بيان (المتحدة) لا يصب في خانة جودة الدراما المصرية !
بقلم: محمد حبوشة
الحقيقة أن فكرة السيطرة على المشهد الدرامي والإعلامي برمته على جناح (الاحتكار) من جانب (المتحدة) أحكم الخناق على الشركات الوطنية الأخرى التي أنتجت أعمالا كثيرة تعد علامات بارزة في صناعة الدراما المصرية على مدار عشرات الستين سنة الماضية.
وذلك وقت أن كانت روح المنافسة هى التي تصنع الجودة وكان هناك تعاون مشترك بين هذه الشركات ومدينة الإنتاج الإعلامي ومن قبلها قطاع الإنتاج في التلفزيون (أيام المرحوم الأستاذ الكبير (ممدوح الليثي) ووزير الإعلام (صفوت الشريف).
حتى أنهم كانوا يستوعبون الشركات العربية بالتعاون في إنتاج أعمال مشتركة من شأنها أن تضمن عرض مسلسلاتنا على القنوات العربية من ناحية وتوثيق الروابط الأخوية من ناحية أخرى على جناح القوى الناعمة.
لكن حينما حطت الشركة (المتحدة) كطائر الرخ الأسطوري فإنها ابتلعت الأخضر واليابس في أحشائها دون مراعاة قواعد المنافسة والإطاحة بشركات عربية خارج حلبة المنافسة على الدراما المصرية.
ولدى سؤال ملح يكاد يفتك برأسي: ألم تلتفت الشركة (المتحدة) إلى نجاح مسلسلات مثل (كامل العدد، ستهم، الهرشة السابعة، رشيد) في موسم رمضاني 2023، وكذلك مسلسلات (لعبة نيوتن، بطلوع الروح) وغيرها من مسلسلات من إنتاج (mbc، والصباح إخوان، وجمال سنان) في موسم 2022)؟
ثم ألم تشعر بالعار لأن هذه الأعمال هى من صناعة شركات عربية طردت بليل قاتم في سواده بسبب ضيق الأفق من جنة (المتحدة) الرحبة بالفوضى والعشوائية، وفردوسها المفقود في صناعة القيمة؟.
فشل منصة watch it) ) في (المتحدة)
ألا يكفي المتحدة فشل منصةwatch it) ) الزريع في مجاراة منصات أخرى كـ (نيتفليكس، وشاهد) وغيرها من منصات تعني بالجودة والتنوع في إنتاج مسلسلات قصيرة وطويلة استقطبت جمهور الشباب المصري ووحدته مع المشاهد العربي والأجنبي؟
وحتى عندما لجأت (watch it) إلى تقليد هذه المنصات بمسلسلات قصيرة عبر سلسلة (زي القمر، حكاية ورا كل باب، إلا أنا) وغيرها من مسلسلات ذات (ثلاثة حلقات، وخمس حلقات، و15 حلقة)، شوهت ملامح الدراما المصرية.
والكلام هنا في مناسبة بيان الشركة (المتحدة)، والذي لم يذكر العدد الكامل للمسلسلات المصرية في موسم رمضان التي حددها بـ 20 مسلسلا فقط، بينما الانتاج المصري في هذا الموسم إلى 35 ملسلسلا، وهو ما ضرب عرض الحائط بعملية التوثيق.
ربما يحق للشركة (المتحدة) أن تتحدث باستفاضة عبر صحفيها ومذيعيها عن مسلسلاتها، لكن لا يصح أن تغفل الإنتاج المصري برمته، حتى ولو كانت شركات غير مصرية مثل (الصباح إخوان) قد دأبت على انتاج مسلسلات بنجوم مصريين.
فلا يصح أبدا ألا تدرج أعمال مصرية مثل (العتاولة، المداح، كامل العدد، نعمة الأفوكاتو، أعلى نسبة مشاهدة، صلة رحم) وغيرها من أعمال تنتمي للبيئة المصرية، وبأداء ممثلين ومخرجين مصريين.
(المتحدة) في بيانها الرسمي قالت أنه يتعلق بالإنتاج الدرامي تصب في خانة جودة الإعلام المصري، وهو ما خالف الواقع حقا، فإذا نظرنا إلى مسلسل مثل (الحشاشين) نجد أنه يعتمد اللهجة العامية، ربما يقصد جلب شريحة من الشباب الذي يرى صعوبة في فهم الفصحي.
إقرأ ايضا : غياب المنافسة يهدد صناعة الدراما المصرية (1)
وتلك حجة بالية، ومن هنا أعتبرها نقطة ضعف كبرى إذا ماتم مقارنة (الحشاشين) بمسلسل (سمرقند) الذي كان يعتمد فيه النجم (عابد فهد) على الفصحى في تجسيد شخصية (حسن الصباح)، وكذلك فعلها الراحل يوسف شاهين في (صلاح الدين والمصير) كما أن لدينا تراث كبير في أعمالنا التاريخية والدينية التي اعتمدت الفصحى.
أليس الشباب المصري نفسه هو الذي يشاهد بشغف كبير مسلسلات تركية تعتمد الفصحى مثل (نهضة السلاجقة العظمى، صلاح الدين الأيوبي) وهما مسلسلان من إنتاج عامي 2023، و2024؟
ونأتي لنقطة أخرى في سياق الانتاح الدرامي المرتبك، حيث كنا في الماضي نعتمد في طريقة عملنا على شركات متعددة حتى خرجت الشركة المحتكرة لتستحوذ على وسائل الإنتاج ولا يسمح لأحد من الاقتراب منها.
أغلقت (المتحدة) شركات الإنتاج
ومن ثم وكنتيجة سلبية لذلك أغلقت (المتحدة) شركات الإنتاج والمونتاج والاستديوهات التي كانت تتبارى في الجودة والأسعار الخاصة بعمليات الإنتاج، وهو ما فع كثيرين من العاملين في المجال الإعلامي إلى تغيير (كاريرهم – الكار – أو المهنة).
لأن ذلك كان نتيجة طبيعية لسيطرة ودخول منتج كبير بحجم (المتحدة) يقوم بتشغيل من يختارهم بحكم الانتماء للقبيلة أو الشلة أو صلة القرابة أو المصاهرة، أو غيرها من أساليب تعرف بالحرفية، فضلا عن فرضه العامية في مسلسلاته التاريخية.
وبعد أن كان سوق الانتاج في مجال الإعلام المصري، مشغولا بشركات متعددة في العمل بالمونتاج والتصوير والجرافيك وغيرها من متطلبات الصناعة، أصبح الأمر مقصورا على شركات بعينها بحكم انتمائها القبلي للمحتكر الجديد.
إقرأ ايضا : الإعلام المصري في قبضة (أسد جريح) لايسمح بالاقتراب من عرينه!
لقد سمحت (المتحدة) لنفسها بطرد الكفاءات وحرمانهم من جنة الشركة (المحتكرة) الجديدة التي هبطت بليل كالجراد لتأتي على كل الأخضر واليابس في صناعة القوى الناعمة المصرية، تلك التي علمت كل دول المنطقة أسس وتقاليد مهنة الإعلام القائم على التنوع والمنافسة الإيجابية.
لدينا شركات وطنية في مجال الإنتاج الدرامي كانت تتنافس فيما بينها للفوز بجزء من كعكة الإعلام المصري، وكانت هنالك ميزات نسبية في التخصص، فمنها من كان يركز في اللون الصعيدي، ومنها من تخصص في الدراما الاجتماعية والوطنية، ومنها من تخصص في (التاريخي، والديني) بلغتهما الفصحى على عكس (الحشاشين).
كما كان لدينا (الكوميدي) غير المسف في اللغة وتكنيك الأداء ولغىة الجسد المعبرة، و(الساسبنس) القائم على المفارقة والإبهار في الصورة وغيرها من ألوان أخرى.
وهى جميعها تصب في خاصة التنوع، بحيث يصبح الموسم الرمضاني في كل عام متنوعا بشكل يمكن أن يسد ظمأ المشاهد المصري والعربي، والأخير كان ينتظر الإنتاج الدرامي المصري بنوع من الشغف على مستوى الموضوعات والقضايا والنجوم.
الإثارة غير المفيدة في (المتحدة)
في ظل الوضع الجديد أصبحت الشركة (المتحدة) التي احتكرت صناعة الإعلام المصري تنتج ما تشاء من أعمال تجنح نحو الإثارة غير المفيدة، وتعمد إلى العامية التي تخاصم جوهر الصناعة المتقنة، ولايهم أن تصب الدراما الاجتماعية في خانة التفاهة وتفريغ المضون من محتواه الذي يحافظ على القيم.
يبدو لي ملمحا آخر واضحا في موسم رمضان الحالي مثله مثل المواسم السابقة، من خلال مسلسلات البيئة الشعبية والحارة المصرية بحيث أصبحت الفوضى شعارا، والبلطجة أسلوبا، والتراخي في تطبيق القانون منهجا متبعا في الملسلات، وأخذ الحق (بالدراع).
للأسف أصبحت هذه الظاهرة سمة العديد من الأعمال التي كانت تعتمد على المفارقات الكوميدية القادمة من قلب الشارع القادر على تحويل المعاناة إلى مواقف كوميدية تقوى على انتزاع الضحك من قلب المأساة.
ياسادة لابد من الانتباه لحقيقة أوضاع الدراما المصرية المتردية، وذلك باعتدال المشهد على مستوى تفكيك هذا الكيان وعودة القنوات وشركات الإنتاج إلى سابق عهدها قبل عام 2016.
وإذا حدث هذا ربما نلحق ركب التطور من خلال إشعال المنافسة الشريفة من جديد، فقد قتلنا الإبداع، قتلنا المنافسة، قتلنا فرص العمل، (قتلنا.. قتلنا.. قلتلنا).
وخاصة أن الشركة (المتحدة) في سياسات احتكارها لم تقدم على المستوى الاقتصادي أي عوائد لها كشركة قاصرة إنتاجها على نفسها دون النظر لشركة عريقة في الإنتاج الدرامي الذي يعنى بالقيمة والهدف والرسالة.
وعلى المستوى القومي لم تقدم رسالة تساهم في تدعيم القوى الناعمة المصرية، وظني إذا استمر مشهد الإعلام المصري على هذا الحال فسنصل إلى طريق مسدود، خاصة أن جزء كبير من المصريين بدأ يستقي معلوماته من مصادر وقنوات ومواقع أجنبية.
فضلا عن جنوح كثير من الشباب نحو مشاهدة دراما (أجنبية، تركية، أوكرانيا، كورية، وحتى بعض العربية) من خلال قنوات ومنصات أخرى.
وأخيرا لابد أن أشير إلى أن قطاع كبير من الجمهور المصري فقد الثقة في مشهد الدراما المصرية الذي يمكن أن ينافس في ظل عدم وجود استراتيجية محددة للميديا، أو وجود أهداف خارجية لعودة القوى الناعمة لمصر.
وخير ختام لهذه المقال، هو أن أستعين بقول الشيخ الشعراوي كما ورد في خواطره حول تفسير القران: (لايشم ريح الجنة من ولى عملا وفي الناس خير منه).. هل وصلت الرسالة؟.. على أية حال: اللبيب بالإشارة يفهم!
آن للمتحدة أن تراجع حسابتها وأن تضع الجودة في المقام الأول وفوق كل الحسابات ما دامت تمتلك الإمكانيات الجبارة.. فعمل واحد يترك أثرًا خالدا خير من عشرين عملا بلا قيمة حقيقية .. وإلا فالبقاء للأصلح أو الأجود مهما كانت الامكانيات ..