة (الهيبة) (مجموعة كتابة وإخراج سامر البرقاوي)، والنمط التجسيدي الساذج، والمنطق الدرامي المبتذل.
والاعتماد على لوازم كلامية متهاوية لغويا، وتحول المشروع إلى حالة تجارية خالصة تدر أموالا!
جرب (تيم حسن) خلال السنوات الأخيرة الافتكاك من أسره الإرادي في سجون (الهيبة) من خلال تجربته في مسلسل (العميد) من (كتابة وإخراج باسم السلكا)، لكن دون أن يحظى العمل بجماهيرية كبيرة، أو أن يرافقه سجال نقدي مختلف.
شبح (الهيبة) يطارد (تيم حسن)
لكن في كل الأحوال أعطى النجم السوري آنذاك فرصة ذهبية للمخرج الناشئ حينها، الذي سبق أن قدم كل ما يمكنه لـ (الهيبة) ضمن فريق الإخراج وبوصفه أيضا كاتبا أساسيا فيه، إضافة إلى مساهماته في مشاريع أخرى من بطولة نجم الوسامة السوري. وتمثلت الهدية الثمينة في وقوفه أمام كاميرا (السلكا) بثقة مطلقة، وفي أولى تجاربه الإخراجية، فمنحه كناية عن جواز عبور نحو السوق، بعدما كان يراد له أن يظل مساعدا.
منذ ثلاثة أعوام انتهت فصول (الهيبة) وعصر حتى آخر قطرة، بعد أن أنجز منه فيلما مكثفا عن كل أجزائه، فاستعان (تيم حسن) بصديق قديم هو (عمر أبو سعدة)، واقتنى له نص (عاصي الزند) من (إخراج سامر البرقاوي وإنتاج الصباح)، فحقق المسلسل نجاحا مشهودا العام الماضي في مادة سورية خالصة، وجديدة ومحكمة.
هذا الموسم يجسد (تيم حسن) دور (تاج)، بطل ملاكمة سابق تربى على القيم الأخلاقية وحب الوطن ومقاومة الاستعمار، ويجبر (تاج) على إعادة تقييم حياته بعد اتهامه بالخيانة، بينما يلعب بسام كوسا دور (رياض) خصمه اللدود، وكان هذا كفيلا ليكتمل بذلك ثنائي فني مبهر يضفي على المسلسل مزيدا من التشويق والإثارة.
وخاصة أن تدور أحداث العمل في حقبة تاريخية حساسة من تاريخ المنطقة، وهى انتقال سوريا من ظل الاحتلال الفرنسي إلى مرحلة الدولة المستقلة الأولى.
تلك الفترة، وفقا لمخرج العمل (شهدت انتشارا لرياضة الملاكمة في سوريا والمنطقة، قادمة من أميركا وأوروبا، فصار لها شعبية واسعة واحترفها العديد من الأبطال، وتاج هو واحد منهم).
ويقدم (تيم حسن) رحلة (تاج) المضنية لاستعادة شرفه وسمعته، بعد أن سلب منه خصومه حياته وزوجته وابنته، ولكن لم شجاعته وبطولاته السابقة لاستعادة ماضيه وانتزاع حقه من أعدائه؟
ولم ينجح (تيم حسن) بأدئه الباهت في أن يسلط (تاج) الضوء على صراعٍ درامي عميق بين مفهومي العمالة للمستعمر والوطنية، مبرزا تناقضات المجتمع في تلك الحقبة، حتى في ظل مسلسل يمتاز بقصته الإنسانية المؤثرة التي تلامس المشاعر من خلال علاقات (تاج) مع عائلته وأصدقائه، ورحلته المضنية في سبيل العدالة.
فها هو الممثل السوري (تيم حسن) المشهود له بالكفاءة والذكاء يعود إلى سابق عهده من (الهيبة) على مستوى استسهال الأداء، حين قدم مسلسل (تاج) في موسم رمضان 2024، من خلال ورق مهلهل دراميا وفنيا إلى حد غير معقول.
التراجع لازم (تيم حسن)!
ورغم هذه القفزة النوعية والاستحقاق اللافت في المسلسل إلا أن الفشل لازم (تيم حسن)، رغم أنه قال كلمته وانتهى الأمر: سأنجز دراما سورية خالصة تصور في غالبيتها في بلادي وبخبرات تراكمت خلال أكثر من عقدين من الزمن.
وصنعت سيرا مهنية مهمة من خلال شغلها بأيقونات الدراما السورية، وبناء على إفادة ذكية من مراحل تاريخية غنية سبق أن واكبتها الدراما السورية، لكن هذه المرة وفق اقتراحات حكائية ومعطيات جديدة لم تسبق أن طرقتها الشاشة التلفزيونية.
ليكرر (تيم حسن) التجربة هذا العام مع (أبو سعدة) والمخرج (سامر البرقاوي)، لنكون على موعد مع حكاية جديدة قيل إن تكلفة إنتاجها هى الأعلى بتاريخ الدراما السورية، وقد وصلت إلى ما يناهز 8.5 ملايين دولار.
صحيح أن قصة مسلسل (تاج) تعيد مشاهدها إلى سوريا في حقبة أربعينيات القرن الماضي، وسط أحداث كان ينبغي أن تكون تشويقية في ظل جهد إنتاجي مبهر للحد الأقصى على مستوى الديكور والعناصر الفنية التي بنيت خصيصا وتركت انطباعا لافتا عند كل من أتيحت له زيارة مواقع التصوير.
ولكن للأسف كل ذلك جاء في محاولة فاشلة لاستعادة تلك الحقبة المزدهرة في سوريا، ولكن على جناح صورة باهتة تعكس شخصية هشة بدت من الحلقة الأولي ركيكة وضعيفة بدا فيها أداء (تيم حسن) على غرار (الهيبة).
يبدو الاستسهال واضحا في تجربة (تاج) الذي بدا لاعب ملاكمة غير مقتنع من الناحية الجسمانية، فضلا عن عمله (بودي جارد) لأحد الملاهي الليلية، فيما بدت الشخصية مهلهلة للغاية لاتتناسب على مستوى الأحداث الملفقة بطريقة تسيء لـ (تيم حسن).
وعلى الرغم من أن الحكاية تنطلق زمنيا قبيل استقلال سوريا عن الاستعمار الفرنسي بسنوات قليلة وتتحدث عن شخصية (تاج الدين الحمال)، أو (تيم حسن)، الملاكم الذي يواجه الخسارة في عديد من مفاصل حياته بسبب تمسكه بقيمه ومبادئه الوطنية.
ليستمد الصراع جوهره من مواجهته مع التاجر الدمشقي المتواطئ مع الاستعمار الفرنسي (رياض بيك) الذي جسده (بسام كوسا) بسبب علاقة الحب التي تجمع (تاج) بنوران (فايا يونان) وهى ابنة العميل.
وتتصاعد الأحداث وفق فرجة بصرية تبدو لأول وهلة مدهشة يزيدها تعاقب تشويقي كان يتوقع أن يكون محكما، وربما كان سيحقق أعلى درجات الإبهار بالاتكاء على حبكة ناحية النص المكتوب على يدي مسرحي أكاديمي.
ضعف السيناريو علة (تيم حسن)
وكان ينبغي أن تواكبه رؤية بصرية استفادت للحدود القصوى من كل الخبرات التقنية الموجودة في سوريا، لكن ضاع كل ذلك سدى على جناح ضعف السيناريو وترهل الأداء من كل فريق العمل، عدا النجم الكبير (بسام كوسا) الذي أبدى أداءا مبهرا.
أما عن اختيار المغنية السورية الشابة (فايا يونان) في أولى تجارها التمثيلية فلم يكن موفقا، رغم أنها حصلت على هذه الفرصة بعد اختبار أداء أجرته أمام المخرج (سامر البرقاوي) وفريق العمل، وخضعت لتدريبات على يد الممثل والمخرج المسرحي اللبناني (عصام بو خالد).
الدور الذي تؤديه (فايا يونان) لم يكن لمغنية، كما أنها لن تقدم أغنيات إلا بشكل عابر من باب استثمار موهبتها الغنائية، وقد جاء اختيارها بناء على اعتبارات كثيرة، أهمها الموهبة والشكل والجمال والكاريزما إلى جانب العفوية، لكن كل ذلك لم يحقق لها النجاح المطلوب.
ظني أن أسباب فشل (تيم حسن) أن (تاج) يمر بعدة مراحل نفسية لم يشعر بها البطل على نجو جيد، أبرزها شعوره بالتخبط تجاه انتمائه وولائه لجماعة (القمصان الحديدية) الذين ينفضون من حوله بدورهم، ليعيش حالة من الإحباط تسفر عن إعادة تشكيل وعيه مع سير الأحداث.
وذلك في ضوء فشل (تيم حسن) بأداء فاتر في سعيه لاستعادة سمعته وزوجته وابنته من غريمه رياض (بسام كوسا).
يذكر أنه في موسم رمضان 2023 قدم (تيم حسن) مسلسل (الزند) الذي خرج عن نمط الهيبة المعاصر زمنيا واستحضر أجواء البطولة الفردية والتشويق ودخلها من خلال قصة بطل شعبي يجد نفسه في مواجهة قوى الاستغلال في بيئته الشخصية، متمثلة بقوى الإقطاع وسلطات الاحتلال العثماني.
ومن خلال تتبع مسار حياة (الزند)، دخل المسلسل عوالم التشويق والإثارة والبطولات الفردية ومآلات ذلك في تكريس صيغ نجاح درامي سابق.
في متابعة لتقديم وصفة النجاح التي تقوم على حبكات سينما الأكشن والتشويق واستثمارها في صناعة دراما تلفزيونية جديدة، لكن فشل صناع مسلسل (تاج) في تقديم أجواء البطولة الفردية التي تواجه صراعات حياتية شخصية ووطنية، من خلال حكاية شاب تتقاطع حياته مع محيطه بشكل خطر.
(بسام كوسا) الإيجابية الوحيدة
حاول صناع المسلسل استثمار ماضي هذه الرياضة لرسم شخصية ستكون بطلا فرديا جديدا في الشكل الفني الذي ترغب في تقديمه على نحو احترافي يضمن النجاح لمسلسل (تاج) الذي يحوي صراعات على أكثر من مستوى، ليقدم جرعة عالية من الشغف الفني.
(تاج)، رجل ذو شخصية معقدة تتأرجح بين مستويات عديدة في حياته الشخصية والمهنية، شخصية تحمل في تفاصيلها ذرى درامية حادة، فهو وطني وناجح رياضيا ومحب للآخرين ووفي لزوجته وابنته، لكنه في الآن نفسه متهور وأرعن وعصبي ومقامر.
هذه التناقضات أوجدت فيه حالة درامية صاخبة لم يستثمرها الكاتب (أبوسعدة) ليقدم مسارا روائيا يحمل حالة درامية إنسانية حقيقية، لكنها كانت مصطنعة، فالبطل (تاج) يحب زوجته لكنه يختلف معها وينفصل عنها رغم استمرار حبه لها.
ويفترض أنه وطني تربى على حب أهله وناسه لكنه بسبب تهوره وسلوكه الجامح يصبح عميلا من وجهة نظر بعض المجتمع، وهو رياضي ناجح يحصد الكثير من النجاحات المهنية، لكنه يخسرها جميعا ويصبح عاطلا عن العمل بشكل مفاجئ، ويضطر إلى بيع الميداليات التي ربحها عندما كان لاعبا.
ولعل هذه هى نقطة الضعف الكبرى في حبكة درامية لم تتمكن من التأسيس في الحلقات الأولى لبطل شعبي يجد نفسه في مواجهة قوى الاستغلال في بيئته الشخصية، متمثلة بقوى الإقطاع وسلطات الاحتلال العثماني.
النقطة الإيجابية الوحيدة أن حضور (بسام كوسا) عامل جذب لأي مسلسل درامي يظهر فيه، لما يقدمه من فن رفيع وكونه صاحب قاعدة جماهيرية عربية كبيرة، ولكن الأمر ذاته كان ينبغي أن ينطبق على (تيم حسن) الذي يمتلك حضورا فنيا عاليا وطاغيا لدى الجمهور العربي.
(فايا يونان) تفتقد للغة جسد معبرة
ولست وحدي من وجد عيوبا كثيرة تعتري أداء (تيم حسن) في مسلسل (تاج)، فقد عبر العديد من المتابعين عن استغرابهم من وجود عدة مشاهد في المسلسل تدور فيها حوارات باللغة الفرنسية دون توفر ترجمتها للعربية.
متسائلين عن سبب غياب الترجمة، ومؤكدين عدم قدرتهم على فهم الحوارات الواقعة بين أبطال المسلسل باللغة الفرنسية.
كذلك، عبر بعض المتابعين عن شعورهم بالملل من المسلسل، معتبرين أنه يفتقر إلى عنصر التشويق والإثارة، كما انتقد البعض أداء الممثل السوري (تيم حسن) في المسلسل، مؤكدين أنه لم يبهرهم ولم يقنعهم.
وكتبت إحدى المتابعات في تغريدة على منصة (إكس): (مسلسل تاج في شي ناقص بهالمسلسل.. فعليا أنا بلشت حس بالملل بمتابعته)، بينما قال آخر: (وصلت للحلقة 8 من مسلسل (تاج)، وصراحة ما حسيت بالانجذاب ولا عجبني أداء (تيم حسن).
وانتقد عدد من المتابعين أيضا مشاركة المطربة السورية (فايا يونان) في المسلسل بدور البطولة، معتبرين أنه يوجود العديد من الأسماء الأحق منها لهذا الدور، وأنا معهم تماما، فملامحها جامدة، وانفعالاتها مزيفة، وتفتقد للغة جسد معبرة.