(ألبيرت بينتو) يتصدر فيلمه قائمة أفضل 10 أفلام على (نيتفليكس)!
بقلم: مجدى صادق
لم يكن (سندباد) القط المصري الذى وجد ته سلطات إحدى الموانئ بمدينة فليكستو البريطانية قادما من ميناء الأسكندرية داخل حاوية على متن سفينة فى رحلة طولها 3 آلاف ميل دون شراب أو طعام على مدى 17 يوما عمر الرحلة.
وهو ماجعل البحارة يطلقون عليه اسم (سندباد) حيث أدخل الحجر الصحى بعد أن أعلنت حالة الطوارئ وبدء حملة جمع أموال من أجل هذا القط المصرى!
تذكرت هذا وأنا أرى عشرات الاف من المهاجرين غير الشرعيين يتم تهريبهم والزج بهم عبر الكثير من الحاويات حيث يلقون مصيرهم عبر امواج المحيطات والابحار بحثا عن حياة كريمة !
لكن الفرق بين القط المصري والمهاجر غير شرعى فرقا شاسع حيث استقبل القط المصرى (سندباد) استقبال حافل حيث كان هناك اعلان بحثا عمن يتبنى هذا القط !
فى حين أن الإنسان المهاجر غير شرعى يعامل معاملة (ذليلة)، ويعتبرونه (مجرما)!
إقرأ أيضا : مجدي صادق يكتب: مسامير (مالك نجر) !
من هذه التجارب الإنسانية التى تلقى بروعها على شعوب أوروبا وأعنى الهجرة غير الشرعية كان (أرنست رييرا وتيريزا دو روزيندو)، قد نسجوا من تلك القصص قصتهم التى حملت عنوان (نو هوير- اللا مكان) لفيلم أسبانى من إخراج (ألبرت بينتو) يتصدر قائمة أفضل 10 أفلام على منصة (نيتفليكس)!
تدور أحداث الفيلم حول امرأة حامل تدعى (ميا – أنا كاستيلو) تهرب من واقعها المآساوى المؤلم فى بلد فى حالة حرب و قد استولت حكومة شمولية مستبدة على وطنها ليعيش الشعب حالات من القهر ووطأة الاستبداد والخنوع.
لكن لحظات الاختناق عند (ميا) عندما فقدت ابنتها البكر (أوما) التى اختطفها الجيش المسلح بعيدا الى المجهول!، وقبل لحظات الانفجار وأعنى اللحظات الإنسانية التى يعيشها أى إنسان مقهور تغتصب حريته وإنسانيته.
لم تجد (ميا) وسيلة للهرب
لتقرر أن تضع طفلها بعيدا عن هذا الوطن المخطوف، وهو مشهد تكرر كثيرا على مدى حياتنا البشرية!، ولم تجد (ميا) وسيلة للهرب من واقعها وحياتها القاسية سوى الهروب داخل قوارب الموت والاختباء داخل (حاوية) بضائع على متن سفينة بحثا عن حياة أفضل رغم أنها (محفوفة) بالمخاطر.
وإذ بعاصفة عنيفة تلقى بالحاويات عرض البحر وباحداها تختبئ (ميا) الذى يجرفها البحر وهى على موعد من (ولادة) طفلها وهى لاتعرف لها عنوان، فمرة تجرفها المياه هنا ومرة هناك، إلا أنها تقاوم من أجل معركة (الحياة) على مدى 109 دقيقة مدة عرض الفيلم!
إقرأ أيضا : مجدى صادق يكتب: (تشيللو).. فيلم سعودى هوليوودى للمستشار (تركى آل شيخ)!
الفيلم من نوع أفلام الأكشن والمغامرات، وأيضا التشويق الذى يتسم به أسلوب المخرج ألبرت بينتو (كاليفورنيا)، الذى قدم مسلسله (برلين) العام الماضى، وفيلم (ملازانا 32) عام 2022.
الغريب أن مؤلف العمل اثنان لكن كاتب السيناريو والحوار 3 كتاب هما (ميجيل روز وأنديانا ليست وشون وينسلوا) علاوة على المؤلفين الاثنين الآخرين!
كانت خطة (ميا) وزوجها (نيكو) هى الهرب إلى أيرلندا وعبر سماسرة الموت تم ترتيب الرحلة على متن سفينة حاويات هو وزوجته وهم يختبئون من الكلاب وازيز الطائرات العمودية الذى تحلق فوق رؤوسهم.
وذلك قبل الهرب داخل إحدى حاويات الشحن وسط أكوام البضائع، فى حين تم فصل الزوج فى حاوية أخرى وتواجه (ميا) القدر بمفردها ضمن حاوية مكتظة بالنساء الحوامل وغير الحوامل والأطفال تحديات الموت بمفردها.
حيث تمكنت من الاختباء خلال نقطة تفتيش عسكرية بعد أن أطلق مجموعة من المسلحين النار على الجميع من الأطفال والنساء الحوامل وتحاول (ميا) الاتصال بزوجها لتحذره من الخطر، لكنها تفشل فى التواصل معه لتتوالى الأحداث بشكل أكثر دراماتيكية مع أغنية (لا مكان) كخلفية موسيقية معبرة عن حجم الماساة!
فى محاولتها الأخيرة للخلاص من الغرق بعد أن ملات الثقوب الحاوية التى تتسرب إليها المياه، وقد يأست من بقاء الحاوية عائمة تصنع من حاويات الطعام البلاستيكة داخل الحاوية كنوع من التمويه عن تهريب بشر داخلها منصة للعوم تشدها الواح خشب الصناديق.
قصة الطفل السورى (إيلان)
وتثبت (ميا) ابنتها فوقه وتستسلم لمياه المحيط بينما نرى الحاوية تغرق تدريجيا، وقد نجحت (أنا كاستيلو) ببراعة فى تجسيد دورها باحترافية عالية وهو دور (سيكودرامي) بامتياز يجمع بين الخوف والذعر والفزع من الموت غرقا بطفلتها والأمل فى آن.
تعيش الطفلة أولا، ثم هى وكنا نتابع ونرى عند حدوث غرق كثير من قوارب الموت أن نرى طفل أو طفلة عائمة بمفردها على سطح البحر أو المحيط تتقاذف بها الأمواج حتى يأتى من ينقذها أو يموت غرقا، وكلنا يتذكر قصة الطفل السورى (إيلان) هكذا فعلت (ميا)!
الممثلة الأسبانية (آنا كاستيلو فيرى) من مواليد أكتوبر 1993 وبين عام 2013 حتى عام 2016 لعبت دور (دوريتا) فى المسلسل التليفزيونى الأسبانى، ثم جاءت انطلاقاتها السينمائية مع دور(ألما) فى الدراما (ذا أوايل ترى) أو (زيت الشجر).
ثم فى عام 2016 والتى فازت عنها بجائزة (جويا) لأفضل ممثلة جديدة، وقد أدت (أنا كاستيلو) دورها باقتدار وحرفية مابين الأمل فى الحياة والنجاة بطفلتها من الموت وهو صراع نفسى يحتاج لممثلة لديها إمكانات ضخمة لتجسيد تلك المشاعر وخاصة وهى بمثابة البطل التراجيدى للحدث ومحور ارتكاز احداث الفيلم برمته!
إقرأ أيضا : مجدى صادق يحاور المخرج السينمائى المصرى الأمريكى (بيتر تكلا) وسينما المهجر!
وكل من هؤلاء (تمار نوفاس) فى دور(نيكو)، و(مريم توريس) فى دور (لوسيا)، و(إيرينا برافو) فى دور (أنجيلا)، و( فيكتوريا تيجيرو) فى دور (فيكي)، و(مارى رويز) فى دور (ساندرا) أدوا أدوارهم كما رسمت لهم، خاصة وأن التصوير تم فى أماكن محدودة بإنتاج ليس بالضخامة!
من المؤكد أن تصوير الفيلم عبر البحر كان فيه إشادة كبيرة من النقاد حيث العواصف الهائجة، وقد نجح المخرج أن يخلق جوا دائما من التوتر والإثارة والتشويق، حيث جند معه المشاهدين من خلال نظرية (التقمص الوجداني) أن يشاركوا (ميا) مشاعر كيفية مواجهة الموت والصراع من أجل الحياة والبقاء بطفلتها!
رسائل ورموز يرسمها المخرج
هناك رسائل ورموز عقائدية يرسمها المخرج فى صناعة هذا الفيلم، حيث كان الحوت الذى يحيط بالأم ورضيعتها يحاوطهم كأنه يحميهم، فخافت الأم فى البداية وفى النهاية كان الحوت مرشدا لها ولابنتها عندما تاهت فى الماء.
حيث تعمد الحوت رمى الطفلة الرضيعة بالماء لتستدل الأم عليها من صوت بكائها ثم رحل الحوت بعدما اجتمعت الأم بابنتها رمزا لـ (حوت) النبى يونس عليه السلام، وحتى عملية فكرة الهروب ذاتها مثلما هربت السيدة مريم العذراء بطفلها خوفا من بطش (هيرودس) الملك أيضا حينا.
(ميا) اسمت طفلتها (نواة)، وهى أول وحدة فى بداية الخلق وبدء حياة جديدة، كثير من مثل هذه الرموز يمكنك اكتشافها على مدى مشاهدتك لأحداث الفيلم، لكن ليست هناك أي وجه شبه بسفينة نوح مثلما كتبت بعض اقلام النقاد!
لا تنسى أن هناك فيلم رومانسى امريكى مستقل يحمل تقريبا نفس العنوان وهو (الطريق إلى اللامكان 2010)، وهو أول فيلم روائى طويل للمخرج (مونتى هيلمان) منذ 21 عاما.
وكذلك فيلمه الطويل قبل وفاته فى أبريل 2021، لكن بكل تأكيد قصة الفيلم مختلفة تماما وإن اتفقت على (اللامكان)، وهى رمزا من المخرج (ألبرت بينتو) فى أننا نعيش اليوم فى اللامكان واللإنسانية!