بقلم: بهاء الدين يوسف
مثل حال العديد من الأشياء في حياتنا تحولت الماساة الإنسانية التي يعيشها أهلنا في (غزة) إلى خبر قديم لم يعد يحرك في العديدين منا أي مشاعر من أي نوع.
بل إن كثيرين باتوا يتابعون أخبار القتل والموت جوعا وبردا وغدرا للفلسطينيين في (غزة)، وهم يتناولون الطعام أو يتسامرون على المقاهي، مثلما يفعلون وهم يشاهدون مباريات الكرة والدراما.
بالتوازي مع تراجع التفاعل الإنساني والشعبي مع مآسي (غزة) خلع أغلب الفنانين العرب ثوب التعاطف مع ما يحدث لينضموا إلى زملائهم الذين لم يحركوا ساكنا تجاه العدوان الإسرائيلي منذ بدايته، وكأن جيش نتنياهو يبيد سكانا في المريخ مثلا وليس أناسا تربطنا بهم صلات الدم والعروبة والانسانية.
لا أعرف إن كان هذا من المؤسف أو لحسن الحظ أن هناك عشرات الفنانين في الغرب (الكافر) لا تزال إنسانيتهم حاضرة حتى لو كانت على حساب مصالحهم الفنية ذاتها، مثلما فعل من قبل الممثل (بن أفليك) الذي تحدث قبل سنوات طويلة عن حق الفلسطينيين في (غزة) أن يعيشوا في أمان في دولة خاصة بهم.
وتعرض الممثل الشهير الذي كان أحد أبرز نجوم جيل الألفية الجديدة في هوليوود نتيجة آرائه الجريئة لحملة مقاطعة من اللوبي الصهيوني في أمريكا تسببت في تجاهل شركات الانتاج له وهى التي يمتلك اليهود أغلبها.
هوليوود تنبذ (ميل جيبسون)
كذلك تعرض الممثل الشهير (ميل جيبسون) للنبذ من هوليوود رغم أفلامه الناجحة واسمه الكبير الجاذب للإيرادات بسبب فيلمه آلام المسيح الذي فضح فيه أكاذيب اليهود، وقرأنا كذلك عن قيام الممثل (داني جلوفر) شريكه في سلسلة أفلام (Lethal Weapons) بالتوقيع على إعلان يدين إسرائيل باعتبارها (نظام فصل عنصري).
غير ذلك نتابع يوميا تقريبا مواقف مشرفة من فنانين لا علاقة لهم بـ (غزة) ولا العرب ولافلسطين، ترفض حملات التجويع والترويع والقتل المجاني من قبل الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في وقت لم نعد نسمع صوتا ولو خافتا من أي فنان عربي يتحدث فيه عما يفعله الصهاينة بإخواننا في فلسطين.
في الحقيقة لا أفهم ما الذي يدفع مغني راب أمريكي شهير مثل (ماكليمور) يلوح بالكوفية الفلسطينية خلال إحدى حفلاته تعبيرا عن تضامنه مع حق الفلسطينيين في الحياة ورفضه للإبادة الجماعية التي يتعرضون لها على أيدي جيش الحفاضات الاسرائيلي، بينما يلتزم المطربون العرب الصمت المطبق تجاه ما يحدث؟!
لا أفهم أيضا ما الذي يدفع ممثلة بقيمة (سوزان ساراندون) وممثل بشهرة (ليام نيسون) للانضمام إلى المظاهرات المطالبة بوقف الحرب في (غزة)، بينما لا نقرأ في الصحف والمواقع العربية من أخبار عن الفنانين العرب سوى التفاهات.
فهناك خبر عن قيام المطربة (شيرين) بإهانة إحدى معجباتها لأنها طلبت منها شيئا لا أتذكره ربما التصوير معها أو أمرا من هذا القبيل، وهناك خبر (انفراد) عن أسباب قيام ممثلة أخرى لا أتذكر اسمها بإزالة الحسنة من وجهها!
(جون ستيوارت) ضد (غزة)
في الغرب نرى فنانين ومقدمي برامج مشاهير في أمريكا والعديد من الدول الغربية يتجرأون على انتقاد المسؤولين في بلادهم بسبب مواقفهم المؤيدة لإسرائيل مثلما فعل مؤخرا (جون ستيوارت) مضيف برنامج (دايلي شو) السابق.
وهو بالمناسبة يهودي الديانة، حينما قال مازحا إن الشيء الوحيد الذي اتفق عليه كلا الحزبين السياسيين الأمريكيين هو دعم قصف إسرائيل لـ (غزة).
ما الذي حدث للفنانين العرب؟!، هل ماتت إنسانيتهم مثلما ماتت أغلبية الشعوب العربية التي تشاهد وتسمع ما يجري للأطفال والنساء في (غزة)، وهى تمصمص شفاهها وهو أقصى تضامن تقدمه الشعوب العربية للتعاطف مع من تسحق حيواتهم يوميا؟!
لماذا لم نعد نقرأ شيئا عن فنانين يقيمون حفلات خاصة لجمع التبرعات لأطفال فلسطين، أو يشاركون في مناسبات خاصة لدعمهم؟! وهل هذا التخلي يعكس انتهازية الفنانين العرب أم ضعف ثقافتهم العامة وفهمهم لقضايا أوطانهم؟!
وهل صحيح أن أغلب الفناني العرب يقتصر اهتمامهم بالقضايا الوطنية على ما يحقق مصالحهم ويرفع أسهمهم في سوق الفن؟!، فضلا طبعا عن تضامنهم مع بعض القضايا لهدف وحيد هو كسب ود القيادات السياسية في بلدانهم أو في بعض الأحيان بتوجيه مباشر من تلك القيادات.
وهل يقبل الفنانون الذي يصدعون رؤوسنا ليل نهار بالحديث عن قيمتهم الفنية والاجتماعية التي تتجاوز حدود بلدانهم أن يؤدوا دور عرائس الماريونيت التي تحتاج دائما من يحركها من خلف الستار؟!