بقلم: محمود حسونة
جاء (رمضان) ومعه بدأ مولد الدراما السنوية وموسم التنافس بين الفنانين والمخرجين والمنتجين والفنيين على نيل رضا عشاق المسلسلات، جاء (رمضان) ولكن غاب الشغف بالدراما الذي كان معتاداً في السنوات الماضية.
وغياب الشغف يستلزم من صناع الدراما المزيد من الإبداع لاستعادته.. يفرض عليهم مضاعفة الجهد حتى يحتفظ الموسم الرمضاني بوهجه الدرامي.
جهد يستهدف جذب الجمهور الذي قرر الاستغناء عن مشاهدة المسلسلات أو على الأقل الحد منها والاكتفاء بمشاهدة مسلسل واحد أو اثنين في وقت يتنافس فيه 36 مسلسلاً مصرياً.
ناهيك عن الإنتاجات السورية واللبنانية والخليجية التي أصبح بعضها يتفوق إبداعاً وإثارة ومضموناً ويسحب البساط من تحت أقدام الدراما المصرية التي أصابتها الشيخوخة وألقت الشللية بظلال سلبية عليها.
وأصبح بعض المشاهدين يفضلون الأعمال غير المصرية بعد أن حطمت المنصات وعالم السوشيال ميديا والفضاء الإليكتروني حاجز اللهجات.
أسباب عدة أفقدت دراما (رمضان) المصرية هذا العام بعضاً من الشغف بها، يتصدرها عدم اقتصار عرض الإنتاجات الجديدة على رمضان، فعلى مدار العام تعرض منصات المشاهدة الاليكترونية وبعض المحطات التليفزيونية مسلسلات جديدة، منها الغث ومنها الثمين.
الغث ينساه الناس بمجرد عرض حلقاته الأخيرة، والثمين يظل عالقاً بالذاكرة تاركاً بصماته الايجابية على مشاهديه، الناس لن تنسى (وبينا ميعاد)، ولا (ريفو)، ولا (أبو العروسة)، ولا (حالة خاصة)، ولا (بالطو)، ولا (زينهم) ولا غيرهم من الأعمال المتميزة التي عرضت خلال الفترة الماضية خارج الماراثون الرمضاني.
في حين أنك لو سألت الناس عن الأعمال التي عرضت خلال (رمضان) العام الماضي فلن يتذكروا منها سوى مسلسل أو اثنين وعلى أكثر تقدير ثلاثة، رغم أن المعروض خلاله بلغ 32 مسلسلاً.
خارج ماراثون (رمضان)
تميز بعض الأعمال التي عرضت خارج (رمضان) رغم تصدر أسماء شابة تتراتها، وهبوط مستوى بعض الأعمال التي عرضت في (رمضان) فقط لأن أبطالها من أصحاب الحظوة، هو السبب الأهم في فقدان الجمهور حالة الشغف التي كان يستقبل بها موسم رمضان الدرامي هذا العام.
فالأعمال التي عرضت خارج ماراثون (رمضان) السنوي نالت إعجاب الجمهور كما أثرت الساحة الفنية بأسماء شابة أصبحوا نجوماً بين عشية وضحاها ومن هؤلاء (طه دسوقي وعصام عمر وأمير عيد وصبري فواز وشيرين رضا).
وغيرهم من الأسماء التي تؤكد أن مصر ولادة وستظل منبتاً للمواهب والمبدعين على مر العصور، وهو ما يؤكده التاريخ والحضارة التي تركها الأجداد ولا تزال مصدر إبهار للعالم.
السبب الثاني وراء فقدان الشغف بدراما (رمضان) هى حالة التعتيم الإعلامي عليها طوال مراحل التصوير، والذي يتحول فجأة إلى طوفان إعلامي قبل العرض بأيام.
وهو طوفان يأتي منهمراً ليعجز الجمهور عن استيعابه وتحديد مواقفه من كل مسلسل، ورغم أن اليوم يوافق خامس أيام رمضان فإن الكثير من الناس لم يستقر على ما سيتابعه بشكل نهائي، ولا يزال في حالة استكشاف باستثناء أعمال معدودة.
الأعمال التي حسم الناس موقفهم منها يتصدرها مسلسل (الحشاشين)، والذي ينتظره الجمهور من العام الماضي وذلك بفضل موضوعه الذي يضيء على جماعة الحشاشين التي اتخذت من الدين ستاراً للوصول إلى السلطة واتخذت من العنف والقتل أداة لتحقيق مآربها.
وهو نفس النهج الذي تنتهجه كل الجماعات الدينية التي انتشرت في العقود الأخيرة مستهدفة الوصول للسلطة تحت ستار الدين ومنتهجة الترهيب وسيلة لتحقيق مبتغاها.
بجانب أن اسم صناع هذا العمل أصبحوا من علامات الجودة في صناعة الدراما سواء المؤلف المبدع عبدالرحيم كمال أو المخرج المتميز بيتر ميمي أو النجم المتألق كريم عبد العزيز.
يحيى الفخراني و(عتبات البهجة)
المسلسل الثاني المحسوم أمر مشاهدته هو (عتبات البهجة)، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو اسم بطله الفنان الكبير (يحيى الفخراني) صاحب الأعمال المتميزة عبر تاريخ درامي طويل قدم خلاله عشرات الأعمال التي نالت إعجاب الجمهور بفئاته المختلفة.
ولكن بعض الناس شاهدوا حلقاته الأولى وقرروا استبداله بأعمال أخرى نتيجة ضعف مستواه عن المعتاد في أعمال الفخراني.
المسلسل الثالث هو (إمبراطورية ميم)، ورغم أنه مأخوذ عن رواية الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس وأنه تم تقديمه في فيلم لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والفنان الكبير أحمد مظهر وإخراج المبدع حسين كمال وذلك منذ ما يزيد عن ٥٠ عاماً.
ورغم ذلك فإن الاقبال عليه ليس بسبب (إحسان عبدالقدوس) ولا فيلم حسين كمال بقدر ما هو بسبب أن بطله هو الفنان خالد النبوي الذي انضم خلال السنوات الماضية إلى أسماء النجوم صاحبة المصداقية عند الجمهور مساحة من الثقة في اختيارات (خالد النبوي).
ومساحة من المتعة التي تحققت للجمهور الذي شاهد أعماله الدرامية خلال السنوات الأخيرة هي الدافع الأكبر لمتابعة الناس لمسلسل (امبراطورية ميم).
والمتابع لمواقع التواصل الاجتماعي يجد أن مسلسل (الحشاشين) بمجرد عرض حلقته الأولى تصدر التريند باسمه وباسم بطله كريم عبدالعزيز وباسم مخرجه بيتر ميمي وباسم مؤلفه عبد الرحيم كمال.
وهو نفس الأمر الذي حدث مع (امبراطورية ميم)، و(عتبات البهجة)، ولكن بمستويات أقل.
هذا لا يعني أن المسلسلات الثلاث سالفة الذكر ستكون الأفضل في (رمضان) وإن كانت مكانة (الحشاشين) محسومة إعلامياً ونقدياً وجماهيرياً.
ولكن هذا لا يمنع أن يستحسن الجمهور أعمالاً أخرى ويرفع مسلسلاً أو أكثر إلى التريند ويختاره الأفضل، فالساحة مفتوحة للمنافسة، والأفضل سيفرض نفسه خلال الأيام المقبلة بفضل مضمونه وقدرات صناعه الابداعية.
ويمكن أن تنجح بعض الأعمال المعروضة حالياً في (رمضان) أن تعيد الشغف بدراما رمضان إلى الجمهور ويمكن أن لا يتحقق ذلك.. النتيجة ستحسمها الأيام المقبلة، والملعب يتسع للجميع ومن سيصيب أهدافاً أكثر هو الذي سيفوز في نهاية المباراة.
mahmoudhassouna2020@gmail.com