بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
انطلقت (فرقة إسماعيل ياسين) المسرحية تحتل صدارة الحركة المسرحية في مصر، كان (أبو السعود الإبياري) يكتب مسرحية جديدة كل شهرين، ليقوم ببطولتها إسماعيل ياسين يشاركه نخبة من ألمع نجوم هذه المرحلة.
من هذه المسرحيات كمثال مسرحية (كل الرجالة كده)، وهى المسرحية الوحيدة المتبقى منها في أرشيف التليفزيون فصلان فقط من ثلاثة بعد مسح باقى المسرحيات!
فيها نتابع البقال (عباس الأفلاطونى/ إسماعيل ياسين)، وقد نزل بالأسكندرية لاستقبال بضاعته من زيتون ولانشون وفلمنك، يضطر (عباس الأفلاطونى) للمبيت في لوكاندة هناك ليفاجأ بمجرد ذكر اسمه بترحيب غير عادى من صاحب الفندق وكافة النزلاء.
يبطل العجب حينما يدرك عباس السبب، وهو التشابه بين اسمه واسم المحامى الشهير (عباس الأفلاطونى/ محمود المليجى).
يضطر (عباس) إلى الاستمرار في انتحال شخصية المحامى بخاصة بعد إعجابه بابنة أحد النزلاء(تحية كاريوكا) النجمة الشابة التي تطمح إلى الشهرة والثروة، يشاركها طموحها أبوها (السيد هلال بيه قمر).
بالفعل يتفقان على الزواج، لكن يظهر فجأة (عباس الأفلاطونى) المحامى وهو زير نساء وابن عم عباس البقال بالفعل.
يضطر (عباس) البقال إلى استعارة مكتب (الأفلاطونى المحامى) ليسبك الدور على زوجته ويتم دفعه إلى الترافع في قضية أمام المحكمة بشكل كوميدى خصوصا أنها في حضور حبيبته و أبيها.. لتستمر الأحداث.
لحسن الحظ، أو لمشيئة لأقدار التي يكون لها غالبا أراء مختلفة أحيانا عن ما يخطط له، فقد تم تسجيل بعض هذه المسرحيات صوتيا، وهى موجوده الآن بالفعل على اليوتيوب و يمكن الاستمتاع بها.
كنز البهجة المفقود
ومجرد قراءة عناوينها توحى بكم المتعة المشحون بها كل عمل، ولمن أراد لنفسه اليوم شحنة من كنز البهجة المفقود في مغارة تصفية الحسابات التي لا تراعى للفن قيمة ولا للتراث:
حبيبى كوكو عريس تحت التمرين الست عايزه كدة صاحبة الجلالة..
من كل بيت حكاية خميس الحداشر جوزى بيختشي سهرة فى الكراكون..
عفريت خطيبي ركن المرأة الكورة مع بلبل أنا عايزه مليونير..
مراتى من بورسعيد روحى فيك كل الرجاله كده فلوس وحب وزواج..
حرامى لأول مرة جوزى كداب عماره بندق مراتى قمر صناعي..
كنت فين امبارح يا الدفع يا الحبس ضميرى واخد إجازة أنا و أخويا..
ليله دخلتي عازب إلى الأبد الحب لما يفرقع بنت ملك السجق..
عقول الستات يا قاتل يا مقتول المجانين فى نعيم عمتى فتافيت السكر منافق للإيجار.. سنة تانية جواز حماتى فى التلفزيون الحبيب المضروب كناس فى جاردن سيتي..
3 فرخات وديك علشان خاطر الستات اتجوزت حرامي..
هل تحبين شلبي زوج سعيد جداً بوهيجى الغرام، سيدتى العبيطة، حكايه جوازة سفير هاكاباكا مراتى من بور سعيد.
ولمسرحية (عمتى فتافيت السكر) قصتها.. فقد كتب (أبو السعود الإبياري) القصة للسينما مخصصا البطولة لإسماعيل ياسين غير أن خلافا دب بين المخرج السيد بدير و إسماعيل ليستبعده على أثره.
لكن لحب إسماعيل ياسين للدور وإخلاصه للفن فقد رشح لـ (أبو السعود الإبياري) بديلا عنه الفنان عبد المنعم إبراهيم، لم ينس إسماعيل القصة.
فطلب من (أبو السعود الإبياري) مسرحتها ليقوم بالفعل بدور (فتافيت السكر) لتشاركه البطولة الفنانة كاريمان في دور (ليلى)، والمليجى في دور صديقه (نبيل)، وعبد الفتاح القصرى في نفس دوره في الفيلم/ المعلم شاهين زلط.
نجح أداء في (فتافيت السكر هانم)
نجح أداء إسماعيل لدور (العمة فتافيت السكر هانم) بما يفوق أداء عبد المنعم إبراهيم، وتجاوز نجاح المسرحية الفيلم، غير أن اليد الخفية أبقت على الفيلم دون هذا الكنز المسرحي، و حرمان الجمهور المصري و العربي من بهجة فنية طاغية.
استمرت (فرقة إسماعيل ياسين) المسرحية تعمل طوال العام دون توقف.. شتاءا في القاهرة.. وصيفا في الإسكندرية.. تمدها ماكينة تأليف جبارة اسمها (أبو السعود الإبياري).
استمر هذا النجاح في تصاعد حتى عام 1964، حيث بدأت التصفيات الشخصية ضد (إسماعيل ياسين) تحكم قبضتها وغلق الدائرة الخانقة حوله، فلم يتم عرض أي فيلم له طوال هذا العام.
وطوال العام التالى لم يتم عرض سوى فيلم واحد له !، كان لذلك بالطبع انعكاسه على صورته كنجم في المسرح يذبل ضوئه سينمائيا مما أدى إلى انحسار الجمهور عنه، حتى أنه لم يقدم في الموسم الأخير سوى مسرحيتين بدلا من ستة.
يضاف إلى ذلك إنشاء فرق مسرحية مختلفة تعهدها التليفزيون بالإنتاج الحكومى لتغذية الإرسال الجديد بساعات طويلة من البث، وما صاحب ذلك من دعاية ضخمة لهذه الفرق.
وانضمام جيل جديد من نجوم الكوميديا المحترفين مثل (فؤاد المهندس و أبو بكر عزت و محمد عوض و شويكار و عبد المنعم مدبولى … الخ).
وتشجيع الجمهور على الالتحاق بمسارحهم من خلال توفير تذاكر بأجور رمزية، مع منح هؤلاء النجوم أجورا عالية خارج القدرة التنافسية للمسارح الخاصة.
مسرحية (سيدتى العبيطة)
حاول (أبو السعود الإبياري) و(إسماعيل) الرد على إحدى هذه المسرحيات وهى مسرحية (سيدتى الجميلة) بمسرحية (سيدتى العبيطة)، لكن مع انتهاء المسرحية اتصل (أبو السعود الإبياري) بإسماعيل:
الحق يا إسماعيل!
فيه ايه يا أبو السعود؟
الممثلين كلهم أعلنوا النهارده انه آخر يوم شغل ليهم لغاية ما ندفع مرتباتهم المتاخرة.
كانت إيرادات (فرقة إسماعيل ياسين المسرحية) بالفعل قد انخفضت، حتى أن راتب كل من إسماعيل و (أبو السعود الإبياري) كان يقدر ب500 جنيه شهريا، لكن في الموسم الصيفى الأخير كان الإيراد قد بلغ 19 جنيها فقط!
تقدم (إسماعيل ياسين) مع شريكه (أبو السعود الإبياري) بشكوى إلى المسؤولين في التليفزيون لتعويض بعضا من خسائرهم دون جدوى.
بل و بدأ يوميا استقبال الدائنين من موردين ومفتشى ضرائب لتنتهى مطالباتهم بالحجز على بعض ممتلكات إسماعيل ياسين وحسابه في البنك، ليبدأ التوتر العصبى والضغوط النفسية المتتالية في إنهاك إسماعيل و (أبو السعود الإبياري) معا بأمراض مختلفة.
انتهت بوفاة (أبو السعود الإبياري) ليكون رحيل رفيق العمر وعقله المدبر الضربة القاسمة لإسماعيل وفرقته.
رغم أن (إسماعيل) كان يدرك جيدا أنه لا نهوض له بعد اختفاء (أبو السعود الإبياري) إلا أنه حاول محاولة يائسة في مسرحية بعنوان (اتفضل قهوة) مع فرقة (مسرح عمر الخيام أمام الوجه الجديد (سهير رمزي)، ابنة صديقته القديمة وشريكته في بعض أعماله السابقة المطربة (درية أحمد).
لكن تفاعل الجمهور المحبط وخلو مقاعد المسرح كانت رسالة واضحة وصريحة لإسماعيل فهمها على الفور .. أن الوقت قد حان .. وأنها النهاية.