أمينة صبري صاحبة (حديث الذكريات) تتذكر حوارها مع (فهد بلان).. (1/2)
* الأمن السوري يقبض علي فهد بلان لكي أجري معه الحوار لإذاعة صوت العرب
* فهد بلان: هربت وأنا طفل مع أمي وإخوتي من السويداء إلي الأردن خوفا من أبي
* الإذاعة السورية رفضتني وقالت لي: (أنت لا تصلح للغناء)!
* بدأت حياتي الفنية ككورس، وتعلمت أصول الغناء من خلال عملي في الكورس
* أنا لا أصلح للغناء الرومانسي الملئ بالذل والضعف
* الملحن عبد الفتاح سكر رفيق دربي ونجاحي
* قمت بعمل انقلاب في شكل ومضمون الأغنية والمطرب
بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري
حول الحوار
ذهبت إلي سوريا الحبيبة بعد فترة انقطاع بين مصر وبعض الدول العربية، والتي قاطعت مصر بعد معاهدة السلام، وكانت تجربة مؤثرة جدا في وجداني من خلال حواري المهم مع المطرب (فهد بلان).
فقد قوبلنا كبعثة لإذاعة (صوت العرب) بترحاب وحب ومودة كبيرة جدا من الناس والمسئولين لدرجة أن سائقي التاكسيات كانوا يرفضون أخذ الأجرة بعد سماع لهجتنا المصرية.
وكذلك حال أصحاب المحال في سوق الحميدية، وباقي الأسواق يرحبون بنا ترحيبا شديدا، ويصرون علي تقديم بعض الهدايا البسيطة الخاصة والمميزة لسوريا.
بل ويتحدثون معنا عن حبهم لمصر وللمصريين والمسئولون في الإذاعة، وسخروا كل جهودهم لانجاح مهمتنا الإذاعية.
وكان في ذهني، وفي تخطيطي بعض الأسماء التي أود أن التقي بها من نجوم سوريا، وأيضا بعض الأماكن والأحداث هناك.
ومن أهم الأسماء التي حرصت أن أراها هو الفنان (فهد بلان) الذي كان نغمة جديدة في تيار الغناء، وأدهش جمهوره بصوته الجهوري، وطريقة غنائه وحركاته علي المسرح فأحدث ضجة كبيرة ونجاح غير مسبوق لدي جمهوره ..
(فهد بلان) على القمة
وظل (فهد بلان) على القمة في الغناء سنوات عديدة وقدم أيضا بعض الأفلام، ثم فجأة اختفى من الساحة ولا أدري لماذا؟!، فطلبت من رئيس الإذاعة السورية أن التقي به.
ومرت عدة أيام، ثم اتصلوا بي من الإذاعة السورية ليبلغوني أن (فهد بلان) سيأتي إليّ في الفندق.. انتظرته في بهو الفندق في الميعاد المحدد.
وفجأة دخل (فهد بلان) مصفر الوجه، مرتبك ارتباكا شديدا وخائفا!
اندهشت من هذا الموقف، وتقدمت له وعرفته بنفسي، وبسبب قدومه جلس على المقعد حامدا وشاكرا لربه.
وقال إنه أتي إليّ عن طريق الأمن الوطني فقد كان يعيش في بلدته بالسويداء، يشرف على زراعته هناك، ومبتعدا عن الفن.
وفجأة أتي إليه الأمن وطلبوا منه أن يأتي معهم إلى دمشق ولم يعرف السبب، فتصور أنه مقبوض عليه.
المهم هدأ (فهد بلان) قليلا، وفرح كثيرا عندما علم أنني مذيعة في إذاعة (صوت العرب) الحبيبة إليه، وإنني أود أن أسجل معه لأن المصريين والعرب مشتاقون إليه.
وجلسنا فترة نتبادل الحديث، ثم طلب مني أن أرجئ الحديث معه لكي أزوره في مزرعته في السويداء بشمال سوريا لكي أري كيف يعيش وماذا يفعل؟!
ثم نجري الحديث الهام بالنسبة له وسط مزرعته، وخيوله وحياته التي يحبها ويفضلها عن أي شيء آخر.. فوافقت علي اقتراحه وضربنا موعدا لهذا اللقاء.
في اليوم المحدد ذهبت في رحلة مثيرة وجميلة إلي جبل السويداء في سوريا، وهى بقعة جميلة جدا، ومليئة بالمناظر الطبيعية الخلابة لألتقي (فهد بلان)
وجبل السويداء منطقة مرتفعة مخضرة اخضرارا جميلا، ويقطنها الدروز في سوريا …..
نزهة في مزرعة (فهد بلان)
وصلت إلي هناك فوجدته في استقبالنا مرحبا ترحيبا شديدا بنا، وعرض علينا (فهد بلان) أن نذهب في نزهة إلى مرزعته التي يحبها كثيرا فهو فخور بها وبزراعته التي يقوم بها بنفسه.
فطلبت منه أن نرجئ هذه النزهة بعد أن نستريح، ونشرب القهوة العربية الأصيلة، ونجري الحوار ثم نذهب لكي نشاهد مزرعته، فوافق علي ذلك.
* بدأت الحديث معه حول اندهاشي وجمهوره من ابتعاده عن الفن بعد أن نال شهرة كبيرة، وحب طاغي من جمهوره فهو صاحب لون مميز في الغناء من حيث اللحن والكلمة والحركة وحتي الشكل فلماذا بعد كل هذا النجاح توقف؟!
** فبدأ (فهد بلان) يحكي لي حكايته مع الفن والحياة فقال أنا عشت قصة حياة مليئة بالكفاح، ومليئة بالعجائب أيضا!.
فقد هربت أنا ووالدتي وإخوتي من بلدتنا السويداء إلى الأردن بعد أن تزوج أبي من امرأة أخرى، فخافت والدتي أن يأخذنا منها فهربت بنا في رحلة شاقة إلي الأردن.
وكانت والدتي سيدة ريفية بسيطة مرتبطة جدا بأولادها وعشنا في الأردن لمدة خمس سنوات، والتحقت بالمدرسة هناك.
وأذكر أنني كنت أغني في حفلات المدرسة وسط الأصدقاء، وفي الحفلات والأفراح، وكنت أغني لعبدالوهاب ولفريد الأطرش، واكتشفت أن لي صوتا جميلا، واستطيع الغناء وأنا مازلت طفلا صغيرا.
وبعد خمس سنوات اشتقت لأبي ولبلدي فهربت من الأردن، ورجعت مرة أخرى إلى السويداء، وعشت مع أبي فترة، ثم طلبت للتجنيد في الجيش.
ودخلت الجيش مجندا لمدة سنتين، وهناك كنت أغني في حفلات السمر، وحفلات الجيش، ووسط الأصدقاء، وقائد الفوج الذي كنت أتبعه كان محبا للغناء فقربني له وكنت أغني له ولأصدقائه.
وبعد انتهاء مدة خدمتي بالجيش أعطاني القائد مبلغ أربعين ليرة بدل انتهاء الخدمة، فذهبت واشتريت ملابس لي ونضارة شمس!، كان نفسي يكون عندي نضارة شمس!..
ثم ذهبت لوالدتي بالأردن لمدة عام، ورجعنا جميعا معا إلي جبل السويداء، وأنا في كل هذه الرحلة أغني، وأغني، وأغني في الحفلات العائلية ووسط الأصدقاء.
* ألم تفكر في احتراف الغناء ودراسته؟
** (فهد بلان): فكرت طبعا وتقدمت للإذاعة السورية، وتم اختباري أمام لجنة مهيبة مكونه من الأساتذة (يحيي العودي، ويوسف باتوني)، وغيرهم.
ولكن للأسف رسبت في هذا الامتحان، وأصبت بإحباط شديد، كيف أن كل الناس يعجبون بي في الغناء وأرسب أمام اللجنة؟!
وبعد تفكير عميق عرفت سبب رسوبي، فقد غنيت لهم أغنية رومانسية لفريد الأطرش، وأدركت أن هذا اللون الرومانسي في الغناء لا يناسبني من حيث الصوت والشكل.
فقررت أن أتقدم مرة أخري للاختبار الإذاعي، ولكن بلون يليق بصوتي، وبالفعل غنيت أمام اللجنة أغنية للمطرب اللبناني (إيلي بيضا) أسمها (آهين ضرب السيف).
ونجحت وتم إجازة صوتي، وعملت كمطرب في الكورال أي في الكورس، وكان معي المطرب (محمد غازي، ومحمد مرعي) وكان يرأسنا الملحن الكبير ورفيق نجاحي ودربي (عبدالفتاح سكر).
* وهل استفدت من عملك في الكورال؟
** (فهد بلان): كانت مرحلة تعلم وتعليم، فتعلمت أصول الغناء وألوانه، من موشح إلي الدور، إلى الموال، إلي آخره، وتعلمت أيضا أدوات الغناء، وطبقات الصوت، فكانت مرحلة إعداد وتثقيف وتأمل.
* ماذا تعني بمرحلة تأمل؟
** (فهد بلان): ظللت لمدة ثلاث سنوات في مرحلة التعليم أما التأمل فقد استمعت إلي ألوان الغناء المختلفة، ووجدت أن معظم الغناء العربي رومانسي ملئ بالضعف والشفقة، والذل والاستعطاف.
وأنا طبعا لا أعترض على هذا اللون من الغناء فهو يحتوي على معان إنسانية سامية وراقية، ولكن وجدت نفسي لا أميل إلي هذا اللون من الغناء، بجانب أن جسمي ضخم.
كما أن صوتي يحمل صفات القوة والبداوة، فلن يصدقني أحد إذا غنيت بمعاني الضعف والنوح والاستجداء.
ولهذا قررت في فترة التأمل، أن أخط لنفسي خطا جديدا في الغناء، فيجب أن أكون المحب القوي الشجاع المقدام، وصلت لهذه الفكرة أنا والملحن عبدالفتاح سكر رفيق النجاح.
وبدأ مشوار النجاح بأغاني مثل (جس الطبيب، وأهل الهوي) وهكذا، واشتهرت جدا في سوريا فقط لأن الإذاعة السورية كان إرسالها لا يتعدي عشرة كيلو مترات.
ومن هنا فقررت الذهاب إلي لبنان، ونجحت نجاحا باهرا غير متصور وحدث انقلاب غنائي، وكتب عني النقاد ولقيت إعجابا من الجمهور اللبناني لن أنساه.
في الجزء الثاني من الحوار نتعرف على أسرار أخرى من مسيرة مطرب الرجولة فهد بلان.