بقلم الدكتور: كمال زغلول
شكل الماء في الحضارة المصرية القديمة ، مجموعة من الدلالات، كونت (العلامة المائية) في مصر القديمة، وكان الماء من العناصر المهمة داخل العرض المسرحي المصري القديم.
فكما ذكرنا من قبل أن المكان المسرحي (المعبد) كان مجهز ببحيرة، وهذه البحيرة، كانت تستخدم لتصوير مشهد قتل أوزيريس المفجع،على يد أخيه ست، ولكن هل كانت تلك البحيرة يتم فيها تمثيل هذا المشهد فقط؟ أم أن البحيرة كانت تستخدم لتمثيل مشاهد أخرى؟
والحقيقة أن المسرح المصري بعروضه لم يصل لنا منه سوى القليل، ولكن تلك المعلومات القليلة أمدتنا بالكثير عن هذا المسرح، ومن ضمن ما تم التوصل له من المسرح المصري القديم، مسرحية بدء الخليقة، التي تصور الخلق من المنظور الاعتقادي للمصريين القدماء.
والماء أهم عنصر عند المصري القديم في عملية الخلق، وفي محاولة لتصور هذا الموضوع التمثيلي، نتتبع (العلامة المائية) داخل الفكر المصري القديم، وكيفية تمثيله على مسرح الأحداث في المسرحية المصرية القديمة.
ونتعرف على المحيط الأولي نون، الذي أنبثق منه العالم فيما بعد، وبداية ننوه أن الفكر المصري القديم فرق بين عالمين قديما، عالم ما قبل طوفان نوح، وعالم ما بعد طوفان نوح.
فقبل الطوفان هدد آتوم البشر، قائلا: سوف أدمر كل ما خلقته، وسوف تتحول هذه الأرض إلى محيط كما كانت في الزمان الأولي (تلك العبارة ودرت في كتاب الموتى.
وكثيرا من علماء الآثار يقولون أن المصريون القدماء لم يذكروا شيئا عن الطوفان، ولكن بداية مصر وتأسيسها كان بعد الطوفان، لذلك تبدأ الأسطورة المصرية بالمحيط المائي، وظهور التلة، وبعدها ظهور الأرض.
علامة المراكب الثلاثة
وهذه الأرض هى مصر، التي اعتبرت كل الأرض من وجهة نظر المصريين، ولكي نوضح هذا المفهوم، نعود إلي علامة المراكب الثلاثة عند المصريين القدماء، ونرى أنه في لحظة غرق الأمنتت في أعماق المحيط.
غادر الملك المسن جب وزجته نوت، وأتباعهما، وبعض البحارة جزيرتهم الأسطورية مستقلين سفينة ضخمة، وقديمة إلي حد ما، وتعرف هذه السفينة باسم (خبر).
وهكذا أقلت ثلاثة مراكب أوزيريس من ناحية وجب ونوت من ناحية، ثم حورس وأبنائه وخلصائه، وهذه الثلاثية من القوارب المتمثلة في السفينة، هى العناصر الثلاثة التي كونت العالم الذي تم خلقه.
ونلاحظ أن تلك العلامة الثلاثة مراكب تفرق بين عالمين (عالم قديم انمحى) وعالم جديد (ظهر) ويبدو أن المصريون اسم مدنية الأمنتت، على القوم الناجين في سفينة نوح، وأنهم نجوا في السفينة مع نوح عليه السلام.
وكانوا هؤلاء الناجين هم المؤسسون لمصر فيما بعد الطوفان، وبعد ذلك أصبح الماء علامة فناء العالم القديم، وفي نفس الوقت هو الذي ظهر منه العالم الجديد، ونستعرض (العلامة المائية) في مجموعة من الدلالات الخاصة بالماء عند المصريين القدماء:
ماء: عنصر حيوي وأنثوي، انبثقت منه جميع الكائنات (نون البدائي).
نون: نون هو المياه الأزلية، والخواء، حيث انبعثت أولي مظاهر الحياة، ومنه تولدت العناصر الأولي في العالم، وكذلك الآلهة وجميع الكائنات الحية، لقد وجد نون حتى قبل أن توجد السماء، والشمس والأرض.
ولا شك أن نون هذا العنصر البدائي يفوق الآلهة ويعلوا عليها (المقصود بالآلهة ، هم البشر الذين أضيفوا إلي الإله الواحد الأحد)، ولقد بقى دائما وأبدا على مر الأزمنة وتعاقبها بعد ذلك.
وكما يرى الفكر الروحاني المصري القديم، انبثق نون من عقيدة كوكبية موغلة في القدم، ولذلك اعتبر هذا الجوهر الإلهي الخنثى أبا الآلهة، فمنه خلق أو تجسيد وأولي الكائنات، وأول مظاهر الوعي، ونون هو مستودع كل قوة وطاقة.
وبالتالي فهو بمثابة التجلي الأولي للرمزية الكونية، بل هو النبع الأساسي لكل تحيين مستقبلي.
بحر: البحر عند المصري القديم هو تجسيد وتجلي المياه الأولية نون أبو الآلهة كافة، وتعتبر كل من البحار والمحيطات، والأنهار، والمصادر المائية الجوفية للنيل صورة مكررة للنون البدائي.
بحيرة مقدسة: صورة القوة السائلة المتناغمة ومرآة العالم السماوي، وموقع التطهر والنقاء، وفوق جزيرة في وسط بحيرة مائية، وتحت ظلال شجرة الجميز، حملت نوت في أوزيريس.
رمزية (العلامة المائية)
وأسفل هذه الشجرة، كان أوزيريس يجلس متأملا ومتفكرا، وحيث انتهت حياته الدنيوية، وتتضمن جميع المعابد المصرية في أجوائها بستانا أو حديقة إيماء إلي نبات الأرض، كما تحوي أيضا على بحيرة صغيرة، تعبر عن المبدأ المائي، الدنيوي والمساوي على حد سواء.
وهذه البحيرة الصغيرة، في المعابد المصرية كانت تمثل مسرحية بدء الخليقة، برمزية (العلامة المائية) فالماء يعد علامة عند المصري القديم ، وبعد تكون العالم ، كان يمثل في هذه البحيرة مصرع أوزيريس.
وبداية الصراع بين ست وإيزيس، الذي أنتهى بإنجابها ولدها حورس، وصراعة مع ست على حكم مصر، حتى انتصر عليه، وبهذا نكون استعرضنا (العلامة المائية) كعلامة من علامات المسرح القديم، وهى الماء.
وتعرفنا على دلالاته، عند المصري القديم، وكيف عبر المسرحي القديم عن تلك العلامة، وقد استغلها في عرضه المسرحي وصنع بحيرة صغيرة، مثل فيه موضوع بدء الخلق، وصراع أوزيريس وست، حتى انتهى ذلك الصراع بموت أوزيريس.
ولا يغيب عنا أنه استغل تلك البحيرة في حصار ست لإيزيس، عندما قام بوضعها في جزيرة في وسط الأحراش محاطة بالمياه من كل جانب، والمياه بداخلها تماسيح تحيط بالمكان حتى يقضي عليها.
ولكنها استطاعت أن تنتصر، وتلد حورس، وفي البحيرة أيضا كان يمثل مشهد حرب حورس وست، حتى قضي عليه، وبهذا نجد أن المسرح المصري القديم أول من استخدم بحيرة صناعية، لها رمزية ودلالة علامتية (العلامة المائية)، في تمثيل أحداث مسرحه، وبهذا نكون قد عرضنا، وظيفة البحيرة في المسرح المصري القديم.