بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
لا أظن أننى أتابع أحدا من الأدباء ..كما أتابع الأستاذ الكبير (محمد العزبي).. لذلك سعدت جدا.. عندما استحلفنى بحياته عندى.. وهى غالية.. أن أكمل حكاية المرحوم (طاهر البدري)، الذى توفى منذ فترة، ويسعدنى أن أذكر هذا الجزء من الحكاية.
** عندما خرج (طاهر البكري) من مكتب (شعراوي جمعة) وزير الداخليه المرعب، وهو يسب ويلعن.. لعنت اليوم الذى صادفته فيه، على أساس ان الوزير سيصب كل غضبه على شخصي الخارج توا من معتقل.
ظل (طاهر البكري) به 25 شهرا و 12 يوما فى عنبر النشاط المعادى.. بعد أن رفضت الانضمام إلى عنبر اليسار لأننى من وجهة نظرى لست شيوعيا.. رغم تصميم الجميع على عكس ذلك، وتصميمى أننى تقدمى فقط.
بعد أن تناول الوزير القهوة والمهدئ.. عادت أعصابه إلى طبيعتها وعلي هذا الأساس أمرونى بالدخول علي سموه.
دخلت على (شعراوى جمعة) و أنا لا أصدق أن (شعراوى جمعة) يهتم بشاعر صغير السن مثلى.. المسافه بين باب الحجره و مكتبه طويله جدا تحتاج من وجهة نظري إلي مواصلات.
عندما رآنى(شعراوى جمعة) خرج من مكتبه ليقابلتى فى منتصف الطريق، وهو يضرب كفا بكف قائلا:
** إنت إبراهيم رضوان؟
لا حول ولا قوة إلا بالله.. أنا فكرتك إنسان ضخم وله قرون وصوته أجش.. لم أكن قد تكلمت بعد..أكمل حديثه:
** يعنى يا ابراهيم ..إسرائيل قعدة تضرب فى البلد من بره.. و أنت قاعد تضرب فيها من جوه.
(شعراوى جمعة) يسألني؟
هنا دافعت عن نفسى ولأننى لا أجيد التعامل مع الأكابر مثل (شعراوى جمعة) قلت له: عمرى ما ضربت البلد من بره أو من جوه يا أستاذ شعراوى!
ضحك الوزير بشده، يبدو أنها المرة الأولى فى حياته التى يسمع فيها من يقول له انه أستاذ!
احتضننى، و قبلنى، و جلس بجانبى والأبنودي قاللي عنك انك سوداوي.. لم أعلق لأن الأبنودي ومحمد عروق مدير إذاعة صوت العرب هما الواسطه التي أخرجتني من المعتقل.
** قال لي (شعراوى جمعة) تحت أمرك: طلباتك؟
** قلت له: أرجع طلخا تانى
** ما انت راجع دلوقتى
** مش باتكلم على دلوقتى.. (محمد حافظ غانم) وزير التربيه والتعليم نقلنى سوهاج علشان تقبضوا عليا من هناك.
** خلاص سيب مذكره و ها ننقلك وجه بحرى.. لحد ما نتأكد إنك عقلت..لك طلبات تانية؟
** كدت أقول له: عايز ربع جنيه سلف لأن كل اللى مهايا 99 قرش بعد ما خدت جنيه من أبو حصيرة الفلسطينى في طرة و شربت عرقسوس بقرش!
** منعنى خجلى رغم تبسطه معي.. قلت له
معاش أبويا ازاى يبقى 4 جنيه ؟
** هو كان بيشتغل إيه؟
صعق الرجل عندما قلت له: دا كان بيشتغل صول فى وزارة الداخلية!
وخرجت من مكتبه بلاظوغلى لأخذها سيرا على الأقدام حتى محطة رمسيس..
قطعت تذكره درجه ثالثة، و ظللت واقفا حتى المحلة.
المفاجأة.. أمى مريضة جدا
عندما لمحنى رجلا من الذين كانوا يحضرون ندواتى فى بنزينة قديمه ظل يتجاهلنى حتى وصل القطار إلى طلخا.. الرجل كان خائفا من أمن الدولة المنتشر فى كل مكان.
وصلت المنزل لتكون المفاجأة.. أمى مريضة جدا ووالدى فى دائرة شلل بسبب اعتقالى و.. و.. و.. و.. و..!
خرجت إلى الشارع لأسلم على كل من يقابلنى لتكون المفاجأه الأخرى.. كل من يقابلني يجرى بمجرد مصافحته.. قابلت صديقى (سامى المتولي) ليخبرنى أن (فرج عطالله يوسف) يبكى كل يوم من أجلي.. قلت له:
والدى أخبرنى أن هناك شخص بهذا الإسم يحضر لهم يوميا لخدمتهم والسؤال عنهم و إحضار الأطباء لهم و.. و.. و..!
قال لى سامى:
هو شاب مسيحى.. قرأ ديوانك (الدنيا هى المشنقة).. فبحث عنك في كل مكان.. وعندما أوصلوه لى على أساس أننى صديقك.. أخبرته أنك فى المعتقل.. فصمم أن يقوم بدورك فى رعاية الأسرة أثناء غيابك، بعد أن أقتعهم أنه من أعز الأصدقاء بالنسبة لك.
قلت لسامى:
سبحان الله.. لقد حذرتهم منه عندما أبلغونى بما يفعله وخدماته لهم على أساس أنه من أمن الدولة و لم يصدقونى!
قابلت (فرج عطالله يوسف) المسيحى الذى احتضننى وهو يبكي.. ثم جرى وهو يقول لى:
لما أروح أبلغ أمى إنك خرجت علشان تبطل عياط!
وكانت البداية لهذا الرباط المقدس الذى يربطنى بمريم العذراء
وللحديث بقيه عن (طاهر البدري) الفيلسوف الشيوعي.
رمانة الميزان
وكونتي لما صونتي العهد.. رمانة ميزان ليا..
وجسر الصبر.. لما القبر.. كان بينادي عشاقك..
وكان.. في نفسي أشتري ليكي.. وزن ليا..
جرام ناقص من الألماظ.. وقاللي رحلتي في براقك..
لقيتك تحت نخلة عتيقة.. قعدة تظغطي العصافير..
ومش لاقية لحاف مقطوع.. يغطي القطة م السقعة..
تحوم حداية فوقك.. تخطف الكتاكيت.. عشا للغير..
تسيبلك جلابيه قديمة.. فيها 900 رقعة..
تعبتي معايا م التعابين.. وم الخفافيش.. وم الدبابير..
من القطران.. إذا نقعونا فيه ياحبيبتي 100 نقعة..
أنا راجع.. إذا رب الوجود والكون أذن ليا..
عشان أخلط.. في ضيقي م الحياة و الناس.. مع ضيقك
من كتاب (مدد.. مدد)
سيرة ذاتية لبلد