بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
هناك أيام نحتفل بها دون أن نسأل عن سبب احتفالنا، ولماذا في هذا التاريخ ؟ منها اليوم العالمى لـ (المرأة) الذى يحتفل به العالم في الثامن من شهر مارس كل عام للدلالة على احترام وحب (المرأة)، وتقديرا لإنجازاتها في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
و هو احتفال له سمة سياسية بسبب أن من تبناه في البداية كانت منظمات تنتمى للحركة الشيوعية في سياق دفاعها عن حقوق المضطهدين والمقهورين، ولا يزال هذا اليوم في بعض أنحاء العالم يحافظ على أصوله السياسية.
فيمتلئ بالاحتجاجات على أوضاع (المرأة) والدعوة إلى تغييرها جذريا، أما في الغرب الذى ظهر فيه أولا هذا الاحتفال فقد تخلصت معظم مجتمعاته من الصبغة السياسية، ليصبح احتفالا اجتماعيا وثقافيا يتركز حول الأنوثة ودورها الهام في الحياة، و بعض المجتمعات تخلط بينه وبين عيد الأم أو عيد الحب.
تعود جذور يوم (المرأة) إلى أوائل القرن العشرين، ويربطه الكثيرون – ككل الأعياد غير الدينية – بمأساة وقعت عام 1911، عندما أدى حريق في مصنع للنسيج في نيويورك إلى وفاة 146 ضحية.
ولكن البعض يرجع الأمر إلى عام 1856، حيث خرجت آلاف النساء في مسيرة احتجاجية في شوارع مدينة نيويورك، مطالبة بظروف عمل أفضل وحق التصويت. وفي 8 مارس من عام 1908 تكرر المشهد في نيويورك مرة أخرى عندما خرجت 15 ألف امرأة في مسيرة مطالبة بتخفيض عدد ساعات العمل وبحق (المرأة) في التصويت.
عيدا وطنيا لـ (المرأة)
وفي العام التالى أعلن الحزب الاشتراكى الأمريكى (حزب يسارى) هذا اليوم عيدا وطنيا للمرأة.
وفي عام 1910 عُقد المؤتمر النسائي الاشتراكي الدولي في الدنمارك (منظمة نسائية ترتبط بالحركة الشيوعية العالمية)، وتوافق فيه مندوبات 17 دولة على فكرة الاحتفال بيوم لـ (المرأة) سنويا دون تحديد تاريخ معين.
وذلك لتعزيز فكرة المساواة في الحقوق بين الجنسين، وفي 19 مارس من العام التالي (1911 ) احتفل أكثر من مليون شخص في النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا باليوم العالمي الأول لـ (المرأة).
حيث كانت هناك 300 مظاهرة في النمسا والمجر وحدهما، خرجت فيها النساء في مواكب كبيرة تطالب بالحق في التصويت وتقلد المناصب العامة، وقمن باحتجاجات على التمييز بين الجنسين في العمل.
واحتفلت روسيا بيوم (المرأة) لأول مرة في عام 1913، أما ألمانيا فقد احتفلت لأول مرة في عام 1914، و في الوقت نفسه، كانت هناك مسيرة في لندن لدعم حق (المرأة) في التصويت.
وفي 8 مارس من عام 1917 بدأت العاملات في مصانع النسيج بمدينة سانت بطرسبرج الروسية مظاهرة اجتاحت المدينة بأكملها طالبن فيها بإنهاء الحرب العالمية الأولى، وحل مشكلة نقص الغذاء، و سقوط نظام الحكم القيصرى.
إقرأ أيضا : أعمال رمضان 2022 تنتصر لقضايا المرأة المصرية
وسرعان ما انضم لهذه المظاهرة عمال العديد من مصانع النسيج مما أدى إلى إضراب عام، و لم يتخيل أحد أن يوم (المرأة) سيشعل الثورة ولكن المظاهرات استمرت لمدة أسبوع تنتهى بتنازل القيصر نيقولا الثانى عن الحكم.
وتأتى الحكومة المؤقتة لتمنح (المرأة) حق التصويت، و بعد انتصار الثورة البلشفية أعلن (لينين) أن يوم (المرأة) العالمي عطلة رسمية في الاتحاد السوفيتي، وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت أغلب بلدان الكتلة الشرقية – بالإضافة إلى الحركة الشيوعية في جميع أنحاء العالم – بالاحتفال باليوم العالمي للمرأة في نفس اليوم.
أما في أمريكا – صاحبة السبق في الاحتفال – فقد خفتت بها الحركة الاشتراكية وأصبحت مطاردة بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتالى اختفى الحديث عن حقوق المرأة حتى ظهرت ما يسمى بالموجة الثانية من الحركة النسوية في نهاية الاربعينات.
فعاد هذا اليوم للظهور باعتباره يومًا للنضال، ولكن ظلت (المرأة) لا تستمتع بحقوقها كاملة حتى مجيئ الرئيس جون كنيدى في أوائل الستينات ليجعل قضية حقوق (المرأة) قضيته الأساسية.
لجنة خاصة بأحوال (المرأة)
فقام بتعيين نساء في العديد من المناصب الهامة داخل طاقم إدارته، كما أنشأ لجنة رئاسية خاصة بأحوال (المرأة) تضم أعضاء من مجلس الشيوخ ورجال أعمال وعلماء نفس واجتماع.
وتصدر تلك اللجنة تقريرا يوصى بتغيير التفاوت بين الجنسين من خلال تقديم إجازة أمومة مدفوعة الأجر وزيادة فرص الحصول على التعليم والمساعدة في رعاية الأطفال.
اتسعت بعد ذلك الحركة النسوية بإصدار العديد من الكتب و الأبحاث التي ربطت بين اضطهاد السود واضطهاد (المرأة)، وبسبب الموجة النسوية الثانية ظهرت دراسات المرأة كمجال أكاديمي.
ففي عام 1970، كانت (جامعة سان دييغو) الحكومية أول جامعة في الولايات المتحدة تقدم برامج تعليمية عن دراسات (المرأة).
وخلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي انضم اليساريون والمنظمات العمالية إلى الجماعات النسائية في الدعوة إلى المساواة في الأجور وتكافؤ الفرص الاقتصادية والحقوق القانونية المتساوية وحقوق الإنجاب ورعاية الأطفال المدعومة ومنع العنف ضد المرأة.
مما شجع الأمم المتحدة على الاحتفال باليوم العالمي لـ (المرأة) بداية من عام 1975 والذي أطلق عليه اسم السنة الدولية لـ (المرأة )، وفى عام 1977 دعت الامم المتحدة أعضاءها إلى إعلان الثامن من مارس عطلة رسمية للأمم المتحدة من أجل حقوق (المرأة) والسلام العالمي.
ومنذ ذلك الحين يُحتفل بهذا اليوم سنويًا من قبل الأمم المتحدة والعديد من دول العالم، حيث يركز الاحتفال في كل عام على موضوع أو قضية معينة من القضايا المتعلقة بحقوق (المرأة).
في 4 مارس عام 2007؛ أشعل اليوم العالمي لـ (المرأة) أعمال عنف في إيران عندما فرقت الشرطة بالقوة مئات الرجال والنساء الذين كانوا يخططون للقيام بمسيرة، (نظمت مسيرة سابقة لهذه المناسبة في طهران عام 2003)، اعتقلت الشرطة عشرات النساء وأطلق سراح بعضهن بعد عدة أيام من الحبس الانفرادي والاستجواب.
ومنذ عام 1946، ارتبط يوم (المرأة) برمز (الميموزا)، هى زهرة صفراء تزهر مطلع مارس، اختارها منظمو الاحتفالات في إيطاليا لأنها زهرة موسمية غير مكلفة.
ويبدو ذلك الاختيار لمعنى اللون الأصفر الذي هو في الواقع لون القوة والحيوية والفرح، ويمثل أيضاً العبور من الموت إلى الحياة، لذلك أصبحت (الميموزا) الرمز الذي يستذكر معارك النساء من أجل المساواة بين الجنسين.