بقلم: مجدى صادق
فيلم المخرج اليهودى البريطانى (جوناثان جليز) الذى حصل على جائزة الاوسكار لأول فيلم أجنبى لبريطانى ناطق بالألمانية والذى حمل اسم (زون ذا انتريست)، أو (منطقة الاهتمام).
يكشف (زون ذا انتريست) عن وجهة نظر جديدة لمخرج يهودى يعيد قراءة (الهولوكوست) وأفران الغاز برؤية اخرى فى ظل مانراه بنفس السيناريوهات التى تحدث على ارض فلسطين حين يقول جليزر من خلال تلك الرؤية التى قدمها (لاتنظروا الى مافعلوه انذاك بل انظروا إلى مانفعله الآن)!
والسؤال: هل تمارس إسرائيل سياسة الهولوكست ضد الشعب الفلسطينى، والعمل منذ 7 أكتوبر حتى خلال شهر رمضان الكريم لابادته نفس ماعانت منه على يد محرقة هتلر؟!
أعتقد ان اختيار المخرج لعنوان فيلم (زون ذا انتريست)، له دلالة تأكدت عند استلامه الأوسكار وعلى خشبة مسرح الاحتفال فى دولبى التاريخى بمدينة لوس أنجلوس مع المنتج جيمس ويلسون.
يقول: (يظهر فيلمنا إلى أين يؤدي التجريد من الإنسانية إلى أسوأ حالاته لقد شكل كل ماضينا وحاضرنا (!)، نحن نقف هنا الآن كرجال يدحضون يهوديتهم والمحرقة التي اختطفها الاحتلال الذي أدى إلى الصراع بالنسبة للعديد من الأبرياء، سواء كانوا ضحايا 7 أكتوبر في إسرائيل أو الهجوم المستمر في غزة !
أثار هذا الخطاب ردود فعل وصف بعضها بـ (بالهستيري)، حتى أن وزير إسرائيلي وجه تهمة مباشره له (المعاداة للسامية)!
وعلى عكس (قائمة شندلر، عازف البيانو)، ضمن 25 فيلما حول سينما الهولوكوست، فإن (زون ذا انتريست)، لم تصور بشكل صريح أهوال الحياة والموت التي ارتكبها النازيون بدلاً من ذلك يعتمد الفيلم على قوة الإيحاء.
إنها (تفاهة الشر)!
في إشارة إلى القتل الجماعي من خلال لمحات قصيرة من مداخن محارق الجثث وموسيقى تصويرية محيطة تتخللها طلقات نارية وصراخ
القصة لا تتعلق بالنازيين بقدر ما تتعلق بالمسألة الأوسع المتعلقة بالطبيعة البشرية هكذا قال (جليزر) فى تصريحاته، فهذا الفيلم مثلما قال ليس عن الماضى (فهو يجسد الشيء الذي يحرك كل شيء فينا، القدرة على العنف التي نمتلكها جميعًا)، إنها (تفاهة الشر)!
فمشكلة صناعة الأفلام عن (الهولوكوست) أو المحرقة هى أن القرارات الرسمية تصبح حتما قرارات إنسانية أخلاقية لذا الاختيارات التى يتخذها صانعوا الأفلام من هذه النوعية تعتمد على حركة الكاميرا والزويا والاضاءة بما يحقق هذا البعد الاخلاقي.
فقد استخدام (جليزر) الإضاءة الطبيعية حصريًا، لتجنب إضفاء طابع جمالي على ما لا يمكن تصوره، إذ قام بوضع عشر كاميرات ثابتة و20 ميكروفونًا حول منزل عائلة (رودولف هوس).
يركز الفيلم الرابع للمخرج على تلك العائلة، وهو القائد الأطول خدمة في معسكر (أوشفيتز) والذي عاش على مرمى حجر منه، وهو فيلم مقتبس قصته من رواية للكاتب ميشيل فابرى عام 1914
كان (رودولف) الضابط النازي المسؤول عن (أوشفيتز)، معسكر الاعتقال والإبادة حيث قتل النازيون ما يقدر بنحو 1.1 مليون شخص – معظمهم من اليهود الأوروبيين.
وكان هو المسؤول المباشرعن عمليات القتل فهل اختلف (رودولف) هوس عن نتانياهو او يوآف جالانت وزير الدفاع الاسرائيلى أو هرتسى هاليفى رئيس الاركان الذين يرتكبون جرائم ابادة مايقرب من 2 مليون فلسطينى أمام أنظار العالم.
وليست فى معسكرات تختبئ داخل فيلا هادئة بحديقتها الزهرية بل حولوا قطاع غزة بالكامل لغرف قتل وابادة ؟!
وحتى نفهم فان معسكر (أوشفيتز) للإبادة جنوبي بولندا (واسمها بالبولندية أوسفيتشم) هو سابع معسكرات الاعتقال التى بناها النازيون وأكبرها فى المنطقة الواقعة على أطراف البلدة حيث بنيت أفران حرق الجثث.
وقد أمضى (جليزر) عامين في قراءة كتب وروايات أخرى حول هذا الموضوع قبل أن يبدأ في رسم خريطة الفيلم مع مساعديه، لذا قام مصمم الإنتاج (كريس أودى) وفريقه ببناء منزل (هوس) وزرعوا الحديقة من الصفر بجوار (أوشيفتز) مباشرة باستخدام سجلات وصور تاريخية.
فيلم (زون ذا انتريست)
يرصد فيلم (زون ذا انتريست)، من خلال لقطات يومية هادئة وواسعة الحياة اليومية لقائد (أوشيفتز رودولف) هوس (كريستيان فريدل وهو المانى من مواليد 9 مارس 1979) وعائلته، بجانب بحيرة هادئة وعلى مدار الصورة.
حيث تشاهد حفلات أعياد الميلاد وحفلات الشاى والسمر بينما تسمع فى نفس الوقت على الجانب الآخر من هذا المكان الريفى الهادئ تستمع لضجة مستمر لمعسكر الموت خلف تلك الجدران وتتخللها طلقات نارية وصراخ من بعيد.
ألا ترى أن التاريخ يعيد نفسه الآن وبنفس السيناريو تنعم (الموشاف والكيبوتسات) الإسرائيلية بالهدوء وضجيج الحفلات، وعلى الجانب الآخر يتم إبادة وقتل الأطفال والنساء والمسنين بدم بارد!؟
فمع أعمدة الدخان تواصل عائلة (رودلف هوس) وزوجته هيديج هوس (ساندرا هولمر – ممثلة المانية) تقضى الكثير من وقتها فى الاهتمام بزهور (حديقة الجنة!)، وأشجار الكروم وتتأكد من منح كل نبته لمسة جميلة متحدثة عن أهمية رعاية تلك الزهور بينما تبدو المحرقة على أشدها على الجانب الآخر الملاصق للحديقة!
فبينما تسمع الصراخ وطلقات الرصاص من حديقتهم الجميلة، تواصل الأسرة حياتها كما لو لم يكن هناك شيء يرتكب!
عائلة (رودولف هوس)
يركز الفيلم الرابع للمخرج على عائلة (رودولف هوس)، وهو القائد الأطول خدمة في معسكر (أوشفيتز)، والذي عاش على مرمى حجر منه، وهو فيلم مقتبس قصته من رواية للكاتب (ميشيل فابري) عام 1914.
وحتى نفهم فان معسكر (أوشفيتز) للإبادة جنوبي بولندا (واسمها بالبولندية أوسفيتشم) هو سابع معسكرات الاعتقال التى بناها النازيون وأكبرها فى المنطقة الواقعة على أطراف البلدة حيث بنيت أفران حرق الجثث.
أمضى (جليزر) عامين في قراءة كتب وروايات أخرى حول هذا الموضوع، قبل أن يبدأ في رسم خريطة الفيلم مع مساعديه، لذا قام مصمم الإنتاج (كريس أودي) وفريقه ببناء منزل (هوس) وزرعوا الحديقة من الصفر بجوار (أوشيفتز) مباشرة باستخدام سجلات وصور تاريخية.
فبينما تسمع الصراخ وطلقات الرصاص من حديقتهم الجميلة، تواصل الأسرة حياتها كما لو لم يكن هناك شيء يرتكب!
أراد (جليزر)، وهو يهودي، أن يستكشف كيف يمكن التعايش مع الرعب الموجود على عتبة بابهم متساءلا: هل من الممكن النوم؟، هل يمكنك أن تنام؟، ماذا يحدث إذا أغلقت الستائر ووضعت سدادات الأذن فهل يمكنك فعل ذلك؟
كان فيلم (جليزر) محيرًا وساحرًا، حيث مزج المشاهد التجريدية شديدة الأسلوب مع واقعية جلاسكو الجريئة، وترك المعجبين ييختارون مايشاء!
فبناءً على طلب زوجته، يقنع (رودولف) رؤسائه بالسماح لبقية أفراد العائلة بالبقاء أثناء انتقاله، لم يتم لم شمل عائلة (هوسي) إلا عندما تم تكليف (رودولف) بمهمة ترحيل وقتل أكثر من 400000 يهودي مجري، كل ذلك في فترة أقل من شهرين في عام 1544.
إخفاء مدخنة المحرقة
ولد (رودولف هوس) لاأوين كاثوليكيين فى ألمانيا عام 1900 وقائل فى الحرب العالمية الاولى وقبل ان ينضم الى جماعة قومية متشددة شبه عسكرية سمع خطاب (أدولف هتلر) لأول مرة فى عام 1922 لينضم إلى الحزب النازي.
قبل احتدام الحرب العالمية الثانية مثلما قال (رودولف) لقد مُنحت لأسرتى كل أمنية أعربت عنها لزوجتى التى كانت ترتدى معطف فاخر مسروق من امرأة مقتولة وأطفالى الخمسة.
وهم يلعبون مع السحالف والقطط والسحالى فى فيلتى الخاصة بهم بالقرب من مدينة كراكوف البولندية، وفى الصيف كانوا يمرحون فى حوض السباحة الموجودفى فناء الفيلا أو في نهر قريب ولا مانع إذا اكتشفوا، وهم يفحصون بمصباح يدوى (طاقم أسنان اصطناعية لأحد الضحايا)!
كما قال (رودولف هوس) لاحقًا، كان القتل بالغاز أفضل من إطلاق النار لأن الأخير (كان سيضع عبئًا ثقيلًا على رجال قوات الأمن الخاصة الذين اضطروا إلى تنفيذه، خاصة بسبب النساء والأطفال بين الضحايا)!
وقد حرص القائد على إخفاء مدخنة المحرقة عن أبنائه وأقام سياجاً في الحديقة، وزرع أشجاراً تحجب رؤيتهم عن المنزل.
قرب نهاية الحرب، اختبأت عائلة (هوس) في شمال ألمانيا، على أمل انتظار وقتهم حتى يتمكنوا من الهروب إلى أمريكا الجنوبية، حيث لجأ العديد من النازيين بعد الصراع.
استقر (هيدويغ) والأطفال فوق مصنع سكر قديم في قرية (سانت مايكليسدون) الساحلية، بينما انتقل (رودولف) إلى (فلنسبورج)، وعمل في مزرعة تحت الاسم المستعار (فرانزلانج) حتى تم ملاحقته والبحث عنه عبر مسؤول و(هوهانز ألكسندر).
وهو يهودى ألمانى فر من برلين فى الثلاثينات واستقرفى بريطانيا، حينما ظهر على باب (رودولف) نفى النازى أنه المعنى، لكن خاتم الزواج الذى بيده كشفه فهو يحمل الاسمين (رودولف و هيدويج)!
كان (جليزر)، المولود في لندن، والبالغ من العمر 58 عامًا، قد بدأ العمل المسرحي وفي مجال الإعلانات ومقاطع الفيديو الموسيقية قبل أن يتحول إلى السينما في عام 2000.
فهل يصر على ما قاله وأكده فى الفيلم؟، أم مثلما قيل انه تم اختزال تصريحاته واقتطعت من معناها قبل أن تمتد إليه أيدي التهديد بالتصفية، أو إلصاق تهمة (معادة السامية) عبر فيلمه الجرئ (زون ذا انترست) أو (منطقة الاهتمام)؟!