بقلم الناقدة: علا السنجري
على الرغم من انشغال الجمهور العربي بمارثون رمضان الذي تشتد فيه المنافسة على القمة، إلا أنني أرى أن مسلسل (بين السطور) سيظل أثره غالبا حتى الآن، لعدة أسباب أبرزها: الأداء الخرافي لكل من النجمة العربية (صبا مبارك).
علاوة على (صبا مبارك) هناك أداء استثنائي لكل من (محمد علاء، أحمد فهمي، وليد فواز) والأخير لعب دورا مهما على قلة مساحة الدور، لكنه برز بأداء بارع في شخصية (محمود) التي جعلها محورية ضمن أحداث تتسم بالإثارة والتشويق.
ومن ضمن الأسباب نحاح مسلسل (بين السطور)، تلك الحبكة الدرامية المتقنة، والتي جعلت إيقاع الأحداث على حد السكين، حيث جاءت المشاهدة متسقة تماما مع الصراع الدرامي الذي اكتفنه قدر كبير من التشويق والإثارة.
(المصري أم الأجنبي ).. مقولة إعلانية قديمة جاءت إلى ذهني منذ أن تابعت مسلسل (بين السطور)، فقد استطاع أن يتفوق على نظيره الكوري (Misty)، أحداث متلاحقة بين الماضي الحاضر دون تشتيت ذهن المشاهد والحفاظ على الخط الخط الدرامي الرئيسي.
وإن أصابه القليل من الملل وأحداث فرعية، ربما ذلك بسبب أن يطول عدد حلقاته إلى 30 حتى يمتد عرضه قبل السباق الرمضاني لسيل الأعمال الدرامية التى ربما يكون منها القليل هو الأفضل، وقد يحسب للعمل توقيت عرضه.
حقق هذا (بين السطور) التوازن بين الحرفية والجهد المصنوع بإتقان في كافة التفاصيل بفريق عمل تم اختياره جيد وخاصة الكتابة تحت قيادة سرد (مريم نعوم) والمخرج (وائل فرج).
ربما من وجهة نظري أن الفكرة الاساسية للعمل هو مدى احتياج كل إنسان للحب المجرد بلا مصالح، بما يتطلب معه تصالح مع الذات أولا.
أحداث (بين السطور)
تدور أحداث (بين السطور) حول المذيعة (هند) التي ربتها والدتها على تحقق مستقبلها أولا، وأن تختار من يحقق لها ذلك دون النظر إلى العواقب، أحبت (هند) جمال وتركته لأنه موظف بسيط ولا يملك شيء يقدمه لها.
مما يسبب له حقد بداخله تجاهها رغم عشقه الشديد لها، مما يدفعه للانتقام والتهديد، تتزوج من (حاتم) المحامي الذي ترك النيابة، علاقاته ونفوذه التي تستغلها لتحقيق طموحها لتصبح أكبر مذيعة توك شو.
وأحبها (محمود) الذي يضحي بمستقبله ويدخل السجن ليحمي سمعتها، ويظل يحبها في صمت طوال سنوات سجنه، وحتى بعد خروجه يظل يحميها.
و(هدى) صديقتها التي تغار منها وتتزوج من (جمال) حبيبها السابق لتتفوق عليها وتجعله نجم في رياضة الرماية، و(ملك) المذيعة المبتدئة التي تحاول أن تأخذ مكانها في البرنامج ثم تتعاطف معها بعدما ترى حقيقة (جمال).
ونجد المحقق (علاء) يبحث في مقتل جمال لإحساسه أنه ليس حادث سيارة عادي بل حادث مدبر.
كتابة (بين السطور) هنا تحت قيادة سرد مريم نعوم، استطاعت كل من (نجلاء الحديني وسارة الطوبجي وفاطمة الزهراء) رسم خيوط الشخصيات وترابط الأحداث بشكل جيد، التنقل بين الماضي والحاضر دون تشتت ذهن المشاهد بسلاسة، الحوار راقي في مواجهات (هند وحاتم) في أكثر من ماستر سين بينهم.
الكتابة أوضحت الشخصيات ودوافعها النفسية والسلوكية، نجد (هند) المذيعة المشهورة التي وصلت لمكانتها بمجهودها، تحاول أن تنتصر للحق لتحافظ على نجاحها.
(حاتم) شخصية سلبية عنيدة
تتحمل عاقب (حاتم) لخوفها من الأمومة، وليس لها سند سوى عملها، فقد تعافت من قسوة والدتها.
(حاتم) شخصية سلبية عنيدة لا يواجه بل يهرب لشيء آخر، يترك النيابة هربا من نجاح والده، يعاقب (هند) بالصمت والتجاهل، رغم أنه يعيش صراع مع والدته بسببها.
هو أغلب الوقت شخصية هادئة يفضل العقاب الصامت، إلى أن يستفزه (جمال)، وفي لحظة غضب يقتله بلا قصد.
(هدى) دافعها الغيرة من (هند) مما يدفعها للتمسك بجمال ودفعه للنجاح، ومحمود المراهق الذي ضحى بمستقبله ليحافظ على سمعة (هند)، يعيش بلا هوية مجرد عاشق كل همه هو الاهتمام بها وحمايتها.
(جمال) هو أيضا شخص غير سوي نفسيا مجروح كبريائه لأن حبيبته تركته، يعود لينتقم ولا يستطيع التعافي من حبها، والدة (هند) تتولى توجيه مشاعر ابنتها ربما لما عانته مع والدها.
إقرأ أيضا : أحمد فهمي .. فنان يعانده القدر
ربما من وجهة نظري أن الخطأ الوحيد والذي بني عليه (بين السطور) هو حادث مقتل (جمال)، من السهل معرفة كيف قتل بتشريح الجثة، لذلك جاءت النهاية صادمة للمشاهد.
انصب اهتمام مؤلفي العمل على زيادة نسبة الإثارة حول من هو قاتل (جمال)، ولهذا السبب ظهر بعض المط والتطويل لأحداث فرعية، القاتل طوال الحلقات شخص مثالي يبحث عن العدالة للمظلومين.
ليتحول فجأة إلى مجرم، بل يظهر الأمر كأنه حادث سير، ويخفي الحقيقة ويترك شخص آخر يتهم بما فعله، النهاية ربما تكون غير مقنعة للكثيرين.
المخرج (وائل فرج) مخرج متميز جدا، قاد العمل بفريق جيد ساعده في إنجاح العمل، حافظ على إيقاع العمل من الحلقة الأولى.
(صبا مبارك) تحكم وثبات انفعالي
اختيار جيد للممثلين في (بين السطور)، خاصة في اختيار الوجوه الشابة التي قامت بأدوار (هند، وجمال، وهدى، ومحمود) في فترة الجامعة لأن الأحداث الأساسية كانت في ذلك الوقت.
اختارهم لقرب الشبه الشديد مع الأبطال، إدارة زوايا الكاميرا والإضاءة، كذلك استطاع صياغة التشويق بالصورة للحبكة الدرامية جيدا.
الموسيقى التصويرية لـ (خالد الكمار) كانت عنصر هام جدا في تكلمة الحوار الصامت بين هند وحاتم، لإظهار هروب كل منهم من المواجهة.
السكتات والموسيقى أوضحوا ما بين السطور في علاقة باردة تعتمد على العقاب النفسي، إجابة كل الأسئلة موجودة بين السطور في ذلك الصمت البارد الممتلئ بالغضب المكبوت لدى (حاتم).
أداء (صبا مبارك) في مسلسل (بين السطور) تحكم وثبات انفعالي، وتركيز لإثبات قدرتها على النجاح مهما كان الثمن، فقد برعت إلى حد كبير في تجسيد شخصية الإعلامية (هند) بجدارة الموهبة.
(محمد علاء) نضوج فني كبير
(أحمد فهمي) يعتبر أفضل أداء له، فقد أجاد استخدام ملامح وجهه في تعبيرات رافضة وغاضبة ،هادئ من فوق السطح، لكنه داخليا بركان ينتظر الانفجار، يعيش صراعا في أكثر المواقف تعقيدا، اعتمد أحمد فهمي على ضبط انفعالاته جيدا.
(محمد علاء) نضوج فني كبير في دور النرجسي الذي يرى نجاحه، لكنه يهتز أمام حبه الأول الذي تركته لأنه لا يملك شيئا، شخصية تحكمها تصرفاته المجنونة دون النظر للعواقب.
إقرأ أيضا : محمد علاء .. صانع الشر بدهشة إبداعية
(ناردين فرج) في دور (هدى)، أجادت دور الفتاة التي تستجدي الحب ولديها غيرة من (هند) لأن الجميع يحبها، تتلذذ دور الضحية.
(سلمى اأبو ضيف) تطور في الأداء وإجادة لدور (ملك) بوعي كبير، برع (علي الطيب) في دور المحقق (علاء) بشكل مختلف عن ما قدمه من قبل، وأتمنى ألا يحصره المخرجون في هذه النوعية من الأدوار.
قدم (بين السطور) مواهب شابة رائعة مثل (عمر شرقي، وباسل الزارو، وعمرو جمال).
(وليد فواز) تفوق على نفسه
(سلوى محمد على) قدمت دور الأم الصارمة، التي تقسو على ابنتها لتنجح، وجود (أنعام الجريتلي) في دور والدة (جمال) إضافة جيدة.
(ليلى عز العرب) كعادتها في تقديم نوعية مماثلة، الفنان (عزت زين) قدم دور الأب المعترض على قرارات ابنه، لكنه يحاول الوقوف بجواره لحظة إخفاقه.
(محمد لطفي شاهين) أداء ممتاز، (كريمة منصور) قدمت الصديقة المخلصة التي تساند صديقتها في الشدة بأداء جيد، جعل جميع المشاهدين يتمنون صديقة مثلها.
إقرأ أيضا : (وليد فواز).. ممثل يملك القدرة على فهم وخلق طبيعة بشرية حقيقية
(وليد فواز) تفوق على نفسه مرة أخرى في دور العاشق من طرف واحد، ويحمى من يحب دون انتظار مقابل، تغلب على بنائه الجسدي ليقدم دور رومانسي بملامح هادئة، أغلب مشاهده صامتة لكنك تقرأ ما بين السطور ما يدور بداخله من صراع ينفجر في مشهد التحقيق معه.
المواهب الأربعة لابد من الاشادة بهم وهم: آية زايد (هند شابة)، ومحمود فايز (جمال شابا )، و ليديا أيمن (هدى شابة)، وإسماعيل السخري (محمود شابا).
لابد لنا من القراءة جيدا (بين السطور)، فما فوق السطح يختلف كثيرا عما وراءه، لا يوجد شيء بلا عواقب ولا نجاح بلا تضحيات، لا يوجد حب مجرد، لكن يوجد حب قد يأخذنا إلى الجحيم، في النهاية العمل رائع جدا تفوق على نظيره الكوري.