بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
لن تتذكر اسم (لطيفة نظمي) بسهولة.. خاصة أنها لم تعش طويلا فقد توفيت عن 47 عاما إثر إصابتها بالجنون.. لكنك ستتعرف على وجهها بسرعه إن كنت من هواة الأفلام الأبيض والأسود، ستراها في دور سنية في فيلم العريس الخامس مع (حسين صدقي وعباس فارس وبشارة واكيم ومحسن سرحان).
كما ستراها في دور الابنة (خديجة) في فيلم البؤساء مع (عباس فارس وأمينة رزق وسراج منير)، وفي فيلم (شهداء الغرام مع ليلى مراد وأنور وجدي) وغيرها من الأفلام.
ولدت (لطيفة نظمي) في دمياط عام 1898 لأسرة فقيرة.. لأب صياد لم يستطع الإنفاق عليها ولا على تعليمها لتنتقل (لطيفة نظمي) إلى بيت خالها في القاهرة.. كان الخال أيضا فقيرا لذلك عملت على المساعدة في تربية أطفاله العشرة مقابل لقمة عيشها.
مع جحيم الفقر استمرت (لطيفة نظمي) في البحث عن أي فرصة عمل حتى عثرت يوما بإعلان يبحث فيه الفنان عزيز عيد عن فنانات جديدات للعمل معه في مسرحية جديدة.
تقدمت (لطيفة نظمي) ضمن الوجوه وتم قبولها لتبدأ في العمل بأجر ولتمسك بالنقود للمرة الأولى في حياتها، كانت ترسل منها جزءا إلى أهلها في دمياط وجزءا إلى خالها لمساعدته على تربية أطفاله العشرة.. والمتبقي تعيش به.
استمرت (لطيفة نظمي) في العمل في مسرحيات أخرى منها مسرحية (على بابا) مع (عباس فارس) وغيرها من المسرحيات في فرقة عزيز عيد لتنتقل بعدها إلى السينما في أول فيلم لها وهو فيلم (خفير الدرك ) مع على الكسار وتحية كاريوكا للمخرج توجو مزراحى.
لتبدأ بعدها في فيلم (ساعة التنفيذ) ليوسف وهبي وزوزو نبيل ومحمود المليجي، وقد قامت فيه (لطيفة نظمي) بدور (الست عزيزة) صاحبة صالة ليلية.. كذلك فيلم (عريس من إسطنبول) مع يوسف وهبي وفاخر فاخر وراقيه إبراهيم.
وقد قامت فيه (لطيفة نظمي) بدور الفتاة حكمت وغيرها من الأفلام التي حققت لها دخلا معقولا قررت معه استئجار شقة مناسبة لها في إحدى العمارات.
بالفعل توصلت (لطيفة نظمي) إلى شقة الحلم التي طارت بها فرحا.. فقط ما كان يؤرقها هو الشقة المجاورة لها.. بابها مغلق دائما يتراكم عليه التراب وتزحف عليه العناكب.
الجار يقف أمام باب شقته
كانت تتمنى أن يكون لها جار يزيد المكان ونسا وألفة.. سألت عن ساكن الشقة ليخبروها بأنه طبيب في احدى المستشفيات.. وأنه دائم المبيت في عمله.. ولا يحضر إلى شقته إلا على فترات متباعدة.. ومرات قليلة.
في إحدى هذه المرات وأثناء عودتها من عملها فوجئت بالجار يقف أمام باب شقته يحاول فتحه دون جدوى.. تعارفا في ترحاب متبادل وأحضرت له من شقتها بعض الأدوات التي ساعدته على فتح بابه.
كانت هذه المقابلة بداية تجاذب عاطفي بينهما.. تطور إلى تعدد اللقاءات.. فمصارحة.. فزواج سعيد في أيامه الأولى.. فبعد فترة بدأ غياب الطبيب الزوج يتكرر.. وتطول المدة كل مرة عن سابقتها.. وفي احدى المرات طال غيابه لكثر من شهر مما أثار ريبتها الممتزجة بالقلق.
اتجهت (لطيفة نظمي) إلى المستشفى التي يعمل بها زوجها تسأل عنه لكن المفاجأة هى تأكيدات الجميع أنه لا يوجد لديهم طبيب بهذا الاسم يعمل هنا.
استمرت (لطيفة نظمي) عدة أيام تاليه تسأل في مختلف مستشفيات القاهرة لتصدمها نفس الإجابة في كل مستشفى.. بل والتأكيد أنه لا أحد سمع باسم مثل هذا الطبيب.
تعود (لطيفة نظمي) إلى شقة الزوجية تبحث عن أي خيط لمعرفة الحقيقة.. تذكرت درج مكتبه الحريص دائما على إغلاقه بشكل محكم.. قد يكون السر قابعا في ظلمته.
بعد تردد قررت كسر الدرج.. لتعثر بداخله على أوراق غريبة.. أوراق مليئة بالطلاسم السحرية والرسومات المبهمة.. في وسطها قائمة بأسماء بعض النساء وعناوين إقامتهن.
بدأت (لطيفة نظمي) رحلة البحث عن سر هؤلاء النساء بالذهاب إلى محل إقامتهن.. لكن المفاجأة أنها عندما تصل إلى عنوان إحداهن تجد أنها قد قتلت منذ فترة في ظروف غامضة.. وأن تسلسل القتل هو بنفس ترتيب أسمائهن في قائمة زوجها الطبيب.
بحثت (لطيفة نظمي) عن إحدى المشايخ وأسرعت إليه بالطلاسم والرسومات لتكسو وجهه علامات الريبة، مؤكدا لها أن من كتب هذه الطلاسم هو جنى.. وأن زوجها قد يكون هو جنى متمثلا في شكل شخص.
جني يكتب الطلاسم والتعاويذ
أو على اتصال بجني يكتب له هذه الطلاسم والتعاويذ.. وأن عليها أن تتأكد من مواعيد ظهوره.. لأن مثل هذا النوع من الجني المؤذي لا يظهر إلا في النهار فقط.. وعليها حينئذ التصرف بحذر شديد معه.. ومواجهته بالقرآن والآذان بصوت عال.
ألقت الذاكرة للطيفة بمواعيد ظهور زوجها سابقا، وكانت بالفعل كلها في النهار وغيابه دائما في الليل بحجة عمله في المستشفى.
ازدادت (لطيفة نظمي) هلعا.. فكرت في الاستعانة بالفنان (يوسف وهبي) التي شاركته عدة أعمال سينمائية.. فهو سليل الباشوات ومعارفه في كل اتجاه.. والذي بمجرد سماعه لتفاصيل القصة انطلق بها إلى قسم الشرطة.
وهناك لم يكن ممكنا اتخاذ أي إجراءات ضد جني.. فلا يوجد في القانون إجراءات بذات الخصوص.. لكنهم وعدوا بالبحث وراء هذا الزوج المفقود للوصول إلى حقيقته.
بعد فترة ظهر الزوج عائدا فجأة إلى البيت.. فاجأه درج مكتبه المكسور.. استشاط غضبا لينفجر في وجهها.. هاجمها محاولا قتلها.
كانت (لطيفة نظمي) جاهزة لهذه المحاولة بأسطوانات الشيخ محمد رفعت ليرتفع في أرجاء البيت صوته بالقرآن والآذان.. لتصيب الزوج تشنجات غريبة متجمدا في مكانه.
تسارع (لطيفة نظمي) بضربه على رأسه ليسقط فاقدا للوعي.. تأتى الشرطة وتصحبه للبدء في التحقيق حول هويته.. لتكشف التحقيقات أن هذا الطبيب المزيف هو السفاح والقاتل المتسلسل مرتكب جرائم قتل النساء الأخيرة في أنحاء القاهرة.
وأنه ذو تاريخ في مستشفى الأمراض العقلية.. وهو وارث لهذا المرض عن أبيه المصري الذي تزوج من أمه السويدية.. ليتم إيداع القاتل المختل السجن في انتظار محاكمته.
فى هذه الأثناء اكتشفت (لطيفة نظمي) أنها حامل في شهرها الثالث.. عند الولادة جاء الطفل مشوها بدرجة مرعبة.. درجة أصابتها بصدمة هائلة.. تطورت إلى انهيار عقلي.. أسلمها إلى حالة جنون مطلق.. لتموت على إثرها في فبراير 1945 عن عمر 47 عاما.