بقلم: بهاء الدين يوسف
أكثر ما فاجأني بعد إعلان جوائز الدورة السادسة والتسعين من جوائز (الأوسكار) التي تعتبر أرفع جائزة سينمائية في العالم، هو خروج فيلم (قتلة زهرة القمر) دون جائزة واحدة ولو من باب رفع العتب أو حفظ ماء الوجه خصوصا أن الفيلم كان مرشحا لعشر جوائز.
لكن أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (Academy of Motion Picture Arts and Sciences) التي تقدم الجائزة السنوية قررت فيما يبدو أن تخلع هذا العام (برقع الحياء).
وكشفت عن الدور الكبير الذي تلعبه السياسة وصناعها في أمريكا في توجهات جائزة (الأوسكار) في بعض الدورات التي تتزامن مع أحداث سياسية مفصلية مثل التي نعيشها الآن في غزة.
أهم معالم التدخل السياسي في منح جوائز (الأوسكار) ذلك الاكتساح الغريب لفيلم (أوبنهايمر) لجوائز الدورة الحالية بعدما حصد سبعة جوائز بينها أفضل ممثل (لكيليان ميرفي) الذي جسد دور العالم اليهودي (أوبنهايمر) مخترع القنبلة الذرية، وأفضل مخرج لكريستوفر نولان بجانب أفضل فيلم طبعا.
قد يقول البعض أن فوز (أوبنهايمر) ليس مفاجئا بحكم احتكاره لاغلب جوائز المهرجانات السينمائية التي يعتبرها كثيرون تمهيدا أو إشارة أولية لما سيكون عليه التصويت في (الأوسكار).
حيث فاز الفيلم بعدة جوائز في مهرجان بافتا البريطاني والجولدن جلوب، وهو أمر منطقي لكن أن يكون الفيلم الثاني بعده هو (أشياء مسكينة) أو )Poor Things( فهذا هو غير المنطقي.
اختيار الفائزين بـ (الأوسكار)
إذا كان معيار الفوز بالجوائز هو القيمة الفنية بعيدا عن شباك التذاكر فلا يمكن لمنصف من بين العشرة آلاف مصوت الذين يشاركون في اختيار الفائزين بـ (الأوسكار) سنويا تجاهل عمل بقيمة (قتلة زهرة القمر) من حيث الإخراج المتقن والتمثيل العبقري والقصة المهمة.
أما إذا كان المعيار هو رغبة الجمهور فقد تفوق فيلم (باربي) على كل من (أوبنهايمر وقتلة زهرة القمر) في شباك التذاكر بفوارق شاسعة، وكان يجب أن يكون المتوج بالعديد من الجوائز في حفل (الأوسكار).
في اعتقادي أن السياسة عادت لتطل بوجهها القبيح من جديد في هذه الدورة، فإلى جانب اكتساح (أوبنهايمر) للجوائز حرصت الأكاديمية على منح جائزتين للفيلم البريطاني (منطقة الاهتمام ( (The Zone of Interest، الذي يحكي قصة عائلة يهودية معتقلة في معسكر أوشفيتز النازي.
وهو تصرف لا يمكن وصفه سوى أنه تصرف خسيس من الأكاديمية لإظهار دعمها للصهيونية.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: (قتلة زهرة القمر) يفسر انحياز أمريكا لإسرائيل
لكن يشاء الله أن يكون إحراج أكاديمية الأوسكار في نفس الموقف الذي أرادت فيه التعبير عن دعمها لإسرائيل حين ذكر مخرج الفيلم (اليهودي) جوناثان جليزر أن دولة الاحتلال الإسرائيلي اختطفت إنسانية الشعب اليهودي.
إذن لماذا لم يفز (قتلة زهرة القمر) بأي جائزة؟!، الناقدة (إيما كيتس) كتبت في موقع (AV Club) أن هناك 3 أسباب محتملة لموقف الأكاديمية، أولها: أن المصوتين فيها لا يحبون المخرج (مارتن سكورسيزي) بدليل أنه رشح 16 مرة من قبل لنيل الجائزة لم يفز سوى في مرة واحدة عن فيلم (المهاجر) عام 2006.
السبب الثاني غريب قليلا، وهو أن الفيلم من نفس نوعية (أوبنهايمر) من حيث أنهما دراما تاريخية طويلة المدة، وبالتالي كان على المصوتين أن يتجاهلوا أحد الفيلمين لصالح أفلام من نوعية أو أرضية درامية مختلفة.
تحيز ضد (قتلة زهرة القمر)
أما السبب الثالث الذي ذكرته الناقدة الأمريكية وهو الأكثر ترجيحا في رأيي: هو تدخل السياسة في التصويت، باعتبار أن فيلم (قتلة زهرة القمر) وضع المشاهدين الأمريكيين في مواجهة مع تاريخ بلادهم القذر، وكيفية بناء تلك الامبراطورية العظمى على أنقاض شعب وحضارة السكان الأصليين.
تقول الناقدة أن فيلم (أوبنهايمر) هو الآخر يقدم لحظة محرجة من تاريخ أمريكا التي أنتجت أول قنبلة ذرية في التاريخ الإنساني، ونقلت الصراع من الحروب التقليدية إلى التهديد النووي، لكن ذلك الشعور بالخزي لم يكن ملحوظا ولا واضحا في مشاهد الفيلم.
إقرأ أيضا : (قتلة زهرة القمر).. فيلم يكشف عنصرية الأمريكان قديما وحديثا !
على العكس تماما ما فعله (مارتن سكورسيزي) في (قتلة زهرة القمر)، حيث تشعر أنه أمسك المشاهد من (قفاه) ليجبره على مشاهدة الخداع والخبث والتجرد من كل كل القيم الأخلاقية والإنسانية التي استخدمها الإنسان الأبيض لتدمير السكان الأصليين وحضارتهم من أجل إقامة حضارته الزائفة.
ولعل أبرز ما يدل على انحياز الأكاديمية الأمريكية ضد سكورسيزي وفيلمه ما فعلته (إيما ستون) بعد إعلان فوزها بجائزة أفضل ممثلة في هذه الدورة عن دورها في فيلم (أشياء مسكينة)، حينما عبرت عن دهشتها من عدم فوز (ليلي جولدستون) بطلة (قتلة زهرة القمر) بالجائزة.